رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي رجل مضحك. ذلك لأنه أصدر الأسبوع الماضي تعليمات “لمسؤولين أمنيين بإعداد خطة عسكرية لمواجهة التهديد الإيراني”. وبحسب موقع “إسرائيل اليوم” فإن “الخطط التي ستعرض على المستوى السياسي لبحثها والموافقة عليها، تتطلب استثمارات تصل إلى مليار دولار”. مضحك، لأن الخطط موجودة أصلا. وهناك نسخة منها تتكرر كل أربع ساعات وعشر دقائق. وهذا مما لا يتطلب مليار دولار. كما أن الخطط العسكرية لا توضع من “مسؤولين أمنيين” وإنما من هيئة الأركان التي يترأسها كوخافي هو نفسه. وهو ما يعني أنه يستطيع أن يذهب الى مكتبه، ويشرب القهوة، ويدعو زملاءه الآخرين، لكي يضعوا الخطة، من دون الحاجة الى “مسؤولين أمنيين” لا علم لهم ولا خبر بالخطط العسكرية. وفي الواقع، فإن خطط المواجهة مع إيران تُعرض “على المستوى السياسي” كل أسبوع، وتتم الموافقة عليها مرة في الشهر على الأقل، منذ 30 عاما. ولا أعرف لماذا يريد كوخافي مليار دولار على شيء مثل خططه التي لا معنى لها، والتي لا سبيل إلى تنفيذها، لأنه كلما عرضها “على المستوى السياسي” تم الضحك عليها وعليه وعلينا أيضا. إسرائيل لن تضرب إيران. وإيران لن تضرب إسرائيل. لقد شبعنا من هذا الهراء إلى درجة بات معها ذكر خطط إسرائيل لضرب إيران أمرا يثير الغثيان. لا يوجد أحد في العالم العربي عمره 30 سنة إلا وكان يرضع مع حليب أمه تلك الأسطورة القائلة إن إسرائيل ستضرب إيران، أو تستعد لمواجهة ضربة منها. ولكن لا جاء هذا ولا وقع ذاك. وفي الواقع فإن إسرائيل أنفقت في صياغة النكتة وقتا أطول بكثير من الوقت الذي أنفقته في إعداد تلك الخطط. وإسرائيل ليست وحدها، فالبنتاغون يرسم خططه أيضا، ولا أحد يعرف كم خطة جمع حتى الآن، ولكننا نعرف كم هو عدد المقالات والدراسات والتصريحات التي تحدثت عن هذه الخطط أو استعرضتها أو حذرت منها. وبحسب بعض الإحصاءات، غير النهائية، فقد بلغ عددها 757934063. ولو أن كوخافي عاد إليها، ليحصيها، فقد يمكنه أن يجادل في صحة هذا الرقم، إلا أنه سيكتشف على الأقل، أن خططه قديمة ولا تستحق قيمة الورق الذي رسمت عليه. مع ذلك، وتعاطفا مع النكات السمجة، فلو كانت القصة هي قصة مليار دولار، فإن حملة تبرعات سوف تكفل لكوخافي أن يحصل عليها، ولكن بعد أن ينفذ “الخطة” التي يشاء. على الأقل لكي يتوقف رقم التصريحات المزيفة عند ذاك الحد. فلكثرة ما عرفنا من خطط، أصبح من الواجب إنشاء متحف لها. أما القوة النارية، فإن مجموعها يكاد يبلغ القوة النارية لحرب عالمية عاشرة. وهي تكفي لإنشاء كلية عسكرية متخصصة بتخريج رؤساء أركان يمضون حياتهم العسكرية كلها من دون أن يخوضوا معركة واحدة. أما الشيء الناقص فهو إقامة مزاد لها. وسنرى أن أغنى من يشتريها لن يدفع أكثر من عشرة دولارات. ويحسن بالمرء ألا يذهب بعيدا في هذه الخطط، لا لشيء إلا لأن الحديث عنها أصبح قصة إعلامية تجمع بين التسلية والإثارة، من دون أن تقصد شيئا حقيقيا. وكان الصحافي الشهير في “نيويورك تايمز” سيمور هيرش أمضى نحو 20 سنة من حياته المهنية وهو يكتب عن الضربة الوشيكة التي سوف تتعرض لها إيران. وكان يجمع المعلومات عنها، ويجري مقابلات مع شخصيات حقيقية وأخرى وهمية في البنتاغون لتكشف له عن طبيعة تلك الخطط. وتوجيه الضربات لإيران ظل يجمع بين الجد والهزل، حتى نشرت “واشنطن بوست” ذات يوم مقالا ساخرا، استخدمت فيه نسخة طبق الأصل من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لتبرير غزو العراق، من أجل إثارة الضحك على الخطط لتوجيه ضربات لإيران. وكان مما ورد في المقال قوله الشهير، في الإشارة الى أسلحة الدمار الشامل (الإيرانية هذه المرة) “هناك معلوم معلوم، ومعلوم غير معلوم، وغير معلوم غير معلوم”. تكرار هذه السفسطة، كان يقصد السخرية المجردة، لأن خزعبلات توجيه ضربة لإيران فاقت الحد. ولكن حدث أن صحيفة عربية كبيرة، تصدر في لندن، حملت المقال على محمل الجد، وقامت بترجمته، ونشرت “مانشيتا” عريضا يقول: “البنتاغون يستعد لتوجيه ضربة لإيران”. وتسببت لنفسي بمشكلة عويصة عندما قلت لنائب رئيس التحرير أن المقال كان للسخرية، وما كان من الصحيح أن يتحول الى “مانشيت”. ولكن بالنظر الى أن بعض المحررين يعتبر نفسه أنه أبو الفهم، فقد كان يجب أن أتعرض أنا لضربة من بنتاغون الصحيفة، بدلا من إيران. ولا شك لدي بأن السيد كوخافي، سيقول “للمسؤولين الأمنيين” الذين كلفهم بإعداد الخطة، “هناك معلوم معلوم، ومعلوم غير معلوم، وغير معلوم غير معلوم”. سوى أن المعلوم معلوم. فإيران تمتلك أسلحة دمار شامل، ولكن لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ستوجه لها ضربة.
مشاركة :