ما الذي يمكن للرئيس جو بايدن أن يفعله؟

  • 1/19/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في شهر يناير 2017 كان الشرق الأوسط الذي ورثه دونالد ترامب عن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين في حالة يرثى لها. فقد كان تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على مناطق شاسعة من الأراضي العراقية والليبية والسورية كما كانت الحروب الأهلية تعصف بليبيا واليمن. أما إيران وتركيا فقد كانتا تحلمان ببسط هيمنتهما الإقليمية على المنطقة مستغلتين تلك الأوضاع، فراحتا تتدخلان في الصراعات عبر منطقة الشرق الأوسط. أما إسرائيل فقد كانت تتصرف من دون رادع وكانت تمعن في التنكيل بالفلسطينيين وتزيد من سيطرتها على الضفة الغربية. باستثناء مواصلة تلك الجهود التي بدأها الرئيس باراك أوباما من أجل إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش الإرهابي، وبدل العمل على تغيير تلك العوامل السلبية التي كانت تؤثر سلبا على المنطقة فقد راحت إدارة الرئيس دونالد ترامب تواصل سياساتها التي تتسم بقصر النظر. وبدل العمل على لعب دور القيادة في التخفيف من التوترات وتسوية الصراعات فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية طرفا في الكثير منها، الأمر الذي زاد في تأجيجها أكثر من ذي قبل. قد يكون تنظيم داعش الإرهابي قد أصبح مفككا في كل من العراق وسوريا، غير أن التوترات الطائفية العميقة لا تزال تعصف بهاتين الدولتين حتى اليوم، كما أن الحرب في سوريا واليمن وليبيا قد أخذت بعدا دوليا مع دخول عدة أطراف ولاعبين إقليميين ودوليين يقفون في هذا الجانب أو ذاك من هذه الصراعات والحروب. أدى تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) إلى إضعاف إيران. رغم العقوبات المشددة، وفي ظل شعورها بالمرارة بسبب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي فقد واصل نظام طهران نشر الخراب والفوضى في المنطقة. أما تركيا، وحليفتها قطر، فقد أصبحت تلعب دورا متزايد الخطورة في دعم الجماعات السنية المسيسة وخاصة في سوريا وفلسطين وليبيا. بدأت اليوم تتشكل تحالفات جديدة معادية لإيران. أما إسرائيل فقد ازدادت قوة بعد أن حصلت من إدارة دونالد ترامب على شيك على بياض، فراحت تضرب المواقع التابعة لإيران والتنظيمات الموالية لها في سوريا ولبنان وحتى في داخل إيران نفسها كما صعدت من سياستها الرامية إلى تعزيز حضورها الاستعماري في الضفة الغربية، لتحول ذلك الحلم في إقامة دولة فلسطينية إلى أمر يصعب حتى تخيله. أما القيادة الفلسطينية فقد أصبحت رهينة نزوات المحتل، كما أنها ظلت تعاني من الانقسامات الحادة بين حركة حماس من ناحية والسلطة الفلسطينية من ناحية ثانية، الأمر الذي جعلها غير قادرة على رسم استراتيجية حقيقية تقود إلى التحرير، نتيجة ذلك تحولت أنظار المنطقة إلى أماكن أخرى. ها نحن ندخل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ونحن مازلنا ندفع ثمنا باهظا جراء التداعيات الكارثية الوخيمة التي نجمت عن كارثة الحرب العراقية التي أشعل فتيلها جورج بوش وعجز إدارتي باراك أوباما ودونالد ترامب عن ترميم الضرر. يجب ألا ننسى أيضا تأثير الجائحة على شعوب الشرق الأوسط وعدم قدرة الدول الضعيفة في المنطقة على الحيلولة دون انتشار الفيروس بين سكانها. يتعين على إدارة جو بايدن الجديدة أن تبدأ برسم مقاربتها للمنطقة غير أنه يتعين عليها أن توضح عدة أمور. يجب عليها أن تدرك أنه لا يمكن العودة بكل بساطة إلى الوضع الذي كان قائما، أي أن تعيد إحياء الاتفاق النووي مع إيران أو تعيد إطلاق محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. يجب على هذه الإدارة الجديدة أن تأخذ في اعتبارها الواقع الجديد الذي أصبح يسود في المنطقة وتخرج بالدروس المستفادة من خيبات الماضي.من الأهمية بمكان الاعتراف بأن الولايات المتحدة الأمريكية، وإن حافظت على الكثير من عوامل من قوتها مواردها فإنها لم تعد تستأثر بالدور القيادي المهيمن في العالم على غرار ذلك الدور المحوري الذي كانت تلعبه قبل عقدين من الزمن من الآن. ختاما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تدرك أنه لم يعد يمكن معالجة القضايا في الشرق الأوسط بشكل مجزأ. فقد أصبح كل شيء مرتبطا ببعضه البعض. لقد أصبحت مختلف الأطراف تلعب أدوارا في المنطقة بشكل أو بآخر وبدرجات مختلفة وتركيبات متنوعة في مختلف الهزات والقلاقل التي تشهدها المنطقة. قد لا يصل ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط إلى مرتبة الحربين العالميتين اللتين عصفتا بالقارة الأوروبية خلال القرن العشرين الماضي غير أن الوقت قد حان اليوم كي نعمل على معالجة الصراعات المتشابكة في الشرق الأوسط والتي ترتقي بترابطها إلى حجم حرب عالمية.إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل هذا الواقع الذي شخصناه، تريد أن تلعب دورا بناء فإنه يتعين عليها أن تعمل أولا على حشد الجهود الدولية الموسعة والتي تضع الأرضية اللازمة لرسم مقاربة شاملة لتسوية الأزمات المترابطة والتي تمزق منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي. يجب أن ترمي هذه الجهود في المقام الأول إلى المبادرة بتنظيم مؤتمر دولي للسلام يشمل كل الأطراف تحت رعاية وإشراف منظمة الأمم المتحدة. يجب أن تركز أجندة مثل هذا المؤتمر الدولي الموسع على وضع إطار موسع -على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا- بما يوفر لكافة الدول أرضية للحوار ومناقشة الضمانات الأمنية الإقليمية والالتزام بعدم التدخل أو الاعتداء. من شأن هذا أن يضع الأرضية الملائمة للنهوض بالتجارة والاستثمار في المنطقة، الأمر الذي سيساهم بدوره في تحقيق مزيد من الاندماج والرخاء. يعتبر مثل هذا المؤتمر الدولي الذي تحدثت عنه مسألة ضرورية ملحة من أجل بناء مجموعات عمل يقوم المشاركون من خلالها بالعمل على طرح ومعالجة مختلف المشاكل التي تعصف بالمنطقة. على سبيل المثال يتعين أن تركز النقاشات على الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين والحرب الضروس في سوريا واليمن وليبيا وإزالة أسلحة الدمار الشامل والدور الهدام الذي يلعبه التطرف الطائفي الديني. لا شك أن بناء مثل هذه المقاربة سيكون صعبا، كما أنها ستقابل بالرفض من الأطراف المتشددة في بعض الدول في المنطقة غير أنها ستوفر بعض المزايا والخيارات. وبما أن كل صراع من هذه الصراعات التي تعصف بالمنطقة يشمل لاعبين إقليميين متنافسين فإن مواصلة العمل بنفس الأسلوب المجزأ ومحاولة تسوية كل صراع على حدة وكأنه نتاج اضطرابات المحلية من شأنه أن يقودنا مرة أخرى إلى طريق مسدود. يمكن توسيع المقاربة القائمة على مجموعة دول 5+1 وإكسابها مزيدا من القوة والنفوذ بدل التركيز على مشكلة واحدة. يتعين أيضا تطوير رؤية فعالة للسلام في الشرق الأوسط حتى يتاح لشعوب المنطقة تلمس الإمكانات المتاحة لهم والتي ترسم أمامهم آفاق مستقبل واعد. إن مثل هذه المقاربة من شأنها أن تلهم صناع الرأي من أجل المطالبة بتغيير المسار والخروج من هذه الدوامة الراهنة التي تتخبط فيها منطقة الشرق الأوسط.تظهر استطلاعات الرأي التي نجريها أن الشعوب في الشرق الأوسط تريد الوحدة الإقليمية والاستثمار في المستقبل الذي يحقق السلام والرخاء. لقد سئمت هذه الشعوب الحروب وهي تريد الاستقرار الوظيفي والتعليم والرعاية الصحية وبناء مستقبل أفضل لأبنائهم. لقد حان الوقت للاستماع إلى ما يقولونه. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :