يراهن الأمريكيون بمختلف توجهاتهم السياسية على وزيرة المالية الجديدة جانيت يلين، في الانعتاق من الأزمات الاقتصادية في أقرب وقت ممكن، فهي خبيرة اقتصادية مخضرمة، ينسب إليها فضل إدارة عملية الانتعاش الاقتصادي عقب الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008، بل إن بعضهم ينظر إليها باعتبارها «الساحرة الطيبة» القادرة بعصاها على إيقاظ المارد العملاق من سباته العميق، ومن الطريف أن هناك قاسماً درامياً مشتركاً يجمع بين خصمي الأمس واليوم ترامب ويلين، فالرئيس السابق رفض إعادة تعيينها لمدة ثانية كرئيسة للاحتياطي الفيدرالي، بينما رفض الشعب الأمريكي إعادة انتخابه لولاية ثانية. بقيت جانيت يلين رهانا ثابتا في الاقتصاد الأمريكي خلال العقدين الأخيرين، فهي موظفة بيروقراطية عتيدة، وفني من الطراز الأول، حيث تولت خلال مسيرتها المهنية الطويلة مناصب رفيعة جداً، بداية من رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ومروراً بمنصب نائبة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وأول امرأة تترأس البنك المركزي الأمريكي، وانتهاءً بمنصب الوزيرة المسؤولة، والذي تتولاه في وقت لا تحسد عليه، إذ يضرب الركود جنبات الاقتصاد وتتفشى البطالة بفعل الهجمة العنيفة للجائحة والإغلاقات. حطمت يلين عدة أرقام قياسية، فهي أول امرأة تشغل أعلى منصب اقتصادي في أمريكا، وأول شخص يتولى دفة القيادة في وزارة المالية، والاحتياطي الفيدرالي، ومجلس المستشارين الاقتصاديين، والأهم من ذلك، أنها تعد خياراً توافقياً لإرضاء غرور "الإخوة الأعداء" من الديمقراطيين والجمهوريين، بالإضافة إلى أنها تحظى بتقدير بيئة الأعمال، والآن وقد بدأ العمل للتو، سيتعين عليها إرساء العديد من الإجراءات للنهوض باقتصاد انكمش 2.4٪ خلال العام المنصرم، فيما لا تزال البطالة تعاني مستوى مقلق جداً، وستكون مسؤولة بالقطع عن التطبيق الصارم لقرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارا في الساعة. إذاً، جانيت يلين هي الشخصية الرئيسية أو "البطلة الأولى" المنتظرة للاقتصاد الأمريكي في 2021، فهي تتولى المسؤولية في لحظة محورية بدأ فيها التعافي بالتوقف مع اندلاع الموجة الثانية للوباء، في الوقت الذي يوسع فيه الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية التسهيلية إلى نقطة قريبة من الحدود القصوى، بينما تزال أزمة كورونا وتداعياتها الكارثية على الجانبين الصحي والاقتصادي مستعرة، ومع هذا، فإن الخبر الجيد في الموضوع هو أن جانيت يلين ستعمل برفقة زميل قديم هو جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، والذي تحمل بمفرده هجوماً لاذعاً ومتكرراً وغير مسبوق من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنه نجح بالأخير في الحفاظ على استقلالية الفيدرالي، وبالتالي فإن الإدارة الجديدة تراهن على قدرة الثنائي جانيت يلين، وجيروم باول، في العمل سوياً كفريق متناغم للتغلب على المصاعب الاقتصادية خلال وقت قصير. احتواء الحرب التجارية المشتعلة في عصر الرئيس السابق، ستكون بكل تأكيد، أحد الملفات الخطيرة التي ستضع فيها الوزيرة يلين بصماتها لتصبح الكلمة الفصل قبل إسدال الستار، والأقرب هو أن تقوم بتسوية مرضية مع الصين، ولا شك أن أي خفض معتدل في الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية سيكون له تأثير إيجابي على النمو الأمريكي، وبحسب مجلس الأعمال الأمريكي الصيني، فإن خفض معدلات التعريفة الجمركية من 19% حالياُ إلى 12% مثلاً، سيمكن الاقتصاد الأمريكي من تحقيق 160 مليار دولار إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة، وسيسمح بتوظيف 145 ألف شخص إضافي بحلول 2025، وسيرفع دخل الأسر الأمريكية بمقدار 460 دولاراً، بسبب زيادة العمالة والمداخيل، وسيخفض الأسعار بسبب نمو الاستيراد الاستهلاكي من الصين. قطعاً، فإن وزيرة المالية الجديدة تحمل أجندة طارئة لتفادي المزيد من خسائر الاقتصاد، وبين هذه الإجراءات إصلاحات سوق العمل بطبيعة الحال، ومواجهة أزمة الجوع التي تضرب نحو 26 مليون أمريكي، وإقرار زيادات ضريبية على الشركات والأثرياء، وفرض ضرائب على انبعاثات الكربون، وتشجيع المستهلكين على التحول للطاقة النظيفة عبر التوسع في شراء السيارات الكهربائية، ووضع تنظيمات جديدة قاسية لتقليم أظافر عملاقة التكنولوجيا.
مشاركة :