يلتقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الرئيس الامريكي باراك اوباما، غدا الجمعة، في زيارة هي الأولى إلى واشنطن منذ توليه الحكم في المملكة. وأوضح محللون في واشنطن أن الاتفاق النووي بين الغرب وإيران سيتصدر المحادثات بين الملك سلمان وأوباما، وتوقعوا أن تتطرق المشاورات أيضاً إلى الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، كما سيكون الوضع في اليمن وسوريا حاضرا في القمة السعودية الأميركية، مشيرين الى ان العلاقات مع واشنطن تحالف صبغته إستراتيجية المملكة. منعطف مهم وفي السياق، اكد سياسيون لـ اليوم ان زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة الامريكية تشكل منعطفاً مهما في العلاقات الامريكية السعودية، بعد ان تلقى دعوة من الرئيس باراك أوباما ونقلها وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر خلال زيارته السعودية في منتصف يوليو الماضي، وسيكون بمعية خادم الحرمين وفد عالي المستوى يضم العديد من الوزراء والاقتصاديين. وقال رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، الدكتور أنور عشقى: ان زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة الامريكية تُعد محوراً هاماً في العلاقات الامريكية السعودية، بعد المستجدات والمتغيرات على الساحة في العلاقات بين دول الشرق الاوسط وامريكا، مشيراً الى ان الولايات المتحدة الامريكية وجدت ان الصديق الذي لا يتدخل في شؤونها الداخلية وينشغل بما يتعهد به دوليا وخلافه هي المملكة، ولهذا ستكون الزيارة استراتيجية في المقام الاول؛ وذلك لإعادة البناء الاستراتيجي بين المملكة وامريكا. واضاف عشقي: ان الزيارة ستناقش ملفات عربية وعالمية والجميع يعلم ان امريكا لم يعد الشرق الاوسط من اولوياتها، واتجهت الى دول المحيط الهادي ودول شرق آسيا، ولذلك اثبتت المملكة جدارتها في عاصفة الحزم وانها الدولة التي تستطيع ان تصنع الاستقرار في الشرق الاوسط، وسيكون هناك اتفاق في هذا الجانب او تبادل رؤى حول ذلك، والملفات الساخنة في لبنان واليمن وسوريا والعراق ولا بد ان يسودها السلام وتنهي هذه الملفات وسيتم مناقشها مع الرئيس اوباما. وقال عشقي: ان الاتفاق الامريكي مع ايران في الملف النووي لأهداف استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية، وهناك اسرار غير معلومة ولم تكشفها امريكا، وستتم مناقشها في الزيارة، مشيراً الى ان المملكة ستطلب من امريكا الضغط على ايران للكف عن التدخل في شؤون الدول العربية وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وإلا توظف مكتسباتها من رفع العقوبات والافراج عن ارصدتها في مزيد من زعزعة الامن في الشرق الاوسط، والذي تعهدت به امريكا مسبقاً. واكد عشقي ان المملكة تتعامل مع الولايات المتحدة الامريكية حسب المصالح المشتركة والمعاملة بالمثل، وسيكون هناك اعادة لبناء العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، لافتاً الى انه من المتوقع ابرام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والامنية بين المملكة والولايات المتحدة الامريكية. المملكة متمسكة بمواقفها من جانبه، قال المحلل السياسي فهد الشافي: ان زيارة الملك سلمان للولايات المتحدة الامريكية تأتي بعد ابرام امريكا للاتفاق النووي مع ايران، وستكون تأكيدا على التطمين الامريكي للمملكة ودول الخليج، مشيراً الى ان المملكة لن تتنازل عن مواقفها من قضايا المنطقة في اليمن وسوريا والعراق والتدخل الايراني في شؤون دول منطقة الشرق الاوسط. واضاف الشافي: هناك تغير كبير في العلاقات بين البلدين بعد مواقف امريكا من ايران وفي العراق وسوريا، مؤكداً ان من المواضيع المهمة التي سيتم طرحها الجانب الاقتصادي وخصوصاً النفط، اضافة الى ان الزيارة سيسودها تلطيف الاجواء بين البلدين، وسيبقى موقف المملكة واضحاً من قضايا المنطقة، وان المملكة تراجعت ثقتها مع الحليف الامريكي بعد الاحداث في المنطقة. واشار الشافي الى ان وجود عدد من الوزراء ورجال اعمال من الغرف السعودية يشير الى ان الزيارة مهتمة بالشأن الاقتصادي، اضافة الى امكانية توقيع اتفاقيات تسليح. علاقات البلدين وانطلقت علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية من منظور السياسة الخارجية للملك عبدالعزيز - رحمه الله -، القائمة على استقلالية القرار والبحث عن العلاقة التي تحقق مصالح البلاد دون تعرضها لأي تأثيرات سلبية، والمبنية على تنويع الصلات الدبلوماسية مع جميع الدول وفقاً للمبادئ التي تقوم عليها البلاد، وعقد اللقاء السعودي الأميركي الأول على مستوى القمة بين الملك المؤسس عبدالعزيز «رحمه الله»، والرئيس فرانكلين روزفلت على البارجة كوينسي في البحيرات المرة بمصر زرعت بذرة العلاقات بين البلدين. ولم تنقطع اللقاءات السعودية - الأميركية منذ لقاء كوينسي، بل استمرت بلقاءات بين الملك سعود والروساء الاميركيين، ومن ثم الملك فيصل، والملك خالد، والملك فهد، والملك عبدالله «رحمهم الله جميعاً»، في زيارات متبادلة تركزت في مجملها على دعم العلاقات الثنائية وتطويرها وصولاً إلى التفاهمات حول قضايا الاهتمام المشترك. وقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز «حفظه الله» العام 2012 بزيارة إلى واشنطن التقى فيها الرئيس أوباما في البيت الأبيض، وشددا في ذلك اللقاء على أهمية الشراكة المستمرة والقوية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. المملكة والولايات المتحدة حريصتان على تطوير علاقتهما بما يخدم مصالحهما، وما أدل على الاهتمام الأميركي بتطوير وترسيخ العلاقات مع المملكة إلا هذه الزيارة التي قام بها الرئيس أوباما لتأدية واجب العزاء في فقيد الأمة الكبير الملك عبدالله بن عبدالعزيز «يرحمه الله» ولتهنئة قيادتنا بتولي مقاليد الحكم قاطعاً زيارة رسمية لجمهورية الهند ليؤدي هذه الزيارة، وأيضاً الوفد الرئاسي الكبير الذي رافقه وضم مسؤولين أميركيين سابقين. زيارة الرئيس أوباما مهمة من كل جوانبها ومؤشر واضح على العلاقات الإستراتيجية التي تجمع الرياض وواشنطن. وتعود جذور العلاقات السعودية الامريكية الى الربع الاول من القرن العشرين. فقد تبلورت اللحظة التاريخية بشكل واضح بعد الحرب العالمية الاولى. وقتها كان جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قد اشرف على استكمال توحيد ووضع اسس اكبر مملكة في وسط الجزيرة العربية، فيما كانت الولايات المتحدة الامريكية تتهيأ للخروج مما عرف في التاريخ السياسي بالعزلة المجيدة التي فرضتها امريكا على نفسها وبدأت تبحث لنفسها عن دور فيما وراء البحار. لقد ادرك الملك المؤسس بفطنته وبعد نظره في عالم تتصارع فيه الكيانات الكبيرة والايديولوجيات اهمية قيام علاقة متينة بين المملكة والولايات المتحدة تنأى بها عن الدولة الاستعمارية الاولى في المنطقة بريطانيا في ذلك الوقت، وتبعدها عن التوسع السوفييتي الشيوعي، اضافة الى تلبية مصلحة بلاده وتحقيق ما يتوقع له من بناء وترسيخ قواعد دولة عصرية تلحق بركب التقدم. وهكذا لم تكن البداية كما يؤرخ لها البعض باللقاء التاريخي مع الرئيس فرانكلين روزفلت على متن الباخرة الامريكية كوينسي في البحيرات المرة عام 1945، وانما سبقتها بعدة سنوات عندما استخدم جلالة الملك عبدالعزيز «يرحمه الله» مجموعة من المهندسين الزراعيين من الولايات المتحدة لاستكشاف مناطق المياه والاراضي الصالحة للزراعة في المملكة. اعقب ذلك منحه شركات النفط الامريكية امتياز التنقيب بعيدا عن النفوذ الاوروبي في المنطقة الذي كانت تقوده بريطانيا وفرنسا وهولندا. تلا ذلك اقامة الولايات المتحدة تمثيلاً قنصلياً مع المملكة ارتفع في عام 1942م الى مفوضية، وبعد سبع سنوات اصبح التمثيل الدبلوماسي بين البلدين على مستوى سفارة. وفي يونيو 1945، زار الأمير فيصل بن عبدالعزيز الولايات المتحدة الأمريكية ممثلاً لوالده، لحضور تأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرنسيسكو. وفي عام 1957 اصبح الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود أول ملك سعودي يزور امريكا واجتمع مع الرئيس دوايت ايزنهاور بعد الدور الذي لعبه في وقف العدوان الثلاثي (البريطاني الفرنسي الاسرائيلي) على مصر. وفي فبراير 1962، زار الملك سعود الولايات المتحدة مرة ثانية واجتمع مع الرئيس جون كيندي لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتلبية حاجة المملكة الامنية. وفي 1966 التقى الملك فيصل الرئيس لندون جونسون. وفي 1971 التقى الملك فيصل الرئيس ريتشارد نيكسون. وفي 1974، زار الرئيس نيكسون المملكة، وكان اول رئيس امريكي يزور السعودية وبحث مع الملك فيصل زيادة التعاون بين البلدين، وكان نتيجة هذا اللقاء تأسيس اللجنة الاقتصادية السعودية الامريكية المشتركة. وفي 1978 زار الرئيس جيمي كارتر الرياض واجتمع مع الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود، وبحثا الى جانب العلاقات الثنائية ما عرف بمشروع الرئيس كارتر لتحريك عملية السلام بين العرب واسرائيل. وفي 1985 قابل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود «يرحمه الله» الرئيس رونالد ريغان في واشنطن. ثم زار عام 1990 الرئيس جورج بوش (الاب) المملكة وقابل الملك فهد، وبحثا العدوان العراقي على الكويت، ونسقا استراتيجية طرد القوات العراقية بعد ان اتخذ خادم الحرمين الشريفين الملك فهد قرار تحرير الكويت، ثم تفقدا القوات الدولية التي كانت قد بدأت تصل استعداداً لعملية عاصفة الصحراء. وبحثا خطوات ما بعد العملية لإعادة الاستقرار الى الكويت والمنطقة ولدفع عملية السلام بين العرب واسرائيل، والتي تطورت فيما بعد في قمة مدريد. وفي 1994، زار الرئيس بيل كلينتون المملكة والتقى الملك فهد في قاعدة حفر الباطن، وبحثا العلاقات بين البلدين، وتطبيق قرار مجلس الأمن بمقاطعة ومحاصرة العراق. وفي 1998 قابل ولي العهد (في ذلك الوقت) الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الرئيس بيل كلينتون، وكان الأمير عبدالله قد قام بجولة عالمية شملت سبع دول. وسبق ذلك لقاءات بين كبار المسؤولين في البلدين، منها اجتماع الملك فهد والأمير عبدالله بنائب الرئيس آل غور عندما زار المملكة، واجتماع الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والمفتش العام (في ذلك الوقت) بالرئيس كلينتون في البيت الابيض. أحداث سبتمبر وبعد أحداث سبتمبر 2001 الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية، شن المعادون للمملكة حملة لتأليب الرأي العام الامريكي على المملكة من خلال حملات اعلامية مضللة ومغرضة مبنية على كم هائل من الاكاذيب والادعاءات في مسعى لزيادة الصدع بين الصديقين التاريخيين، وقطع عرى هذه العلاقة التي بدت لهم كحجر عثرة امام اهدافهم وتصوراتهم المرسومة للمنطقة وقضاياها التاريخية، فجاءت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان ولياً للعهد حينها الى الولايات المتحدة مطلع صيف عام 2005 والتقى الرئيس جورج دبليو بوش في كرافورد وعبر حرارة الاستقبال التي استقبل بها (الأمير عبدالله) اتضحت الرؤية تماماً، وأيقن الجميع ان سحابة 11 سبتمبر العابرة قد زالت من على وجه العلاقات التاريخية واصبحت محض صفحة تم طيها. زيارة أوباما وفي اواخر يناير الماضي، عقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأميركي باراك أوباما، اجتماعا مطولا في العاصمة الرياض، بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين والاستمرار في تعزيزها وتطويرها في كل المجالات بما يدعم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما، كما تناولت المباحثات استعراض عدد من الموضوعات الاقتصادية والإقليمية والدولية بما في ذلك أهمية حل النزاع العربي - الإسرائيلي استنادا إلى القرارات الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، كما تم بحث الملف النووي الإيراني. جانب من مباحثات خادم الحرمين الشريفين مع الرئيس الامريكي في الرياض
مشاركة :