شكلت الذكرى العاشرة لثورة يناير فرصة أمام جماعة الإخوان للتذكير بأنها لا تزال موجودة وفاعلة، وخاصة أن هذه الذكرى تتزامن مع صعود إدارة ديمقراطية للسلطة في الولايات المتحدة، والتي تراهن عليها الجماعة للعودة إلى المشهد. القاهرة - تحاول جماعة الإخوان المسلمين في كل مرة توجيه رسائل إلى الداخل المصري والخارج يفيد فحواها بأنها لا تزال قوية وقادرة على قلب المعادلة في أي لحظة، بيد أن مراقبين يرون أن الجماعة فقدت التأثير وأدوات الفعل لأسباب متعددة لعل أبرزها القبضة الأمنية المشددة التي مورست عليها طيلة السنوات الماضية، والانقسامات التي تلت سقوط حكمها، والأهم انفضاض القاعدة الشعبية من حولها. واستغلت الجماعة الذكرى العاشرة لثورة يناير التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل حسني مبارك في عام 2011 للقول إنها لا تزال موجودة وعازمة على تجاوز المحن وتعوّل على حراك شعبي آخر لطرد السلطة القائمة. وتحيي مصر هذه الأيام ذكرى اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حينما خرجت تظاهرات كبيرة ضد مبارك رفعت شعارات تطالب برحيله، وذلك على خطى الثورة التونسية التي أسقطت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وفي 11 فبراير، تنحى مبارك بعد ثلاثين عاما من الحكم وسلّم سلطاته إلى المجلس العسكري الذي عطّل العمل بالدستور وحلّ البرلمان. وجاء تنحي مبارك بعد 18 يوما من تظاهرات متواصلة تخللتها مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين. وتعهد الجيش بـ”انتقال سلمي” للسلطة وبإجراء انتخابات. وكانت جماعة الإخوان المسلمين أبرز المستفيدين من ثورة يناير التي مكنتها لأول مرة في تاريخها من الصعود إلى السلطة في عام 2012 قبل أن تتهاوى على وقع انتفاضة شعبية عارمة في عام 2013، تباينت الآراء حول تسميتها، فالبعض اعتبرها ثورة جديدة والبعض الآخر رأى أنها تصحيح لمسار ثورة يناير، فيما تعتبرها الجماعة وأنصارها “انقلابا”. وقال الناطق باسم الجماعة طلعت فهمي المقيم في إسطنبول لوكالة “فرانس برس” إن “جماعة الإخوان المسلمين عمرها 93 عاما ومرت بظروف مشابهة كثيرا، مثلا في حقبة عبدالناصر عام 1954 حتى خرجت من السجون في 1974 ولم تختف ولم ينقطع تواصلها مع أعضائها طوال كل هذه العقود”. ويوجد اليوم العشرات من قادة الإخوان في تركيا، التي لجأوا إليها عقب انهيار حكمهم الذي لم يعمر سوى بضعة أشهر، وتم اعتقال عدد من قياداتها وأعضائها، فيما فر آخرون ليجدوا في تركيا وقطر ملاذا لهم، كما تم تصنيف الجماعة منظمة إرهابية في مصر لتتسع دائرة التصنيف لاحقا وتشمل عددا من الدول العربية. وخلال السنوات الأخيرة شهدت الجماعة انقسامات كبيرة عمقت حالة ضعفها، وتراهن اليوم على المتغيرات الدولية -لاسيما بعد وصول إدارة أميركية جديدة للبيت الأبيض- للعودة إلى المشهد، وتعول على أنصارها في الداخل لزيادة الضغط وإن كان كثيريون يتشككون في قدرة هؤلاء على ذلك. وقال طلعت فهمي “تعرف جماعة الإخوان المسلمين كيف تتواصل مع أفرادها بطرق مناسبة للأحوال والظروف الأمنية والسياسية”. ويرى مراقبون أن رهان الجماعة على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن ومحاولة التحرك في هذا الصدد، ليس من المرجح أن ينجح، ولاسيما أن الجماعة تعاني من تفكك، فضلا عن أن الظروف الحالية تختلف عما كانت عليه خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. واعتبر فهمي أن “المناخ الآن أسوأ مما كان عليه في حقبة مبارك. حيث كان مبارك يحرص على قدر من التوازنات وممارسة قدر من السياسة، لكن الانقلاب غير حريص على كل هذه الأمور. هذا الانقلاب غاشم ودموي يتعامل مع الناس الآن بالحديد والنار حتى لا يتمكنوا من الحركة أو الخروج إلى الشارع”. رغم ذلك، يرى فهمي أن حكم السيسي سينتهي بتمرد شعبي شبيه بذاك الذي دفع مبارك إلى الاستقالة في ذروة الربيع العربي. وأشار إلى أنه “لا يمكن أن يحصل أي تغيير في مصر عن طريق انتخابات في ظل وجود هذه المنظومة. الحراك الشعبي هو الذي يجبر هؤلاء على التراجع”. وقال “لا بدّ أن يحدث حراك أو فعل على الأرض. لا نعلم متى، لأن الحراك لا أحد يستطيع أن يتنبأ بموعد قدومه”. ودخل فهمي السجن ثماني مرات في عهد مبارك وغادر مصر للاستقرار في إسطنبول عام 2015 بعدما أمضى سنتين في السجن إثر تولي الجيش السلطة. وقال إن “مصر تحت حكم السيسي ليس لها أي مستقبل. يكفي الآن أن ننظر إلى تصفية الشركات الوطنية الموجودة في مصر مثل شركة الحديد والصلب، وسجن رجال الأعمال للاستيلاء على الشركات التي يملكونها. الآن الجيش يملك 70 إلى 80 في المئة من اقتصاد وشركات البلد، وهو يدير كل شيء”. ويشير فهمي من جهة أخرى إلى أن حركته لا تخشى تبعات المصالحة التي حصلت أخيرا بين قطر من جهة والسعودية والبحرين والإمارات ومصر من جهة ثانية. وكانت هذه الدول الأربع قطعت علاقاتها مع قطر في 2017 متهمة إياها بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي اعتُبرت “منظمة إرهابية”. ويشدد على أن “من أهم مصادر قوة جماعة الإخوان المسلمين أنها لا تعتمد على الحكومات ولا تتلقى دعما ماديا إلا من أفراد الجماعة”، مضيفا “جماعة الإخوان لا تتلقى أي دعم لا من تركيا ولا من قطر ولا من أي دولة أو منظمة على مستوى العالم، وهذا من أحد أسباب استمراريتها إلى الآن”. ويوضح أن المساعدة الوحيدة التي تتلقاها جماعة الإخوان المسلمين من تركيا هي السماح لها بالتواجد على أراضيها. ويؤكد فهمي قائلا “نحن لا نعرّض الدولة التي تستقبل الإخوان المسلمين للحرج، ولا نخرج عن الأعراف والقوانين في الدول التي نتواجد فيها”. وكانت مصر أعلنت الأربعاء عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع قطر بعد أيام قليلة من إعادة فتح الأجواء بين البلدين. ويعد احتضان قطر لقياديّي جماعة الإخوان وفتح المجال الإعلامي أمامهم لانتقاد مصر والتحريض على النظام الرسمي أحد الأسباب الرئيسية في قطع القاهرة علاقتها مع الدوحة. وقال مصدران من المخابرات المصرية لرويترز إن “مسؤولا من وزارة الخارجية القطرية تعهد لمصر خلال اجتماع مع مسؤولين من مصر والإمارات السبت الماضي بألا تتدخل الدوحة في شؤون مصر الداخلية”. وأضاف المصدران أن المسؤول القطري تعهد كذلك بإجراء تغيير في موقف قناة تلفزيون الجزيرة ووسائل إعلام حكومية أخرى من القاهرة. وقالا كذلك إن المسؤولين اتفقوا على تعاون اقتصادي وعلى إجراء سلسلة من الاجتماعات التي تتناول عددا من القضايا المعلقة مثل أزمة ليبيا ومسألة جماعة الإخوان المسلمين. ولفت المصدران إلى أن المسؤولين اتفقوا على أن يكون استئناف العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر “تحت الاختبار”. وسجل في الأيام الأخيرة تراجع اهتمام وسائل الإعلام القطرية بالوضع الداخلي في مصر، وعلى عكس ما جرت عليه العادة لم تكن هناك تغطية كبيرة للذكرى العاشرة لثورة يناير.
مشاركة :