... إلى وزارة البيئة دُر. فمن داخل مقرّ هذه الوزارة في وسط بيروت، والتي تمّ تحميلها مسؤولية ما آل اليه ملف النفايات في لبنان، اختارت مجموعات من المجتمع المدني الردّ على الحكومة بعد انتهاء مهلة الـ 72 ساعة التي أعطتها لها لتحقيق سلّة المطالب التي كانت حدّدتها خلال التظاهرة الحاشدة التي نُفذت السبت في «ساحة الشهداء»، وفي مقدّمها استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، ومحاسبة المسؤولين عن استعمال القوة المفرطة مع المتظاهرين وصولاً الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، وحسْم القرارات المتعلقة بأزمة النفايات بإعادتها الى البلديات، والدعوة الى انتخابات نيابية جديدة. وجاء مشهد احتلال مكاتب وزارة البيئة خلال وجود الوزير داخل المبنى، لساعات عدة قبل ان تتمكن قوات الأمن من إخراج المعتصمين من المبنى ليلا، لينقل الحِراك الذي أطلقه المجتمع المدني الى مرحلة جديدة، قد تكون مفتوحة على المزيد من شدّ الحبال بين القوى الأمنية ومجمل الطبقة السياسية وبين المجموعات التي تقف وراء التحرك في الشارع، ولا سيما بعدما تكاثرت التلميحات كما التصريحات الى وجود خلفيات سياسية، داخلية وخارجية، خلف هذا الحِراك الذي وضع مجمل الأطراف السياسيين امام استحقاق غير متوقّع عنوانه «الأرض المتحركة». والواقع ان مجموعة «طلعت ريحتكم» التي تتصدّر الحِراك في الشارع، تعمّدت استباق انتهاء مهلة الـ 72 ساعة، فقامت بـ «الإغارة» على مقر وزارة البيئة الكائن في مبنى اللعازارية قرب ساحة رياض الصلح وسيطرت عليه بفعل غياب الحضور الأمني المعتبر، اذ قام عشرات من الشبان والشابات بافتراش الممرات في الطبقة الثامنة حيث مكتب الوزير وراحوا يصفقون ويطلقون الهتافات الداعية لاستقالته. ومع تواتُر التقارير عن وجود وزير البيئة داخل مكتبه في الوزارة، تسارعت الاتصالات خشية حصول ما لا تُحمد عقباه بالتعرض للمشنوق، فيما توجّهت وحدات من القوى الأمنية الى الباحة الخارجية للمبنى، فارضةً حصاراً على الموجودين داخله ومانعةً المعتصمين امامه من الالتحاق بالمجموعة التي احتلّت الوزارة. وبإزاء إصرار محتلي الوزارة على رفض إخلائها قبل استقالة المشنوق، وتمسُّك وزير البيئة بالبقاء في مكتبه «المحروس» من عدد قليل من العناصر الامنية، اتجّهت الأمور نحو ارتفاع وتيرة التوتر، اولاً بفعل دعوة حملة «طلعت ريحتكم» وأخواتها كل المناصرين الى التجمع امام الوزارة كما في ساحة رياض الصلح، وهو ما ترجم بزيادة كبيرة في اعداد المتظاهرين أمام الوزارة، وثانياً نتيجة انذار وزير الداخلية نهاد المشنوق المعتصمين بالخروج من المبنى والانضمام لرفاقهم في الخارج، معتبراً ما يجري «مخالفا لنص الدستور اللبناني الذي يحمي حرية التظاهر ولكن لا يحمي احتلال مرفق عام»، وثالثاً اعلان المعتمصين انهم محاصَرون في الطبقة الثامنة بلا ماء او طعام ومناشدتهم الصليب الأحمر البقاء على جهوزية لمواكبة اي طارئ، علماً ان تقارير تحدثت عن ان قائد شرطة بيروت العميد محمد الايوبي أشرف على تزويدهم بالمياه لسدّ عطشهم نتيجة الحرارة المرتفعة التي فاقمها قفل المكاتب التي تحوي أجهزة التبريد. على ان الأكثر إثارة كان ما نُقل عن رئيس الحكومة تمام سلام، الذي سبق ان اعلن مراراً انه «من الناس ومعهم وأشعر بألمهم»، من انه لن يقدم هدية باستقالة وزير البيئة (القريب منه) وان «من الظلم رمي المسؤولية عليه بأزمة عمرها سنوات وتملّصت كل القوى السياسية من المساهمة في معالجتها»، وهو الامر الذي عكس ان مجموعات المجتمع المدني قامت بـ «دعسة ناقصة» باندفاعها الى احتلال مرفق عام هي التي أصرت على سلمية تحرّكها مراراً، وسط توقعات بان يرتدّ ما فعلته على هذا الصعيد على صورتها ومسيرتها التي أُربكت أساساً بتفاوت السقوف والمطالب، وخصوصاً بعدما التحقت بهذا الحِراك جماعات وشخصيات برزت في زمن وصاية النظام السوري على لبنان وكانت على صلة بأجهزة مخابراته. كما ان اندفاعة حملة «طلعت ريحتكم» أتت عشية اعلان وزير الداخلية اليوم نتائج التحقيقات التي اجريت في احداث استعمال العنف ضد المتظاهرين. علماً ان الوزير نهاد المشنوق استبق صدور هذه النتائج بتفجيره مفاجأة ذات دلالات بالغة الأهمية عبر قناة «العربية» اذ كشف ان هناك «جهات خارجية تساعد وتموّل وتحرّض» على التخريب «وهناك دولة عربية تثبت التحقيقات انها تقوم بدور فعال وسلبي في تحريض المشاغبين والتحريض على النظام، وسيحين وقت الإعلان عنها عند اكتمال التحقيقات»، متوقعاً استمرار أعمال الشغب والتي تقف خلفها أحزاب سياسية. وميز وزير الداخلية بين نوعين من المتظاهرين «اذ ان هناك الذين نزلوا ليعبروا عن حاجات الناس الى الخدمات الطبيعية وهناك فئة الذين نزلوا للتخريب والشغب وهؤلاء لا يتجاوزون العشرات». وقال إن «وزارة الداخلية لن تتخلى عن الحق في مطالبة المتظاهرين بالتزام السلمية، كما أن الوزارة لن تسمح بأي اعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة»، مشيراً إلى أن «بعض المندسين بين المتظاهرين السلميين يسعون إلى إشعال الوضع الأمني واختلاق المواجهات مع رجال الأمن»، ومؤكداً أن «القوى الأمنية لم تطلق أي رصاص حي أو مطاطي (السبت في 22 اغسطس)، لكن حصلت بعض الأخطاء التي لن تتكرر».
مشاركة :