تركيا واليونان.. نجاح المحادثات الاستكشافية رهن نوايا أثينا

  • 1/24/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تُستخدم المحادثات الاستكشافية، كمصطلح دبلوماسي للإشارة إلى المفاوضات بين دولتين من أجل إيجاد حلول دائمة للمشاكل في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو غيرها، أو على الأقل لوقف زيادة هوة المشاكل بين الطرفين. المبدأ الأساسي في هذه المحادثات هو إيجاد حل للمشكلة أو سلسلة المشاكل بين الطرفين بالطرق الدبلوماسية. ولهذا الغرض، يتم إنشاء آليات حوار مختلفة بمشاركة وفود تقنية برعاية وزارتي الخارجية في البلدين، في إطار محادثات يجري تنظيمها في فترات منتظمة لمناقشة كيفية حل المشكلات العالقة من خلال الحوار. - المحادثات الاستكشافية بين اليونان وتركيا تتمحور المحادثات الاستكشافية بين اليونان وتركيا بشكل رئيسي حول بحر إيجة إضافة إلى مجموعة من القضايا التي تتعلق بالعلاقات الثنائية بهدف إيجاد حلول للمشاكل السياسية المزمنة والأزمات الحادة التي تنشأ من وقت لآخر من خلال الحوار. وفي هذا السياق، بدأت المفاوضات الاستكشافية لأول مرة في عام 2002 من أجل إرساء عملية الحوار التي بدأتها النخب السياسية في تلك الفترة من خلال استخدام أدوات الدبلوماسية. وعُقد آخر تلك الاجتماعات في 1 مارس/ آذار 2016 في أثينا بين مسؤولين في وزارتي خارجية البلدين في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، لم يتم إجراء محادثات استكشافية جديدة بسبب تصاعد التوترات بين البلدين، وخاصة في شرق المتوسط. وتعكر المشاكل السياسية العميقة صفو العلاقات التركية اليونانية لدرجة أنه لم تكن هناك أي نتيجة إيجابية ملموسة من الاجتماعات الاستكشافية الستين التي عقدت حتى الآن. لكن مع تدهور العلاقات بين البلدين الجارين يومًا بعد يوم، يسعى الطرفان للجلوس مرة أخرى إلى مائدة المفاوضات الإثنين، وذلك لعدم تصعيد التوتر القائم بينهما. من ناحية أخرى، أخذ مجلس الاتحاد الأوروبي وألمانيا الرئيسة الدورية للاتحاد، في الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي، على عاتقهما جهودا إضافية لعودة الجانبين التركي واليوناني للمحادثات الاستكشافية. ورغم وجود أجواء إيجابية لاستئناف المحادثات الاستكشافية في ذلك الوقت، إلا أن جهود الحكومة الألمانية ذهبت سدى بعد أن وقّعت حكومة أثينا اتفاقية مع مصر في أغسطس/ آب الماضي حول تقاسم المناطق الاقتصادية الخالصة في المتوسط. وبجانب جهود ألمانيا، بذل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، الذي يضم في عضويته تركيا واليونان، جهودا مكثفة لمنع وقوع حوادث غير مرغوب فيها بين البلدين. وفي نطاق "آلية إجراءات الفصل"، التي أُنشئت برعاية الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، جرى تنظيم اجتماعات بين وفود عسكرية تركية ويونانية، لمنع وقوع حوادث أو صراعات مسلحة بين البلدين شرقي المتوسط. لذلك يمكننا القول إن المحادثات الاستكشافية المرتقبة في إسطنبول الإثنين، لم تطفُ فجأة على سطح العلاقات الثنائية، بل إن التحضيرات الأولية لانعقادها كانت مستمرة منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من أن جدول أعمال المحادثات الاستكشافية بين الوفدين التركي واليوناني غالبًا ما يظل طي الكتمان، إلا أن التنبؤ بالقضايا التي تتم مناقشتها على الطاولة في تلك المحادثات ليس بالأمر العسير، وهما بحر إيجة وشرق المتوسط. - مشاكل عميقة تعكر العلاقات الثنائية إن سلسلة المشاكل في بحر إيجه كانت بلا شك مركز المشاكل الرئيسية التي عكرت على الدوام العلاقات التركية اليونانية. تتعلق أولى هذه المشاكل بترسيم الحدود البحرية والمياه الإقليمية وتحديد الجرف القاري لكلا الجانبين. وبما أن الحدود البحرية بين تركيا واليونان لم يتم تحديدها حتى الآن في اتفاقية رسمية، جرى التوافق بين الجانبين على أن تكون المياه الإقليمية للبلدين في بحر إيجة بعرض 6 أميال بحرية. من ناحية أخرى، تريد اليونان زيادة رقعة مياهها الإقليمية إلى 12 ميلًا عن طريق التذرع ببعض الجزر وحتى الجزر الصغيرة وغير المأهولة الموجودة في المنطقة. الجزر التي تتذرع بها اليونان في الغالب، توجد على مرمى حجر عن السواحل التركية ويمكن مشاهدتها من تلك السواحل بالعين المجردة، فضلًا عن أن المطالب اليونانية المطروحة مؤخرًا ستؤدي لتقليص مناطق الصلاحية البحرية التركية وتضر بمصالحها وحقوقها القانونية. وعليه، أعلنت تركيا منذ عام 1995، أن تطبيق مثل هذه الخطوات سيكون سببًا لبدء حرب بين الجانبين، لاسيما وأن المطالب اليونانية لم تقتصر على المجالات البحرية، حيث أعلنت أثينا رغبتها في توسيع مناطق صلاحياتها الجوية في بحر إيجة من 6 أميال حاليًا، إلى 10 أميال. المشكلة الأخرى التي تزيد من توتير العلاقات التركية اليونانية، تتعلق بانتهاكات لاتفاقيتي لوزان (1923) وباريس (1947) واللتان تتعلقان بجعل جزر بحر إيجة الشرقية منزوعة السلاح. فعلى الرغم من التزام اليونان بنزع سلاح الجزر بموجب هاتين الاتفاقيتين، إلا أنها بدأت في السنوات الأخيرة بارتكاب انتهاكات علنية من خلال تسليح تلك الجزر. بدورها تركيا، واستنادًا إلى مبدأ المعاملة بالمثل، ردت على السياسات العدوانية التي اتبعتها اليونان، بزيادة الحشود العسكرية في المنطقة في محاولة لردع أثينا. وبالنظر إلى القضايا المشار إليها آنفًا، يظهر بجلاء أن الأولوية بالنسبة لتركيا في المنطقة هي منع ظهور وضع يضر بسيادتها وحقوقها القانونية المنبثقة عن الاتفاقات الدولية، بخلاف اليونان التي غالبًا ما تؤكّد على اتفاقية عام 1982 للأمم المتحدة حول قانون البحار، والتي لا تعتبر مخرجاتها ملزمة بالنسبة لأنقرة كونها ليست طرفًا في الاتفاقية. - التعاون القبرصي اليوناني وتعميق المشاكل امتد التوتر بين اليونان وقبرص الرومية في بحر إيجة لسنوات عديدة إلى شرق البحر المتوسط ​​اعتبارًا من النصف الثاني من عام 2010، وذلك على خلفية اكتشاف موارد هيدروكربونية في المنطقة تُقدر بقيمة اقتصادية عالية، ما أثار شهية كل من اليونان والإدارة القبرصية الرومية. في الواقع، أثار منح الإدارة القبرصية الجنوبية المدعومة من قبل اليونان تفويضًا لشركات التنقيب عن الطاقة الدولية للتنقيب والحفر في المناطق غير المتفق على ترسيم صلاحياتها البحرية حفيظة تركيا، لاسيما وأن الحكومة الرومية اتبعت سياسات ضربت عرض الحائط بحقوق القبارصة الأتراك في منطقة شرق المتوسط. الخطوات التي اتبعتها الإدارة الرومية واليونان في شرق المتوسط، جعلت مسألة التوصل إلى حل بين أنقرة وأثينا أصعب، وذلك من خلال تحويل شرق المتوسط من قضية ينبغي معالجتها بين البلدين إلى قضية دولية متعددة الأطراف. في الواقع لم تكتفِ اليونان والإدارة الرومية بإضفاء بعد دولي على قضية شرق المتوسط، بل عمدتا أيضًا إلى استبعاد تركيا تمامًا من المعادلة الإقليمية، ومحاولة رسم واقع في المنطقة بالتعاون مع إسرائيل وإيطاليا ومصر. إضافة إلى ما سبق، لا تزال القضية القبرصية التي تنتظر الحل منذ عقود، تمثل مشكلة أخرى تعكر صفو العلاقات التركية اليونانية في شرق المتوسط. تعتبر كل من تركيا واليونان والمملكة المتحدة دولة ضامنة للوضع السياسي في قبرص، حيث تمتلك الدول آنفة الذكر وجودًا فعليًا في الجزيرة. ويعتبر مؤتمر قبرص، الذي بدأ بمدينة "كرانس مونتانا" السويسرية في 28 يونيو/ حزيران 2017 واستمر لمدة 10 أيام، إحدى المراحل المهمة التي شكلت مبعثًا للأمل في اقتراب الجانبين من التوصل إلى حل دائم للقضية القبرصية. وعقد المؤتمر بمشاركة الدول الضامنة تركيا واليونان وبريطانيا، والأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش. ورفض الجانب القبرصي الرومي في كل مرة الخطوات التي تهدف لتحقيق حل دائم، بما في ذلك مقترحات الأمم المتحدة، لأسباب مختلفة. بدوره أعلن غوتيريش أن المؤتمر انتهى بالفشل بسبب رفض الجانب الرومي تقديم تنازلات تتعلق بنزع السلاح في الجزيرة وتقديم ضمانات للجانب القبرصي التركي. وهكذا، وعلى الرغم من الدور البناء للجانب القبرصي التركي في المؤتمر، لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة وحل دائم بسبب المواقف المتعنتة التي أبداها الجانب الرومي. وعليه، نستطيع القول إن إيجاد حلول واقعية في بحر إيجه وشرق المتوسط من أجل بناء سلام دائم في المنطقتين، وإرساء الاستقرار في العلاقات التركية اليونانية، يحتم على أثينا التخلي عن المواقف غير العادلة التي تتمسك بها، وإظهار حسن النية من أجل حلحلة أجواء التوتر. *حاجي محمد بويراز طالب دكتوراه في قسم العلاقات الدولية بجامعة صقاريا. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

مشاركة :