هل تنجح موسكو في تسوية الأزمة السورية؟

  • 9/3/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

منذ اندلاع الثورات العربية مطلع عام 2011 والعالم العربي تتقاذفه أمواج عاتية شرقاً وغرباً. ولمحة على الخريطة العربية تبين حجم المأساة، حيث تغرق العراق وسوريا ومعهما ليبيا واليمن في الاضطرابات لتشكل جميعاً حزاماً من عدم الاستقرار يهدد المنطقة بأسرها، والدول الكبرى المعنية بها وفي مقدمتها روسيا. يرتبط الأمن القومي الروسي عضوياً بأمن واستقرار المنطقة بالنظر لكون روسيا دولة جوار شبه مباشر للعالم العربي، وتؤثر موجات التطرف والإرهاب وعدم الاستقرار حتماً في الداخل الروسي، خاصة الجنوب القوقازي الذي يمثل جرحاً دامياً في الجسد الروسي نتيجة استمرار الإرهاب والحركات المتطرفة به. وترى روسيا أن الأزمة السورية سبب مباشر لانتعاش الحركات المتطرفة بمنطقة الشرق الأوسط، وأنها عامل رئيسي لتصاعد قوة تنظيم داعش، الذي يعتبر من وجهة النظر الروسية، التهديد الأساسي والأخطر لأمن واستقرار المنطقة، وأنه يفرض التكاتف لمواجهته وتجاوز أي خلافات بين دول المنطقة، وخاصة المعنية بالأزمة السورية، للتصدي له والقضاء عليه. ولتحقيق هذا الهدف تقود روسيا حراكاً دبلوماسياً غير مسبوق في إطار رؤية تهدف إلى مصالحة ما بين الأطراف الإقليمية للأزمة السورية انطلاقاً من أن التحديات الخطيرة التي تتهددها جميعاً قد تمثل حافزاً لإعادة إطلاق العلاقات فيما بينها، وتشكيل تحالف واسع ضد تنظيم داعش، الذي أصبح تمدده المتواصل خطراً حقيقياً على دول المنطقة كلها وروسيا. ونظراً لتعقد الأزمة السورية وتناقض الرؤى والتوجهات بشأنها، فقد أطلق وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، على المبادرة الروسية معجزة بوتين الشرق أوسطية إذا تمت، وأبدى استعداد سوريا الدخول في أي تحالف تقوده وترعاه روسيا. ولا يتم الحديث هنا عن قوات مشتركة أو تدخل عسكري وإنما تعاون وتنسيق استخباراتي وأمني، وتفاهمات سياسية تقود في النهاية إلى تسوية الأزمة السورية باعتبارها المعضلة الأم والحاضنة لتمدد الإرهاب. في هذا الإطار تتحرك روسيا على محورين، الأول الانفتاح على مختلف الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة ومحاولة التقريب فيما بينها. وشهد شهر أغسطس/آب الماضي مباحثات مكثفة التقى خلالها وزير الخارجية الروسي مع نظيريه الأمريكي جون كيري والسعودي عادل الجبير في الدوحة يوم 3 أغسطس، ثم مع كل منهما على حدة وكذلك مع وزير الخارجية التركي في كوالالمبور يوم 5 أغسطس على هامش الدورة 48 لمؤتمر وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان). وأعلن لافروف أن الأطراف اتفقت على توحيد الجهود لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وتوحيد صف المعارضة السورية من أجل صياغة قاعدة مشتركة لها، تمهيداً لبدء التفاوض مع دمشق وفقاً لمبادئ بيان جنيف الصادر في 30 يونيو 2012، والتي تتضمن احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان وتيسير بدء عملية سياسية تفضي إلى مرحلة انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري وتمكنه من أن يحدد مستقبله بصورة مستقلة وديمقراطية. ثم كان اللقاء الثالث بين لافروف والجبير في موسكو في 11 أغسطس، أعقبه لقاء مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 17 أغسطس. على صعيد آخر، كانت الأزمة السورية وتنسيق الجهود لمواجهة داعش محوراً أساسياً لمباحثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع كل من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يوم 25 أغسطس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اليوم التالي. وستكون كذلك أيضاً خلال القمم المرتقبة في موسكو مع كل من العاهل السعودي وأميري الكويت وقطر. أما المحور الثاني، فيتمثل في سعي روسيا نحو لم شمل المعارضة السورية ومساعدتها على بلورة رؤية مشتركة لمستقبل سوريا. ومن المعروف أنه منذ بدايات الأزمة حاولت روسيا لعب دور الوسيط بين النظام والمعارضة، واستقبلت وفد المجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون مرات عدة. وكان للدبلوماسية الروسية الدور الرئيسي في التوصل لخطة كوفي عنان للتسوية في سوريا. وهي صاحبة مبادرة عقد مؤتمر جنيف الدولي للتسوية في سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة، كما طرحت روسيا مبادرة تدمير الأسلحة الكيماوية السورية مقابل وقف الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا وعقد مؤتمر جنيف2. وتعمل روسيا حالياً لعقد مؤتمرجنيف 3 بحضور كل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة إلى جانب المعارضة والحكومة السورية. ولذا فقد تخلل اللقاءات السابقة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين استضافة موسكو لثلاثة وفود من المعارضة السورية، هي وفد الائتلاف الوطني السوري برئاسة خالد خوجة، ولجنة المتابعة لمؤتمر القاهرة 2 برئاسة هيثم مناع، ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم. كما استقبل لافروف قدري جميل القيادي في الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، والمنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية المعارضة حسن عبد العظيم وأعضاء اللجنة الآخرين. وكانت موسكو قد استضافت لقاءين تشاوريين بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة في يناير وإبريل من العام الجاري وتسعى لعقد اللقاء الثالث. وتحث موسكو أطراف المعارضة على توحيد موقفها من المفاوضات مع الحكومة السورية. ورغم هذا الحراك تظل هناك مجموعة من التحديات التي تواجه الجهود الروسية وهناك تساؤلات مطروحة حول علاقة التحالف الذي تسعى إليه روسيا والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وفي إطاره أعلنت تركيا يوم 29 أغسطس شن أول غارة نفذتها مقاتلاتها داخل سوريا ضد تنظيم داعش، خاصة في وقت يشكك البعض في جدية تركيا في محاربة التنظيم، ويرى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها تستهدف الأكراد تحت عباءة محاربة داعش، رغم نفي تركيا لشن عملية عسكرية ضد الأكراد السوريين من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا. كما شكك لافروف في فعالية الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على مواقع الإرهابيين في أراضي العراق وسوريا، ورأى أن الغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي لن تعود بالنتيجة المرجوة ولن تؤدي إلى هزيمة داعش من دون توحيد صفوف جميع الأطراف التي تواجه الإرهابيين على الأرض. وأن التحالف الذي تقوده واشنطن فشل في بلوغ غايته المنشودة بدليل تمدد التنظيم الإرهابي ليس فقط في سوريا والعراق، ولكنه تخطى حدودهما إلى الكويت ومصر وليبيا وتونس وتركيا وغيرها. إلا أن التحدي الرئيسي للمبادرة الروسية يتمثل في الخلاف الجوهري حول مصير الأسد، ففي حين مازالت بعض الأطراف الدولية والإقليمية تتمسك برحيله كشرط مسبق لبدء أي خطوة جادة نحو تسوية الأزمة السورية. وهو ما أكده المبعوث الأمريكي إلى سوريا مايكل راتني، الذي تم تعيينه في منصبه مؤخراً في 27 يوليو الماضي، عقب مشاورات مع مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، يوم 29 أغسطس. ترفض موسكو الدعوة إلى تنحي بشار، مع التأكيد على أن روسيا لا تدعمه كشخص ولكنها تحافظ على كيان الدولة السورية حتى لا تتكرر مأساة ليبيا ومن قبلها العراق. وأن بيان جنيف لم ينص على ضرورة تغيير النظام في سوريا، ولكنه تضمن إعلان فترة انتقالية يتم تحديد معاييرها على أسس مقبولة لجميع الأطراف وعبر التوافق بين الحكومة السورية والمعارضة. وترى موسكو أن النظام السوري الحالي، على علاته، هو الوحيد القادر على ضبط الأمور وعدم السماح للإرهابيين باتخاذ البلاد منطلقاً لأعمالهم، وأنه حائط الصد الذي يحميها وعواصم عربية أخرى ستتوجه إليه داعش حال سقوط النظام السوري. وأن رحيل الرئيس السوري فجأة وإسقاط نظامه عسكرياً يعني استيلاء الجماعات الإرهابية، خاصة تنظيم داعش، على سدة الحكم في سوريا وتقسيم بلاد الشام. ومازالت المعارضة عاجزة عن السيطرة على زمام الأمور وتقديم بديل مطمئن وإجابة واضحة للسؤال حول: ماذا بعد رحيل بشار، وإلى من ستؤول السلطة في البلاد مع وجود كل هذه الجماعات المعارضة المسلحة منها وغير المسلحة؟ إن المبادرة الروسية والحراك الذي تقوده موسكو خطوة مهمة في طريق طويل وشاق لتسوية الأزمة السورية، ونجاحها رهن تعاون الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية، ورغم الصعوبات التي تكتنفها تظل محاولة جادة للقضاء على خطر الإرهاب واستعادة الأمن لدول وشعوب المنطقة. *أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة

مشاركة :