الدراما العربية تتوغل في المسكوت عنه اجتماعيا عبر سلسلة "نمرة اتنين"

  • 1/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال منصة “شاهد” تستقطب الكتّاب والمخرجين، وخاصة أصحاب الأعمال التي تغرّد خارج السرب من حيث المضمون أو الشكل أو حتى طريقة الإخراج لتقديم أعمالهم. ويأتي المسلسل العربي “نمرة اتنين” كواحد من تلك التجارب التي لاقت استحسانا، ليس فقط من قبل أصحاب المنصة، وإنما أيضا من قبل جمهورها الخاص. انتهى منذ فترة وجيزة عرض المسلسل العربي “نمرة اتنين” على منصة “شاهد في.آي.بي”، ليكون واحدا من أعمال منصة شاهد الأصلية، والذي استمر عرضه لمدة ثمانية أسابيع بمعدل حلقة أسبوعيا. والمسلسل عبارة عن ثماني حلقات منفصلة تماما، لا يربطها ببعضها البعض سوى الفكرة الرئيسية التي تنسب لصاحبها آدم عبدالغفار، والتي تقوم على أساس ماذا لو اعترضت حياتنا، بالصدفة علاقة عابرة ثانية، وكيف ستكون تداعياتها على حياة الشخص والشريك والعائلة بشكل عام؟ بين الواقعي والفانتازي فكرة العمل تبدو واقعية جدا ومقبولة اجتماعيا، إلا إذا استثنينا بعضا من تلك الحلقات الثماني التي ستشذّ عن العرف الاجتماعي لتسلط الضوء على فئات اجتماعية معينة ومحددة، قد لا تمثل الشريحة الأعظم من المجتمع العربي عموما والمصري خصوصا. ويبدو أن تمرير تلك الحلقات الفانتازية ضمن سلسلة العمل، والتي تحمل توقيع كتّاب ومخرجين وممثلين لهم شعبيتهم وجماهيريتهم، في ظل عدم وجود رقابة تحكم منصات العرض الخاصة والمدفوعة الأجر، لم يكن اعتباطيا، فقد أباح تقديم الكثير من النشاز الفكري والعقلي وحتى المجتمعي، حيث أظهر صورة المجتمع العربي وخاصة المصري على أنه منفلت وقبيح ولا محظورات تقيّده، وهي صورة مقتطعة ولا تمثل سوى شريحة طفيفة من المجتمع قد لا يعرفها حقيقة باقي أفراده. فعلى سبيل المثال هناك أجواء صاخبه تمارس من خلالها الكثير من العلاقات غير المشروعة، بالإضافة إلى الإفراط المقصود في تناول الكحول لدى فئة عمرية شابة وكأنه أمر اعتيادي وطبيعي، كل ذلك في ظل مجتمعات بطبيعتها محافظة، والأهم من كل ذلك فقيرة، ورغم أن المنصة كانت قد أشارت إلى حلقات بعينها على أنها مخصّصة للكبار ولمن هم فوق 18 سنة، يبقى السؤال ما الهدف من تقديم تلك الأعمال؟ وما هي الشريحة المستهدفة منه؟ فكرة العمل الرئيسية تقوم على التساؤل: ماذا لو اعترضت حياة شخص ما علاقة عابرة، وكيف ستكون تداعياتها؟ والمفارقة أن صاحب فكرة العمل آدم عبدالغفار، الذي كتب وأخرج حلقة بعنوان “آخر الليل” من بطولة إياد نصار وأمينة خليل، سبق وأن صرّح في حوارات تلفزيونية أن تلك الحلقة كانت السبب في قبول فكرة المشروع برمته من قبل منصة شاهد، وهي من أكثر الحلقات بُعدا عن المجتمع العربي، فأحداثها تدور حول اليوم الذي تحتفل فيه عروس لتوديع العزوبية، ويصادف أن تتواصل عبر الهاتف وعن طريق الخطأ وهي في حالة من السكر والطيش بأحد العاملين في الفندق، وأثناء تلك الهلوسات غير الواعية تبوح له بمكنوناتها الداخلية وبجزء من أسرارها، فأين مجتمعاتنا من تلك الطقوس الاحتفالية التي لا يقوى على قبولها لا العرف والعادات ولا حتى الوضع الاقتصادي الذي نعيشه. وكان العمل الذي صوّر في أكثر من مدينة عربية منها جدة، القاهرة، الجونة وبيروت قد استغرق سنتين في ما بين التحضير والإنتاج حتى يظهر إلى النور، وهو من بطولة مجموعة كبيرة من النجوم الشباب والمخضرمين أمثال محسن محيي الدين، شيرين رضا، ماجد الكدواني، عادل كرم، منى زكي، نيلي كريم، آسر ياسين، إياد نصار، أحمد صلاح السعدني، أروى جودة، منة شلبي، عمرو يوسف، صبا مبارك، نهى عابدين، أمينة خليل، أحمد مالك، بسنت شوقي، سارة طيبة، ميران عبدالوارث، سينيا خليفة وغيرهم الكثير. بينما اعتمد المسلسل في تأليف حلقاته الثماني وكنوع من التنوّع، على خمسة كتاب سيناريو وهم: سماء أحمد عبدالخالق ووائل حمدي وسارة طيبة، إلى جانب آدم عبدالغفار ومريم نعوم التي أشرفت على المعالجة الدرامية لكل الحلقات، بينما كتبت السيناريو لحلقتين فقط. وأخرجه ثمانية مخرجين هم: هادي الباجوري وهاني خليفة وأحمد النجار وتامر محسن وطارق العريان ومحمد شاكر خضير وآدم عبدالغفار ويسري نصرالله في أولى تجاربه التلفزيونية. على الرغم من كل ما سبق، احتوى العمل على أربع حلقات درامية مثالية، قدّم من خلالها دراما رومانسية حالمة جميلة وقريبة جدا من روح المشاهد ومفاهيمه وعاداته على الرغم من أن نهايتها جاءت تقليدية. وتأتي على رأس تلك الحلقات، حلقة بعنوان “الي بيصير ببيروت” التي قامت ببطولتها الفنانة المصرية نيللي كريم إلى جانب اللبناني عادل كرم والمصري حازم سمير، والتي صوّرت في بيروت، وهي عن سيناريو وحوار لمريم نعوم وإخراج تامر محسن، وتدور أحداثها حول سيدة متزوجة (تُظهر بعض مشاهد الحلقة أن علاقتها الزوجية ليست مثالية)، وهي في طريقها إلى زيارة عمل في لبنان. ولكنها بعد أن تنهي عملها وبسبب الاحتفال البسيط الذي شاركت فيه صديقاتها والذي تكتشف من خلاله كم هي بعيدة عن أجواء الصخب التي تراها مناسبة أيضا لجيلها، يفوتها موعد الطائرة فتضطر إلى البقاء ليوم كامل في بيروت وقد أخلت غرفتها في الفندق، وبسبب الملل تلجأ إلى أحد مواقع التواصل الاجتماعي، فتتعرّف بالصدفة على رجل تقضي معه اليوم بأكمله إلكترونيا بمتعة وسعادة، لكنها ما إن تعود إلى القاهرة حتى تنهي تلك العلاقة الافتراضية. وكان لحضور عادل كرم الذي يُفاجئ المشاهد في نهاية الحلقة بعجزه وجلوسه على مقعد متحرك، طعم خاص، فهو ليس فقط حضورا تكميليا لشخصية لبنانية تطلّبها النص الدرامي، كما أن نيللي كريم بدت كعادتها تلقائية وصادقة، على الرغم ممّا تعيشه الشخصية خلال الساعات القليلة التي تسبق رحلتها إلى مصر والمتعلقة بعلاقتها مع زوجها، أو في الفترة التي تسبق موعد عودتها من بيروت إلى القاهرة برفقة صديقاتها، والتي كادت تضعها في مأزق أخلاقي أو على الأقل انحراف سلوكي. أما الحلقة الثانية والتي يجدر الوقوف عندها، فكانت بعنوان “فرق توقيت” عن سيناريو وحوار وائل حمدي وإخراج هادي الباجوري، وقام ببطولتها كل من ماجد الكدواني الذي يقوم بدور سائق في شركة “أوبر” لنقل الشخصيات، إلى جانب شيرين رضا إحدى عميلات تلك الخدمة، ولأن المرأة الغاضبة من زوجها والهاربة منه كانت قد استقلت سيارة أجرة أوبر قبل أن تتمكّن حتى من حجز تذكرة سفرها لمغادرة مصر وهي غاضبة من زوجها، ستكتشف لاحقا أن عليها الانتظار لساعات طويلة، فتشاء الأقدار أن تقضيها برفقة سائق الأوبر، الذي ستبوح له بأسرارها وحزنها، ولكن ما إن يحين موعد الرحلة حتى تعدل عن رأيها، فتنتهي تلك الدوامة وتلغي بدورها فكرة السفر، بعد أن حقّقت المطلوب بإفراغ غضبها وحزنها مع ذلك الرجل الغريب. أما الحلقة السادسة، والتي صوّرت في مدينة جدة السعودية تحت عنوان “من فين جا النور”، وهي من بطولة كل من يعقوب الفرحان وسارة طيبة التي كتبت أيضا القصة والسيناريو والحوار، فتدور أحداثها حول لمى التي تعمل مُنسّقة معارض فنية، والتي تجهّز معرضا فنيا لفنان سعودي قادم من برلين، فتقترح بناء قديما في جدة ليحتضن المعرض، لكن تشاء الأقدار أن يتم احتجازهما لساعات ضمن قبو ذلك البناء القديم، الأمر الذي سيسمح لهما بالتقارب والتعارف والبوح بالأفكار. وهو عمل يتميّز نسبيا بالجرأة فكريا في حال قورن بالأعمال النمطية السعودية التي كانت تقتصر على تقديم صورة المرأة في أعمال ومهن محددة، تمنعها من الاختلاط بالرجال بكل تلك القوة والسهولة في آن، كما أنه يظهر انفتاحا كبيرا في عقل الرجل السعودي، سواء عبر شخصية ذلك الفنان القادم من ثقافة أوروبية أو عبر خطيب لمى السعودي المقيم في السعودية. وتأتي الحلقة الثامنة والأخيرة من تلك السلسلة لتختتم الموسم، بواحدة من أجمل الحلقات عن قصة وسيناريو وحوار مريم نعوم وبتوقيع المخرج يسري نصرالله، وهي بعنوان “ما تقولش لحد” من بطولة منى زكي وأحمد السعدني، حيث تتعطل سيارة البطلة في طريق الغردقة، فتشاء الصدف أن تلتقي بحبيب المراهقة، فتقضي معه ساعات تلك الرحلة الشاقة التي تفرضها ساعات الحظر المرتبطة بكوفيد – 19، وما إن تنتهي تلك المحنة أو الرحلة حتى ينتهي كل شيء، وتعتبر هذه الحلقة أكثر الحلقات واقعية، ليس فقط بسبب المضمون، ولكن لمجاراتها زمنيا انتشار وباء كورونا أثناء التصوير وتوظيفه دراميا، كما تعتبر عودة مبشرة وقوية للفنانة منى زكي للعمل في الدراما التلفزيونية بعد فترة انقطاع. والجدير بالذكر أن تيترات العمل التي رافقت حلقاته تميّزت برسوم فنية لافتة، أتت من تنفيذ شركة “آروماك” بينما كانت الموسيقى من تأليف تامر كروان.

مشاركة :