تصاعدت وتيرة التحركات الاحتجاجية في تونس، مما يذكر بالسنوات الأولى للثورة، لكن ارتفاع نسقها ليلا وخلال الحجر الصحى الشامل وحظر التجول واستهداف محلات ومقرات أمنية في عدد هام من الجهات التونسية اعتبرته وزارة الداخلية أحداث عنف، في حين يراها البعض الآخر تعبيرا عن «احتقان وسخط» من فئة مهمشة ومعطلة، إثر فشل الحكومات المعاقبة منذ الثورة في تحقيق «الكرامة والشغل» للشباب، بحسب تحليل الباحثة التونسية كريمة الماجري. صمت السلطات بينما استغرب الاتحاد العام التونسي للشغل ـ أكبر منظمة نقابية في تونس ـ صمت السلطات على ما يجري، وطالبها بتوضيحات شافية تبدّد الإشاعات وتطمئن عموم التونسيات والتونسيين وتحمّل المسؤوليّات..ودعت منظمة الأعراف ـ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ـ الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، والحكومة، والبرلمان) وكل مكونات الطبقة السياسية في الحكم أو في المعارضة، والمنظمات الوطنية ومختلف قوى المجتمع المدني إلى تحمل مسؤولياتها للعمل على وقف نزيف العنف والتخريب.أسباب انفجار الاحتجاجات في تونس وكشف «الاتحاد العام التونسي للشغل»، عن أسباب انفجار الاحتجاجات الشعبيىة وتصاعدها وتمددها لتشمل كل المحافظات التونسية، وأكد في بيانه انه يدرك مشروعية الغضب الذي يعتمل في صفوف شباب تونس الذي أنهكته «البطالة، والتهميش، والفقر، والتمييز، والحيف الاجتماعي»..مجددا تحذيره حول الانفجار الاجتماعي المرتقب نتيجة انشغال الائتلافات الحاكمة منذ 2011 بالتموقع وتقاسم الغنائم وفي مواصلة اتّباع الخيارات السياسية اللاّشعبية التي أثقلت كاهل الشعب وعمّقت فقر غالبيته ومارست تجاهه الحيف والتجاهل لتستثري أقلّية حازت على الامتيازات والتحفيز والثروة، مسجلا في الوقت نفسه عجز الدولة عن ايجاد الحلول لا تكمن الحكمة في تبرير العنف بالنظر إلى جذوره البعيدة والقريبة، ولكن ماذا بعد؟ وهل يمكن للحلّ الأمني أن يكون هو الجواب الوحيد للدولة ؟ وتشير الدوائر السياسية في تونس، إلى أخطر أسباب انفجار الغضب الشعبي، حين يفقد المواطنين الثقة في «السياسة والسياسيين»، مع مشهد سياسي متصدّع، وخلافات وتنازعات بين السلطات حول «الصلاحيات»، دون اهتمام بـ «الواجبات» أولا تجاه الشعب التونسي ومتطلباته.. «التونسيون» يبحثون عن آمان اجتماعي اقتصادي .. و«السياسيون والحزبيون» يبحثون عن نفوذ السلطة، وهي حالة لم يعد يتحملها شباب تونس. توتر مكتوم بين مؤسسات السلطة الثلاث وحذر سياسيون في تونس من مؤشرات المشهد السياسي، الملبد باختناقات وتجاذبات سياسية، وصراع على الصلاحيات، ومناوشات داخل برلمان «مترهل » الأداء، وخلافات وتوتر «مكتوم» بين مؤسسات السلطة الثلاث ( رئاسة الجمهورية، والحكومة، والبرلمان)، وأزمات اقتصادية واحتقان اجتماعي، بعد عشر سنوات من الثورة التونسية..والمشهد العام ينبىء بأن تونس على أبواب «أزمة نظام»، وهو التعبير الذي تردد على لسان رئيس الجمهورية، قيس سعيد. و«أزمة النظام» فتحت أبواب الجدل حول: فشل النظام البرلماني والعودة للنظام الرئاسي.. وحول إمكانية توجه الرئيس قيس سعيد لطرح مبادرة تعديل الدستور.. وتعديل نظام الانتخابات.. ووضع تصورات لصلاحيات مختلف مؤسسات الدولة.هشاشة الدولة وتشير الأحداث إلى تحوّل في نمط العلاقة بين التونسيين وممثلّي السلطة، وفي تمثّلهم للسلطات (التنفيذية والتشريعية، وحتى القضائية) وإدراكهم لمركز القوّة والسيادة والنفوذ والقانون، بحسب تعبير الباحثة السياسية التونسية، آمال قرامي. وفي تجسيدها لوقائع المشهد العام في تونس، قالت «قرامي»: تتواتر علينا الأخبار الدالة على هشاشة الدولة وخروج عدد من المؤسسات عن السيطرة، ولجوء البعض إلى أشكال غير مألوفة من «الاحتجاج»، والدخول في الإضراب. آزمات المشهد السياسي تجسدت في مؤشرات «الحرب الباردة» بين السلطات الثلاث ( رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان)، مع تعقيدات (حرب الصلاحيات) بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة)، بينما يرزح التونسيين تحت وطأة معاناة معيشية في ظل أزمة اقتصادية طاحنة. تراكمات الأزمات يخطئ من يعتقد أن تونس إزاء حالة عنف طارئة، أو أن أسبابها تعود فقط إلى عشرية الثورة، كما يخطئ من يعتقد بأن هناك جهة ما بصدد تحريك كل هذه التحركات وأنها تهدف من ورائها إلى تحقيق غايات سياسية بالمعنى العام للكلمة، وإذا كان لابدّ من البحث في الأسباب الحقيقية، فلنقف أساسا عند عناصرها الأساسية وعند تراكماتها عبر الزمن وعن الرسائل التي توجهها للدولة وللمجتمع في آن واحد، بحسب تقدير المحلل السياسي التونسي، زياد كريشان، فالعنف الجماعي الذي يلجأ إليه بعض شباب المدن والأحياء، ليس وليد اليوم، وبعض عناصره الأساسية تعود إلى عقود طويلة، وهي مرتبطة بنسق الإدماج الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والثقافي لجزء هام من المواطنين.
مشاركة :