التكريم ظاهرة عالمية رأى الانسان ضرورة لها لحاجة من أجل تحقيق هدف أو أهداف موضوعية، وبالمقابل تحفز هذه الظاهرة الأفراد من أجل تحقيق مكاسب شخصية بوجهيه المادي والمعنوي، وهي تتدرج في مستوياتها وتتنوع في طبيعتها وأهدافها، في مجمل القول إن أهدافها تتارجح بين الذاتي والموضوعي، وبين الضروري وغير الضروري، وبين المرجح وغير المرجح. يمكن أن ننظر الى التكريم الشائع اليوم على أنه نخط من الموضة السائدة بين بقية الموضات، وإن كان سمة الوقار في التحريم هي الغالبة على بقية أنواع الموضات.... للتكريم آلية تجمع بين المُكَرَّمِ والمُكَرِّمِ، وتتجاذبهما سيكولوجية متفاوتة، ولكنهما ليسا على نغمة واحدة، والاشارة الى هذا التجاذب السيكولوجي، هو تلميح للمحفز النفسي لظاهرة التكريم، وليس مدخلاً الى التحليل النفسي لطرفي التكريم، لأن لهذا التحليل أهله من ذوي الاختصاص في علم النفس... وأردنا من هذه الاشارة السيكولوجية بأن نبين أن ظاهرة التكريم لها جانب من المغريات الذاتية رغم المقتضيات الموضوعية التي تتحدد أساسًا في الهدف من التكريم، هدف التكريم موضوعي في الاساس، ولكن آلية التكريم ذاتي بحت. في المؤسسات النفعية أساسًا فإن بعض برامج أو احتفالية التكريم يغلب عليها جانب المحاباة الذاتية، وحتى احتفالية التكريم التي تعتمد عددًا من المعايير، فإن تلك المعايير تكون عحينة بيد لجنة التكريم، إضافة الى ان لجنة التكريم تحد نفسها بعد عدد من احتفالات التكريم لعدم وجود من تنطبق عليه المعايير، فيتم اختيار أحد من الموظفين او المسؤولين للتكريم فقط من أجل استمرارية برامج التكريم. عندما يتواجد الانسان الموظف او المسؤول في بيئة عمل، أو في محيط اجتماعي، يتضمن برنامجًا دائمًا لاحتفالية التكريم، فإن أكثر الناس يسعون الى أن يتم اختيارهم، لا من خلال تلبية المعايير ولكن من خلال العلاقات الخاصة والدوران في دهاليز «من يعرف من !!!». وللأسف فإن هذا السعي الذاتي الفوق معياري له معياره الخاص الذي يلبي طموحات من لا تنطبق عليه المعايير الموضوعية. والمعايير الموضوعية في الاساس هي من اجل تحقيق الاهداف الموضوعية المرجوة، أي ان التكريم هو عملية تشجيع للرقي بالمؤسسة او المجتمع، وهذا الرقي له أشكال متعددة ومختلفة للتحقيق، من زيادة الانتاجية وتقليل الحوادث وتأمين الامن والسلام والابتكار والابداع والتميز. في هيكلية التقدم و التاخر بين عوالم الشعوب نرى أن «احتفالية التكريم» هي الاكثر بروزًا بين شعوب العالم الثالث والخامس، وهي أظهر بروزًا في العالم الثالث، الذي يتارجح بين العالم الثاني والعالم الرابع، وكأنه يريد أن يثبت قربه من العالم الثاني. ان التركيبة البشرية ونفسياتها المعقدة وملكتها الذهنية المختلفة في المؤسسات، بانواعها، حافظت على طبيعتها في العمل والانتاج دون تحقيق تغييرات نوعية محسوسة تدعم الهدف الاساس من برامج التكريم، ولكن هذا لا يعني عدم جدواها بالمطلق؛ لأن النسبية تفرض نفسها وتقر أهمية برامج التكريم الذي هو بمثابة الخيط الرفيع الذي بجب أن لا ينقطع بين الانسان ومؤسسته وبين المحفز والهدف. آلية التكريم حتى تقترب من أهدافها، لابد لها أن تراجع دوريًا بشفافية تامة، وأن تعرض كل احتفالية تكريم بعد انتهائها لتقييم نقدي من قبل الآخرين في المؤسسة، وأن يفعل نتائج التقييم النقدي. بمحاذاة هذا التكريم المؤسساتي هناك التكريم في المجال الفكري والثقافي، وهذا حقل تكريمي قائم بذاته، وأعتقد أن العلاقة فيه بين الذاتي والموضوعي، بين الاهداف والآلية، بين الفرد والمعايير، أقرب الى المصداقية والامانة قياسًا بالمؤسسات، إضافة الى ان الحقل الفكري والثقافي لبس عرضة للحيرة والارتباك، لأن للفكر والثقافة رصيد لا ينضب من الرواد المبدعين. من أرقى وأعظم مظهر للتكريم هو «جائزة نوبل للسلام»، ولهذه الظاهرة التكريمية هدف نبيل هو تشجيع العمل، العلمي والادبي، من أجل السلام العالمي، من أجل تحقيق رؤية أعظم تتمثل في وقف سباق التسلح؛ هذه الجائزة انطلقت من صناعة البارود، وسعت الى أن لا يتطور البارود الى ما هو أخطر من البارود، ولكن رغم الجوائز السنوية في احتفالات مهيبة وأمام أنظار شعوب العالم أجمع، إلا أن كل تلك الجوائز لم تردع ساسة العالم من السعي لتحفيز العلماء وإغرائهم لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها السلاح النووي، إضافة الى أنها لم تردع العلماء أنفسهم من السعي لإثبات ذاتهم أو إثراء جيوبهم بانتاج أكثر الاسلحة فتكًا بالبشرية. بموازاة هذه الاحتفالية السنوية الكبيرة ذات الاهداف الانسانية العظيمة يستمر سباق التسلح بمستويات كارثية مرعبة، وقد أنزلق هذا السباق الى هاوية الجنون دون أدنى اعتبار للآثار الكارثية الكامنة التي تجعل الكرة الارضية كلها عرضة محتملة للدمار ومحو الحياة من علي سطحها... للتكريم أهداف، وبغض النظر عن طبيعة أهدافه، فإن أعظم احتفالية تكريمية في العالم لم تستطع أن تقترب من هدفها النبيل، بل على النقيض، فإن البون بين هدفها وبين الواقع الكارثي في تزايد يومًا بعد يوم، وإن المسافة بين استمرارية وجود الانسان وانقراض الانسان في تناقص يومًا بعد يوم، من الأجدر على مؤسسة جائزة نوبل أن تختتم كل عام احتفاليتها التكريمية بتقرير ختامي تعلن فيها فشلها في تحقيق هدفها، وإنها رغم الفشل إلا أن مبدء السلام العالمي لا بد أن يكون نابض القلب حتى وإن لم يتدفق بعد منه الدم إلى جسم أصحاب القرار من الساسة و أصحاب النفوذ من بارونات المال وأصحاب العقول من العلماء، لأن أمل السلام أعظم من أن ينهار بسبب لا مبالاة هؤلاء المجانين...
مشاركة :