عبد الكريم الشّعار … الغناء الصوفيّ الطربيّ الأصيل

  • 1/29/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

صوت عميق وسحيق كثيف الدّهشة يلمع في السّمع ويتردد صداه في المساحة الكبيرة، إنه صوت الفنان الكبير المطرب اللبناني القدير عبد الكريم الشعار. صوت يمتد على مساحة طربية لا حدود نهائية لها، فكلما خرجت النغمة من حنجرته ،تأخذ معها ضفاف الشوق والإنتظار، تعطي لصاحبها، وللمستمع ،مساحة حرية وخيال فوّار. بدأ الفنان عبد الكريم الشعار مسيرته الفنية منذ أعوام عامرة . في سنة 1973 كانت انطلاقته الفنية ، حيث نال الميدالية الذهبية عن فئة الطرب الأصيل في (ستديو الفن). ومنذ تلك المرحلة وصوته يمتد ويعلو في الحضور الواسع. ولد الفنان في مدينة طرابلس ــ شمال لبنان ، في منتصف الخمسينيات . وقد عرف ،منذ نشأته، كصاحب صوت مميز ولافت وجميل يتمتع بقدرات وطبقات عالية. و منذ نعومة أظفاره كان يقرأ القرآن الكريم و يؤدي الإبتهالات الدينية بحرفية عالية. وقيل الكثير في مدح صوته وموهبته. حقق عبد الكريم الكثير من طموحه الفني ، وربما أخذ نصيبه الكامل في دنيا الطرب . فقد حضر ،كفنان وكمطرب ،حضور ملوك الطرب، وعرفته الصالات والقاعات والمسارح والبلاد، تلقفته وتسلحت بصوته الذي يخاطب أعماق الروح والإنسانية . يتميز الفنان بعلاقة خاصة مع فنه وطربه، فهو فنان ينأى بفنه ، يسلك دربه الفني الخاص،ويصر على خصوصية طربية أرادها لفنه ولصوته وكلماته وألحانه. وأهم ما يميز الفنان أنه يرفض الأعمال الفنية السريعة والتجارية ، ويرسم لفنه وطربه حدود الإستقامة والصرامة، و يصر على المحافظة على الألحان الطربية القديمة والشرقية البحته. وقد اعتمد على هذا الأساس الطربي في كل أغانيه و حفلاته. ويؤكد دائماً على تلك الخصوصية، فالفن بالنسبة له : ” هو التزام بالمحبة والطمأنينة، والطرب الأصيل لا ينطلق الّا بإرادة المحبة والسلام الداخلي للإنسان.. الغناء الطربي هو ذروة الوعي العاطفي النوراني الداخلي الذي يحتاجه الفنان ـ الإنسان كي يستمر في حياة سعيدة. الغناء الطربي حاجة روحية ماسة تعطي صاحبها ومن حولها نشاطاً إنسانياُ ، وترفع منسوب الوعي في درجات الحياة. لذلك اخترت هذا الدرب الذي سلكتهه بحرية وسعادة، وما زلت أشعر بالشوق للإنشاد والطرب والإبتهال، ففي كل نغمة طربية تولد مساحة عيش كريمة وتعلو صورة الخير على أوسع مساحة صورة”. استطاع الفنان عبد الكريم تأدية أصعب الطبقات الغنائية،وصوته القوي لبّى ونفذ وأنشد بكل حرية وقدرة. فقد أدى الأغنية الشعبية و الدور والقصيدة والموشح والطقطوقة والإبتهالات الدينية بحرفية عالية وجاذبة ، وقد نافس الأصوات الرنانة الكبيرة . صوته هويته ومدخله الى العالم والى قلوب العالم : ” صوتي هويتي ،صورتي التي يعرفني بها العالم والحياة . الصوت، صوتي له مكانة في روحي وعقلي وقلبي ، ولا يمكن أن ينفصل الصوت عن الشخص، صوتي يأخذني الى حيث أريد، ويمكنني أن أرى أكثر من خلال صوتي . الطرب والغناء الملتزم بنبرة الحياة الصافية لا يمكنه الا أن يكون صدى المحبة والسعادة والجمال. يأخذني صوتي الى حريتي ، حيث تكمن حرية الفرد وسط الحرية الكبيرة للحياة والعالم“. صفات كثيرة ومميزة في أعمال الفنان ، ومن صفاته الفنية المميزة هو أنه لم يقلدّ المطربين وسواهم من الفنانين ، لم يذهب الى التقليد، ولم يقع في فخّ التقليد، بل حافظ على حضوره مع نفسه، مع خصوصيته الفنية، مع صوته الجبار، وهذا ما جعله ينأى داخل خصوصية فنية راقية لا تتشابه الّا مع نفسه : ” الفن أوالغناء بشكل خاص لا يمكن أن يأخذ هويته الخاصة والفاعلة اذا وقع في مناخات التقليد والإستعارة الغنائية.. إن صوتي وما يحمله من محاولات في البناء الطربي لا يمكن أن يكون خارج سرب ذاته، خارج الصدى الذي يطلقه في المسافة الكبيرة للحياة. إنني أنشد وأغني وأنطلق من أعماق ذاتي، لذلك يسلك حضوري الفني دربي الطربي بحفاوة كبيرة. غنائي هو نسيج غنائي الخاص ، نسيج ذاتي التي تبتكر لنفسها ما يساهم ويساعد في ترسيم خصوصيتها على نحو متطور ومستمر”. شارك الفنان عبد الكريم الشعار مع كبار الفنانين وأدى معهم أصعب الأعمال والموشحات، التقى مع الفنان الكبيرصباح فخري في حفل وأديا معاً أدواراً وموشحات قديمة، وبرزت في حينها خصوصية الطرب الذي يأتي منه الفنان. وكذلك غنى الشعار لكبار القوم الطربي.غنى لمطربين كبار كثر ولكنه لم يقلد أحداً، فقد ارتجل وغنى للكبار أمثال، عبد الوهاب وصالح عبد الحي وعبدو السروجي ووديع الصافي و أم كلثوم وصباح فخري ، وكذلك قدم أدواراً قديمه أخرى لمطربين و مشايخ كبار وابتهالات دينية كثيرة ، لعلي محمود وصلاح الدين كبارة وطه الفشني. والشيء المميز المميز في هذه الأدوار التي قدمها الشعار هو أنه يستخدم فيها الكثير من خياله الموسيقي المميز والبارع . فهو فنان قدير بكل ما في الكلمه من معنى ، يستطيع الصبر والصمود العظيم في سماعه للأغاني الثقيلة الوزن القوية و التي تحتاج الى مقدره في الصوت وطول النفس وحسن الأداء والقدرة العالية : ” الثقافة الطربية ضرورة لشحذ الهمة الفنية ورفع جهوزيتها وقدرتها ، لتكون أكثر قدوة وأكثر قدرة في البناء الموسيقي والغنائي . وهذا أمر يحتاج الى جهد كبير وإصغاء أكبر لكل ما هو صوت مستقيم وقدير وفاعل في الميدان الطربي الفني، لذلك أجد نفسي ملزمة بهذا الإصغاء الكلي ، من واجبي هذا الإصغاء، كي تتفتح المسافة والألوان والأصوات والصور والمساحات الصوتية والنغمية، كي أرى أكثر وأسمع أكثر، وأطرب أكثر وأكثر“. غير أن الفنان عبد الكريم الشعار ، غنى الشكل التالي والآخر أي أنه غنى النمط الكلاسيكي . غنى للراحل الفنان الكبير فريد الأطرش وسواه، وطبعاً صبغ هذه الكلاسيكية بمسحة صوته وخصوصيته وحولها الى ما يشبه الخاص جداً . وكل هذا لم يمنع الفنان ولم يحل من تقديمه الكثير من الأعمال الخاصة ، والتي تنطلق من ألحان شرقية وموشحات وإيقاعات طربية تطرب القلب قبل الأذن والعين. له أعماله الخاصة وألحانه الخاصة ، وهو يقدمها في مختلف البلاد والاماكن العامرة والساهرة: ” لا يمكن للفنان الأصيل أن يصل الى خصوصيته، الى لواعجه الفنية الصاخبة الخاصة الصافية اذا لم ينتج ما هو خاص ويصب وينبع من أعماقه الطربية والثقافية. فمن الضروري، ومن واجب الفنان أن يبرهن ، بالصوت والصورة والنغمة والإيقاع، بكل ما لديه من وعي غنائي ، من ثقافة موسيقية، عليه أن يبرهن ويقدم أوراق حضوره في الغناء الخاص..لكل فنان أصيل قدرة على تقديم هذه الأوراق الممهورة باسمه، واذا فقد أو فشل بإحضار أوراقه الفنية الخاصة المختومة بصوته ولحنه فلا بد له أن يعيد قراءة ثقافتة الفنية والطربية على نحو يساعده على اكتشاف نفسه“. يواصل الفنان عبد الكريم الشعار اليوم مشواره الفني الطربي الغنائي، كما في الأمس، يواصل الطرب والغناء والإبتهال، وكما في المستقبل”حتماً”، يواصل ويواظب اليوم أكثر على اداء الإبتهالات والتواشيح الدينية والصوفية ، وفي معظمها يعتمد على ملاحقة الإيقاع بصوته فقط وبدون موسيقى أو تخت موسيقي . ويسجل له تفرداً ملفتاً في هذا السياق الغنائي المميزن وقدرة خارقة مدوية . وكذلك يرتجل إيقاعات وقوالب فنية عديدة وكثيرة في الغناء والطرب . وكل هذا عائد الى موهبة فنية غنائية كبيرة محصنة بثقافة عالية ، والى طموح كبير وحازم قائم في أعماق الفنان، يكبر وينمو يوماً بعد يوم .

مشاركة :