مع قرب تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن صلاحياته الدستورية، وانطلاق الإدارة الأميركية الجديدة في رحلة السنوات الأربع المقبلة، ثمة سؤال أساسي يطرح بإلحاح في الشرق الأوسط: هل تعتبر ولاية بايدن ولاية ثالثة للرئيس الأميركي الأسبق بارك أوباما، أم أنها حقاً ولاية جو بايدن؟ إنه سؤال مشروع في ضوء التعيينات التي تسبق انتقال السلطة الفعلي يوم الأربعاء المقبل، إذ يعود أركان عديدون من إدارة أوباما الى الإدارة الجديدة، ويتم توزيعهم على مناصب رئيسية في السياسة الخارجية والاستخبارات والدفاع، وسيكون لهذه التعيينات تأثيرها المباشر في السياسة الأميركية في المنطقة، كونها تعكس من خلال اختيار الأشخاص في المناصب الحساسة المعنية بالشرق الأوسط مناخ الإدارة الجديدة، وتوجهاتها في المرحلة المقبلة. فالمعلومات تشير الى أن أركاناً من فريق الرئيس جو بايدن يجرون منذ بضعة أشهر اتصالات بجهات إيرانية تهدف الى إعادة الحرارة الى الاتصالات الأميركية – الإيرانية، ومنع الرئيس دونالد ترامب من الانزالاق الى مواجهة كبيرة مع إيران. وهنا يمكن اعتبار ما يسمى سياسة "الصبر الاستراتيجي" الإيرانية، انعكاساً لرهان إيران على رحيل ترامب ومجيء بايدن على أمل أن تعود عقارب الساعة أربع سنوات الى الخلف، عندما كانت العلاقة الضمنية بين طهران وإدارة الرئيس أوباما جيدة، لا بل ممتازة، أفادت منها إيران لكي توسّع نفوذها في الإقليم الى حدود بعيدة، مستغلةً رهان أوباما على فتح صفحة جديدة معها، وذلك على حساب الحلفاء التقليديين في المنطقة من عرب وإسرائيليين. واليوم، في ضوء طبيعة التعيينات الجديدة في الإدارة التي تمسّ شوؤن المنطقة دبلوماسياً، وعسكرياً، واستخبارياً، تتنتظر إيران بفارغ الصبر انطلاق مرحلة تفكيك سياسة ترامب الشرق أوسطية، بدءاً من إعلان رسمي لعودة أميركا الى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب سنة 2018، وإطلاق برنامج إلغاء العقوبات القاسية التي أنزلها ترامب بإيران، ما أدى الى تدمير الاقتصاد الإيراني وإضعاف برامج طهران العسكرية في الداخل والخارج. وهنا لا تزال مسألة العودة البسيطة الى الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات غامضة، لا سيما أن وجهة نظر داخل فريق بايدن تقول إنه لا بأس من البناء على بعض جوانب سياسة ترامب التي أضعفت موقع إيران التفاوضي مع أميركا والمجتمع الدولي، ودفعها الى الجلوس أولاً الى طاولة المفاوضات لبحث ثلاثة ملفات أساسية صارت مطلوبة بعد مرور أربع سنوات على التوقيع على الاتفاق النووي: الأول، أن الاتفاق النووي يحتاج الى تعديل جوهري على مستوى السقوف الزمنية قبل تحرير إيران من التزاماتها، بحيث يصبح طويل الأمد بما يمنع نهائياً عودة إيران الى إحياء برنامجها النووي العسكري الذي لم يتوقف سراً ويجتاج الى تشدد أكبر والى عمليات تفتيش أوسع للكشف عنه وتفكيكه. الثاني وضع ملف برنامح إيران الصاروخي البالستي الدقيق الذي لم تقاربه إدارة أوباما رغبة منها في إنهاء التفاوض على الاتفاق النووي بسرعة وتوقيعه قبل انتهاء ولايته. والبرنامج الصاروخي البالستي المتوسط والبعيد المدى يمثل تهديداً كبيراً جداً لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً أنه يمكن نشره من العراق الى سوريا ولبنان واليمن لمحاصرة المنطقة بأسرها بصواريخ قادرة على حمل رؤوس كيماوية توازي بخطورتها الرؤوس النووية. أما الملف الثالث فيتعلق بالسياسة الإيرانية في المنطقة العربية المجاورة لها في ضوء تجربة استغلال طهران تحرير أموالها التي كانت مجمدة في المصارف الغربية، لاستخدام معظمها في قطاع التسليح، وتمويل سياسة توسع عدوانية في الشرق الأوسط، إما مباشرة عبر "الحرس الثوري "، أو مواربة عبر الميليشيات التابعة له في دول المنطقة مثل "الحشد الشعبي" في العراق، و"حزب الله" في لبنان، ولواء "فاطميون" الأفغاني في سوريا، و"الحوثيين" في اليمن، و"حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة. هذه التجربة التي أسهم تواطؤ إدارة أوباما في تشجيعها، تمثل اليوم في عيون حلفاء أميركا تهديداً وجودياً الى درجة استعداد الدول المعنية في المنطقة لمواجهة مع إدارة بايدن في حال العودة الى التواطؤ الماضي. وعليه، يمكن القول إن المنطقة تنتظر ما سيقدم عليه الرئيس بايدن في الأسابيع الأولى لولايته، لمعرفة هل سيكون واجهة لحكم أوباما من خلف الستارة، تحديداً في ما يتعلق بالسياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. فهل تبدأ ولاية الرئيس بايدن بقرارات من قبيل الضغط على إسرائيل لمنعها من مواصلة برنامج الضربات في العمق ضد أهداف إيرانية في سوريا، وعلى الحدود مع العراق لقطع طرق طهران – دمشق – بيروت؟ أم يكتفي في بداية رحلته الرئاسية بسحب البوارج الأميركية التي أرسلها ترامب أخيراً الى الخليج وبحر عُمان لخفض مستوى التوتر مع طهران؟
مشاركة :