تتميز كتابات الروائي المصري علي بريشة بالجمع بين الواقع والخيال والتاريخ والأسطورة، ونجد ذلك بوضوح في روايته «رحلات ابن البيطار»، الصادرة عن دار صفصافة للنشر. وقال هو عنها، إنها ترصد الصراع بين الهويتين الدينية والإنسانية على مر التاريخ. وأضاف، في حوار مع «الراي»، إنها ترتكز في أحداثها على شخصيتين هما، ابن البيطار ودانيال اللذان يبحثان عن جذورهما ويسعيان لإعادة الاعتبار لهما، الأول في مواجهة عواصف الحروب الصليبية وأساطيرها، والثاني في مواجهة هجمة قوى الظلام المرتدية لعباءة الدين. لافتا، إلى أن العرب أخذوا من الحضارة الغربية «قشورها» وأن نمونا العقلي، توقف عند أزمنة فائتة. وهذا نص ما دار معه من حوار: ● أهديت روايتك «ابن البيطار» للمناضل أحمد عبدالله رزة، كيف كانت علاقتك به؟ - لم أقابله في حياتي، وللأسف لم أسمع عنه حتى تُوفي، لكن عندما قرأت عنه وجدته قيمة مهمة جدا، فهو ينتمي للأشخاص المخلصين الذين يعملون في صمت، ويقدمون خدمات جليلة للمجتمع. ورغم هذا يظلون مهمشين وتضطهدهم الأنظمة الحاكمة ولا يحصلون على التقدير الذي يليق بهم، لذلك كان الإهداء للدكتور رزة، لأني أعتبره أحد المناضلين والمفكرين التي مهدوا لثورة 25 يناير. فالدكتور عبدالله رزة هو قائد اعتصام الطلبة في يناير1972، وطوال الوقت للأسف عندما كنا في الجامعة في التسعينيات كان هناك حالة من التعميم على تاريخ نضال الحركة الطلابية المصرية، خصوصا جيل السبعينات، وقصيدة «الكعكة الحجرية» لأمل دنقل قد خلدت هذه الحركة. وهذا يؤكد على دور الكتابة والإبداع في صناعة التاريخ، لذلك كنت حريصا أن أكتب الإهداء لأحمد عبدالله رزة حتى تبحث الأجيال الجديدة عن تاريخها وشخوصه المناضلين حقا. ● في روايتك «ابن البيطار» تتشابه مصائر أبطالك رغم اختلاف الحقب الزمنية واختلاف المجتمعات التي ينتمون لها، فهل التاريخ يعيد نفسه؟ - هناك مقولتان مهمتان «عقارب الساعة لا تعود للوراء» و«التاريخ يعيد نفسه» والمقولتان تبدوان متعارضتين، لكن صيرورة التاريخ من وجهة نظري تعمل وفق هاتين المقولتين، من دون أن ترى فيهما تعارضا، بمعنى كنت قد كتبت مقالا في جريدة الأهرام منذ عامين بعنوان «1815» كان يتحدث عن كوننا نعيش في فرنسا في هذا الزمن. ونشاهد حوارا بين شخصيين وواحد من أنصار الملكية وواحد من أنصار ثورة البستيل، الملكي يقول بعد 23 عاما من الحرب بسبب ثورتكم الملك لويس التاسع عاد، ونابليون يذهب الآن للمنفى، ومئات الآلاف قتلت وشردت بسببكم في أوروبا، هنا سوف يكون الشخص المنحاز لثورة البستيل محبطا، لأن الملك عاد وثورتهم تبدو أنها انتهت. ● لماذا اخترت تحديدا القرن الثالث عشر ليكون مفتتحا للرواية؟ - للأسف نحن كمجتمعات عربية مازلنا نعيش في العصور الوسطى، ونمونا العقلي توقف عند القرن الثالث عشر، فالحضارة الإسلامية حققت طفرات كبيرة وكان آخر رموزها ابن رشد في القرن الثالث عشر الميلادي. بعده بقرنين كاملين ظهر ابن خلدون في القرن الخامس عشر. ومن يومها لا يوجد مفكرون ولا علماء تنتجهم الحضارة الإسلامية، واختصر التاريخ والإنجازات في صورة الحاكم، تخيل أمة حينها كانت تحكم نصف العالم ولا يوجد بها عقول لامعة ومفكرون بارزون، ومنذ يومها حتى الآن ونحن مازلنا نناقش نفس القضايا. ● الرواية بها حالات لكتاب ومفكرين ولمقولات دينية متنوعة كم من الوقت أخذت للإعداد للعمل؟ - أخذت عامين في البحث، وشخصية يونس شخصية حقيقية، حيث كان متواجدا في لحظات القلق والخواء في الكرسي الكاثوليكي والصراع بين الفرنج والجيرمان، وكان عندي مشكلة أساسية في الرواية وهي أني كنت أقوم برحلة من الشرق للغرب. ● أشرت في العمل إلى أن الغرب تجاوز مفهوم العنصرية والتشدد الديني بعد قرون طويلة من الذبح والقتل، فهل نحتاج في الشرق لخوض هذه المسيرة مرة أخرى حتى نتحرر؟ - أتمنى ألا نخوض المسار نفسه، ومن الضروري أن نتعلم من تاريخ الإنسانية، ونتعامل بمفهوم المواطنة، فنحن للأسف أخذنا قشور الحضارة الغربية وتركنا المضمون المعرفي والقيم الإيجابية التي أنتجت على مدار قرون.
مشاركة :