يشن الرئيس التركي رجب أردوغان حربًا في الداخل والخارج منذ أواخر عام 2013 للبقاء في السلطة، فهو يعلم بالتأكيد أنه إذا ترك المنصب بطريقة ما فسيتم محاكمته، بسبب جرائم نظامه ضد الإنسانية، مثل أنشطة تركيا في سورية وكيف نظرت حكومة أردوغان في الاتجاه الآخر للسماح لداعش وغيرها من الإرهابيين من الجهاديين الآخرين باستخدام تركيا كقاعدة للانطلاق. أذرع خفية نهبت مليارات الدولارات مقابل "عقود وهمية" وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي بشدة، وجد أردوغان في ليبيا بيئة خصبة لضمان التدفق النقدي الذي بلغ مليارات الدولارات من خلال "شركات الإنشاءات" ذراعه الخفي في الأراضي الليبية، ورغم أن رؤية الدمار في ليبيا لم يعد أمرا صعبا بعد أن أصبح حقيقة دامغة لا مفر منها، في بلد يشهد بنية تحتية تعتبر متواضعة للغاية بالنسبة لدولة نفطية بعد مرور عقد كامل على الانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. ففي ليبيا ترى مشاريع البناء وقد اكتمل نصفها على أكثر تقدير؛ حيث تم تنفيذ العديد من هذه المشروعات من قبل الشركات التركية التي تم إنهاء عقودها عقب ثورة فبراير 2011 عندما شرع الليبيون في التحقيق في الأموال التي تنفق من خزائن الدولة. ونشرت صحيفة "ذا أنفستغيتيف جورنال" ملف من مقدم بلاغ ليبي بسبب الهدر الذي شهده خلال منصبه الإنشائي، ويوثق أحد العقود التي قدمت في البلاغ جريمة سرقة مكتملة الأركان. ففي عام 2009، جرى إنفاق أكثر من 197 مليون دينار ليبي على عقد بقيمة 161 مليون دينار (ما يعادل 258 مليون يورو بسعر صرف 1.6 للدينار مقابل اليورو في ذلك الوقت) لترميم جامعة العرب الطبية في بنغازي، ولم يتم الانتهاء سوى من 2٪ فقط من المشروع. لم تكن هذه حالة استثنائية، حيث يدرك الليبيون أنهم كانوا الخاسرين، لكن القليل منهم فقط كان على دراية بهوية المنتفعين من هذا الفساد. فقد فتح نظام أردوغان الذي تولى السلطة كرئيس للوزراء من 2003 إلى 2014 ثم كرئيس للبلاد، المجال أمام صناعات البناء والطاقة لتصبح إحدى القوى الدافعة للاقتصاد التركي. وشكلت عقود بمليارات الدولارات في ليبيا جزءًا مهمًا من هذه الإيرادات في عهد القذافي (في ظل وجود أكثر من 25000 موظف في الشركات التركية في ليبيا قبل ثورة 2011) وبعدها. تاريخ الفساد التركي في ليبيا انفتح المقاولون الأتراك على العالم للمرة الأولى من خلال ليبيا، وذلك عن طريق شركة "STFA"، وهي أول شركة تركية حصلت على عقد في ليبيا في عام 1972 (كانت معظم ليبيا مقاطعة تابعة للإمبراطورية العثمانية لمدة ثلاث مئة عام). وبعد أن قام القذافي بتسوية تعويضات لوكربي، تخلى عن أسلحته الكيماوية في ديسمبر 2003 وجرى دمجه جزئيًا في المجتمع الدولي وتسارعت مشاريع البناء في البلاد. في 25 نوفمبر 2009، وقعت ليبيا اتفاقية استثمار ثنائية مع تركيا. توقفت غالبية العقود في عهد القذافي مع تغيير النظام في عام 2011 بسبب التكلفة الباهظة والعمولات وعدم الالتزام بالتنفيذ، لكن في عام 2020 أرسلت تركيا بمسلحين وبعتاد للحفاظ على حكومة الوفاق ضد المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وفي مقابل ذلك جرى إحياء العديد من عقود البناء الفاسدة التي مُنحت لشركات تركية خلال سنوات القذافي. ففي خريف عام 2019، تمكن أردوغان من توقيع معاهدة جديدة مع ليبيا، وهي صفقة بحرية بين ليبيا وتركيا، تمنح تركيا سيطرة واسعة على طرق نقل الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط وحقوق التنقيب عن النفط والغاز. علاوة على ذلك، طلب أردوغان أيضًا من فايز السراج رئيس الوزراء في حكومة الوفاق منح المزيد من العقود للشركات التركية، مما دفع ليبيا إلى منح شركات تركية عقودا جديدة بقيمة 16 مليار دولار في عام 2020. كذلك دفع السراج لتركيا مبلغًا إضافيًا قدره 12 مليار دولار (4 مليارات دولار ودائع بدون فوائد للبنك المركزي التركي لدعم الليرة المحاصرة وثمان مليارات دولار لتكلفة العملية العسكرية التركية). فقد كانت تجارة تهدف إلى توفير الدعم العسكري للعقود التي تغذيها عائدات النفط الموقعة بين تركيا وليبيا. عمولة أردوغان كان الرصيد المستحق البالغ 19 مليار دولار يعني بالنسبة لأردوغان أنه إذا تمكن من إجبار الحكومة الليبية الجديدة على دفع هذه الأموال، فيمكنه الحصول بسرعة على حوالي 4 مليارات دولار لنفسه من هذه المدفوعات. وقد أثرت هذه الرشاوى أيضًا المسؤولين عن البنية التحتية في ليبيا. يعتبر عبدالحميد الدبيبة، الذي قدم عقودًا بمليارات الدولارات لشركات تركية بين عام 2006 والثورة الليبية في فبراير 2011، الآن مرشحا لمنصب رئيس الوزراء في المؤتمرات الحزبية التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي جرت خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالطبع لم يشكل دعم تركيا له مفاجأة لأحد. صهر أردوغان يلعب دوره استفادت نصف دزينة من الشركات التركية التي كان رؤساؤها مقربون من أردوغان من هذه العقود الليبية، ولعب صهر أردوغان، بيرات البيرق، دورًا مهمًا، سواء خلال فترة عمله القصيرة في الصناعة الخاصة أو كوزير للطاقة والموارد الطبيعية (2015 - 2018) ثم وزيرا للخزانة والمالية حتى 10 نوفمبر 2020، حيث تم تعيين بيرات البيرق كرئيس تنفيذي لمجموعة كاليك القابضة للإعلام والطاقة في عام 2007 بمجرد حصوله على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في سن 29 بعد زواجه من ابنة أردوغان إسراء، واستمر في هذا المنصب حتى أواخر عام 2013. وتعتبر شركة "كاليك القابضة"، المملوكة لأحمد كاليك، أحد معارف أردوغان المقربين، مجموعة تركية معروفة بالصفقات المربحة التي جرى الحصول عليها من خلال الحكومة التركية والدول الأخرى التي يرتبط أردوغان بعلاقات وثيقة معها. استحوذت شركة كاليك القابضة أيضًا على المجموعة الإعلامية التركية ATV-Sabah (تركوفاز) المقربة من أردوغان في عام 2007 مقابل 1.1 مليار دولار من خلال قروض بنكية حكومية مشكوك فيها وغير قانونية. وشقيق بيرات، سرحات البيرق، هو نائب رئيس المجلس التنفيذي لتركوفاز ميديا منذ عام 2007. وتعتبر "تركوفاز ميديا" التي تبث باللغتين التركية والإنجليزية، آلة دعاية تقف خلف أردوغان. على مدار السنوات الست الماضية، قامت شركة "كاليك إنرجي" ببناء واحدة من أكبر محطات الطاقة في ليبيا، وهي "محطة الخمس لتوليد الطاقة ذات الدورة البسيطة بقدرة 550 ميجاوات"، التي تقع على بعد 62 ميلاً شرق العاصمة طرابلس. وفقًا لشركة كاليك القابضة، بدأ البناء الأولي في عام 2014 وتم إجراء اختبارات القبول المؤقت لمحطة الطاقة في أبريل 2017. في الآونة الأخيرة، وخلال اجتماع 20 يونيو 2020 مع وفد تركي في طرابلس، حيث تمت مناقشة انقطاع التيار الكهربائي في ليبيا، ورد أن وزارة التجارة التركية طلبت من شركتي "كاليك أنيرجي" وشركة "كاليك هولدنغ" وشركات أخرى تقديم مقترحات مشاريع بشأن مشكلة الكهرباء في ليبيا. توسعت شركة "كاليك القابضة" بشكل سريع في ظل حكومة أردوغان بمشاركة الأخوين البيرق من خلال صفقات مشبوهة شملت ثماني شركات خارجية في مالطا، وفقًا لما ورد في "برادايس بيبرس". وبصفته وزيرا للمالية، لم يكن من قبيل المصادفة أن يصدر بيرات البيرق تشريعًا للعفو الضريبي التفضيلي المعروف باسم "قانون سلامة الثروة"، الذي كتبه زملاؤه السابقون في "كاليك"، مما يسمح لأحمد كاليك بإعادة مبالغ غير محدودة من الأموال الخارجية إلى تركيا "معفاة من الضرائب". الجانب الليبي: عائلة دبيبة على الوجه الآخر من العملة، هناك عائلة الدبيبة، من مدينة مصراتة الصناعية في ليبيا، المقربة من أردوغان نفسه التي ساعدت في تسهيل تدخل تركيا في الحرب الأهلية الليبية. عائلة الدبيبة تعتبر متفقة سياسياً مع أردوغان، حيث يُنظر إليها على أنها قريبة من الإخوان المسلمين في ليبيا ومن المفتي العام الليبي صاحب النفوذ السابق. لكن أهم شيء هو ببساطة المال، فقد جرى منح عقود بنية تحتية تصل قيمتها إلى 19 مليار دولار لشركات تركية من قبل هيئات الدولة الليبية التي يسيطر عليها أبناء عمومة وأشقاء زوجة عبد الحميد الدبيبة، رئيس "الشركة الليبية القابضة للاستثمار والتنمية" منذ عام 2006 حتى الآن، وعلي دبيبة ، رئيس "ODAC" منذ عام 1989 – 2011. كانت "الشركة الليبية للاستثمار والتنمية القابضة" جزءًا من (صندوق الضمان الاجتماعي) وعلى هذا النحو كان لديها إمكانية الوصول إلى مبالغ كبيرة من المال. تأسست "الشركة الليبية القابضة للاستثمار والتنمية" عام 2006 بموجب المرسوم البرلماني رقم 309 برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وقد جرى نشر العديد من المقالات في وسائل الإعلام الغربية حول فساد علي دبيبة وأبنائه. غادر علي دبيبة ليبيا قبيل ثورة 2011 وسرعان ما تم إدراجه في القائمة السوداء من قبل الحكومة الثورية. وبدأ المدعي العام الليبي عملية اتهامه بالفساد في عام 2013، لكن ذلك، شأن العديد من جهود مكافحة الفساد. (ظهر علي دبيبة لفترة وجيزة في قائمة الإنتربول الحمراء قبل أن تزيل ليبيا جميع المجرمين المعينين من القائمة تقريبًا). وفي الوقت الحالي مازالت ثروته من الأموال المغسولة تمنحه القوة. أما عبدالحميد دبيبة، من ناحية أخرى، فلم يُطرد من شركة "ليدكو" ولم يُتهم على الرغم من وضعه على نفس القائمة السوداء مثل ابن عمه. ولا يُعرف سوى القليل عن سيرته الذاتية بخلاف حصوله على شهادة في الهندسة المعمارية ودراسته في كندا، حيث حصل ابن عمه علي على جواز سفر بطريقة احتيالية. كما أن علي دبيبة متزوج من خديجة أخت عبدالحميد، لذلك فإن الاثنين يعتبران أبناء عمومة وأصهار في نفس الوقت. ومن المثير للاهتمام أيضًا أن أحد أبناء علي دبيبة، أسامة، كان مساهماً في شركة "تاران تاريم هافانسليك فا غيدا"، وهي شركة تركية كانت تعمل في محال الزراعة لكنها متوقفة حاليا عن العمل. وقد أودع الشريك الأساسي، سوات صالح كركوكلو، السُجن بتهمة القتل في عام 2012. يتابع عبدالحميد علانية دور القيادة السياسية اليوم، وفيما تحاول الأمم المتحدة والقوى العظمى تشكيل حكومة انتقالية ثانية قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر 2021، يُنظر إلى عبدالحميد على أنه منافس جاد لرئيس الوزراء، وقد انحرف ترشيحه عن مساره بشكل طفيف بسبب مزاعم بأنه هو وابن عمه علي يعرضان مئات الآلاف من الدولارات على المندوبين الليبيين مقابل اختيار الحكومة المقبلة. ويريد أردوغان الحفاظ على الاتفاقات التي أبرمها مع حكومة السراج حال ترك السراج منصبه. ومن هذا المنظور، يدعم أردوغان عبد الحميد الدبيبة كرئيس وزراء ليبيا القادم. وكان عبدالحميد المشرف على مبالغ طائلة من المال العام الليبي قد صرح في الذكرى 41 لانقلاب القذافي، للصحافة بأن شركة "LIDCO" كانت تدير مشاريع بقيمة 10 مليارات دولار في ذلك الوقت، وكانت تخطط لمشاريع بقيمة 10 مليارات دولار في السنوات المقبلة. وأشاد الدبيبة بشركات المقاولات التركية العاملة في ليبيا وزعم أنه يكاد يكون من المستحيل على دول أخرى منافسة الأتراك في ليبيا وأنه شعر بأنه محظوظ للعمل معها. أطلق عبدالحميد مشروعًا مشتركًا باسم "النافذة"، معروف أيضًا باسم "نا ليدكو" مع رجل أعمال تركي ليس له غرض تجاري سوى تسهيل العمولات. وهنا نشير إلى عقد "نا ليدكو" حيث تم دفع مصاريف أكبر من قيمة العقد فيما تم إنجاز 5٪ فقط من العمل. فضلا عن العقود الضخمة الممنوحة لأصدقاء أردوغان من قبل شركة "ليدكو" التابعة لعبد الحميد دبيبة، ومنها: عقود الفساد التجارية لأردوغان حصلت شركة "سيمبول" للإنشاءات، المملوكة للملياردير فتاح تامينسي، شأن سلسلة فنادق "ريكسوس"، على عقد نادر بعد عام 2011 بقيمة 383 مليون دينار من شركة ليدكو في 22 نوفمبر 2012 لبناء مساكن في بنغازي. كما أبرمت عقدين عام 2010 مع شركة "أوداك" في ليبيا، أحدهما كان لبناء فندق "ريكسوس النصر" في طرابلس الذي يضم 120 غرفة على مساحة 24800 متر مربع بمساعدة شركة "كورسات أيبك" المعمارية، وتم الانتهاء منه في 11 مارس 2010. العقد الآخر كان لبناء 54 فيلا لكبار الشخصيات في سرت بمساحة 27360 متر مربع وقد اكتمل في 31 ديسمبر 2010. يُعرف فتاح تامينسي بأنه المصرفي السري وشريك أردوغان. ورغم أنه كان مقربًا من حركة "غولن" في الماضي، فقد اشتهر بعبارة، "عندما رأيت أردوغان للمرة الأولى، وقعت في حبه". في الواقع، علاقات أردوغان الوثيقة مع تامينجي معروفة دوليًا، ويقال إن تامينسي مجرد واجهة لممتلكات أردوغان، كما يشاع أن تامينسي استثمر في ليبيا لأن أردوغان طلب منه ذلك. وفقًا لـ"وثائق بنما"، فقد "استفاد تامينس مباشرة من اتصالاته في جهاز الدولة"، ومن خلال وثائق "بارادايس"، جرى الكشف عن أن تامينس لديه خمس شركات خارجية في جزر فيرجن وثلاث في مالطا، والأكثر إثارة للريبة، وفقًا لـ"وثائق بارادايس"، فإن تامينس، ومبارز، ومانسيموف يمتلكون شركة "تامبال تريد هولدنغ كومباني" في مالطا. ومانسيموف رجل أعمال من أذربيجان مقرب جدًا من أردوغان، وقد أهدى ناقلة نفط بقيمة 25 مليون دولار لعائلة أردوغان. في الواقع، استأجر مانسيموف أيضًا سفن شحن من نجلي أردوغان، بلال ومصطفى وصهره ضياء أولجن من خلال شركة واجهة اسمها "أم بي زد". تشتهر BMZ بنقل نفط داعش الذي اشترته عائلة أردوغان وبيعه للعالم على أنه نفط تركي وكردستاني علاقة أخرى جديرة بالملاحظة هي علاقة تامينس بعائلة عريف الكازاخستانية التركية، يبدو أن توفيق عارف، رب العائلة، المتورط مع تامنسي منذ 1999، يمتلك 50٪ من أسهم شركتي "سيمبول" و"ريكسوس"، وبحسب موقع "فووتبول ليكس" فقد وقع الرئيس التنفيذي لشركتي "سيمبول وريكسوس، فتاح تامينس، وثائق سرية لحيازة أسهم نيابة عن عائلة عارف. كما دخل تامينس في شراكة مع رجل أعمال يدعى بوراك باسليلار في مجموعة تضم عدة مشاريع. ويعتبر باسليلار شخصية مهمة بين الشركات التركية التي حصلت على عقود ليبية. وباسليلار مالك شركة "سيستم كونستركشن" في تركيا التي بنت مركز طرابلس للمؤتمرات. وقد طالب باسليلار وشريكه إركان أوزمين بأكثر من 1.5 مليار دولار نظير مشاريع ليبية. حافظ باسليلار على علاقة وثيقة مع معمر القذافي، وووفقًا لباسليلار، فقد تم استدعاؤه من قبل رجال القذافي ومنحهم عقودًا مباشرة لمشاريع عاجلة في كل من ليبيا والنيجر منحتها مؤسسة "ODAC". عقود الفساد التجارية لأردوغان
مشاركة :