مكتب الرياض، تحقيق -سفراء بات لا يخلو بيت في الوطن إلا وخرج من أفراده طالب مبتعث أو مبتعثة يدرسون في مختلف التخصصات بجامعات في أنحاء العالم، بعد أن وصلت الأعداد إلى مئات الآلآف من المبتعثين مع فتح برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث قبل عشر سنوات، وتتعلق قلوب وأفئدة الأهالي مع أبنائهم المبتعثين بكل وسيلة تواصل ممكنة لمتابعة أحوالهم الحية والمباشرة في المسكن والجامعة وحتى في النزهات الخارجية، لاسيما مع توافر الخصوصية التامة والأسعار المقبولة في وسائل التواصل المتعددة، التي ساهمت وبلا شك في التخفيف من شعور الغربة. تجربة الغربة مريرة بداية تجد أم يزيد المعجل – موظفة قطاع خاص – في وسائل الاتصال المرئي خير وسيلة تشعرها بقرب ابنها يزيد منهم وتقول: ابتعث ابني قبل سنتين كانت في بدايتها صعبة نظرا لصغر سنه 18 عاما – وخوفي عليه من خوض تجربة قد تعود عليه بانعكاس سلبي على نفسيته، ولكن فوجئت بأن تجربة الغربة جسدت لديه تحولا إيجابيا في شخصيته وتحمل مسؤولية تنظيم غرفته وأموره المالية، وإصراره الجاد في مسألة أثبات الذات وتحقيق الهدف مهما كانت صعوبة المرحلة، والعودة إلى البلاد متوجا بشهادة متخصصة في الاستثمار المالي، أما حول تواصلنا معه فقد تعايشنا معه أولا بأول منذ وصوله وحتى الآن فقد كنت معه في مرحلة استئجار الشقة وتأثيثها، وأطلعنا على جامعته من خلال الصور اليومية، وحتى عندما يطلب مني كيفية اعداد بعض الأكلات ونحن نحرص جميعا في البيت على تواصلنا معه في كل جديد يحدث بالبيت وأخبار العائلة والأقارب، وهو يمدنا بكل ما يحدث في مدينته توسان بولاية أريزونا من تقلبات الطقس وأحوال الجامعة. سكايب مكن الأسر وأبناءها المبتعثين من تبديد مشاعر الاغتراب التعايش المباشر ويؤكد نواف الفريان طالب مبتعث في تكساس أن لهفته على أهله ووطنه دائمة، ومما يخفف قليلا هذه اللهفة والشوق توفر وسائل التواصل المتعددة التي سهلت من مسألة رؤية الأهل عبر استخدام برنامج سكايب أو الاين وغيره إلى جانب برامج التواصل الاجتماعي، حيث تبقيه على اتصال دائم مع ذويه وأصدقائه، بل يتعداه إلى التعايش المباشر الذي من خلاله يقف نواف مع أهله على واقع حال بعضهما البعض بخصوصية تامة وأجور زهيدة، ناهيك عن معايشته لآخر ما يستجد في وطنه أولاً بأول من خلال القنوات الفضائية والصحف الالكترونية ورسائل الواتس اب ، موضحاً أن الغربة كانت تزعجه وتؤرقه في بداية التجربة، إلاّ أنه استطاع التآلف والتعايش معها باستمرار الوقت رغماً عنه على حد تعبيره. التواصل ميسر وسهل وعبرت ريم كردي – تدرس برمجة الحاسب الآلي في كوريا الجنوبية – عن مشاعر الشوق والحنين لوطنها وأهلها ولكن ما يصبرها هو تذكرها الهدف الذي جاءت من اجله وتقول: عندما ينتابني الشوق والحنين لأهلي أتأمل عودتي لهم وأنا أحمل أعلى الشهادات وأصعبها تحقيقا، بعد أن صقلتني الغربة وجعلتني أكثر مسؤولية وقدرة في تحقيق الذات واكتشاف طاقاتي، مشيرة انها عايشت مختلف العادات والطبائع للشعب الكوري وهي تختلف كليا عن مجتمعنا العربي، مضيفة انه عندما يمر علي كل موقف في الحياة أستنبط منه الكثير وأتعلم منه، أما التواصل مع الأهل فهو بشكل يومي فوسائل التواصل أصبحت ميسرة وبرامج متعددة للاتصال المرئي والصوتي عبر النت، فوالدتي هي من توقظني في الصباح وعندما اذهب للجامعة أجعلهم في بث مباشر معي في قاعات الدراسة والمطعم وحتى في تسوقي بالمجمعات التجارية. الواتس اب وسيلة تقارب بين المبتعثين وأسرهم تعويض النقص ويوافقها الرأي محمد الحماد باحث دكتوراه ويقول: اتصال الأنترنت قرب المسافات بيننا وبين أهالينا ومكننا من الأتصال بهم في أي وقت ومكان دون أن يكلف هذا الأمر أي مبالغ مالية اضافية بخلاف الاتصال الهاتفي الذي يزيد من رقم الفاتورة، وفعلا قد وفر هذا الاتصال أن يطلع المبتعث على كل خطوة يخطوها أي فرد من أفراد أسرته وهم أيضا يطلعون على سير دراسته ويومياته، مضيفا أنا مبتعث مع زوجتي وأبنائي رهف ومشعل وكثيرا ما يلح أبنائي علي في الاتصال بأجدادهم واعتقد بأنهم أحيانا يحسون بوطأة الغربة ويجدون أن هذا الاتصال يقلل من هذا الشعور، وخصوصا في الأعياد التي نفتقد فيها أجواء الاحتفال، فنتجه لتعويض هذا النقص عبر الاتصال المرئي وبمدة مفتوحة. لحظة بلحظة وتتبادل دانه العايد – مبتعثة لمرحلة ماجستير صورها وصور أطفالها مع أهلها وصديقاتها وكأنها معهم يوما بيوم، وخصوصا في الأعياد والمناسبات العائلية كالزواجات التي تحرمها الدراسة بالخارج من التواجد معهم فيها، وتقول: من خلال الصور والفيديوهات أعيش مع أهلي لحظة بلحظة وكأنني معهم وخصوصا في المناسبات مثل مناسبة عقد قران أخي مؤخرا، فقد اطلعت على أدق التفاصيل في الحفل من خلال تطبيق السنابشات والواتس اب وغيره. وأوضحت أم فهد الشمري بأن ابنها فهد مبتعث إلى بريطانيا وهي تتابع تحركاته وأخباره عن طريق سكايب وتقول: اللهم لك الحمد، مفهوم الغربة تغير عما كان سابقا فقد خدمتنا التكنولوجيا الحديثة خدمة عظيمة فمهما كان الشخص يقيم في أي مكان بالعالم فإنه يستطيع التواصل مع أهله بضغطة زر بالصوت والصورة. وسائل التواصل قربت بعد المسافات بين المبتعثين وأسرهم وتؤكد أم عبدالرحمن – ابنها وابنتها مبتعثان في أميركا أن برامج التواصل المتعددة أصبحت تشكل وسيلة اتصال قوية ومهمة لا نستغني عنها في يومنا، حيث تجمعنا بأبنائي رغم بعد المسافات، موضحة أن ذلك يتيح لها مشاهدتهم مباشرة على الهواء ومتابعة أحوالهم كل يوم، وحتى أنهم قد استفادوا من هذه البرامج في كيفية تعلم بعض الطبخات الشعبية التي يحبون تناولها بين فترة وأخرى، مُشيرةً إلى أنَّ أهم ما يتميز به هذا النوع من التواصل أنَّه لا يتطلب دفع مبالغ مالية عكس ما هو عليه الحال بالنسبة للمكالمات الهاتفية التي كانت تجعلهم في بداية الأمر لا يتواصلون مع بعضهم إلاَّ على فترات متباعدة لغلاء المكالمات الهاتفية. لم يخفض التواصل وأكدت الأخصائية الاجتماعية حنان العيسى، بأن وسائل التواصل الاجتماعي والإلكتروني كان لها الدعم المباشر في التواصل الأسري بين المبتعثين وذويهم، وتقول: لقد مكنت الطالب من التواصل المباشر مع الأهل بالصوت والصورة، وجعلته يشعر وكأنه يعيش مع أفراد أسرته ويتواصل معهم، وقللت إلى حد كبير من وطأة شعور الطالب بالغربة سواء في الأعياد والمناسبات، أو في أي مناسبات أخرى حيث رفعت عن كاهله المعاناة التي يعيشها في الخارج. ونفت حنان العيسى كل ما يقال من أن وسائل التواصل الاجتماعي سطحت العلاقات وهمشتها وخفضت زيارات المبتعث لأهله مؤكدة أنها بالعكس وطدت العلاقات وسهلت الحياة كثيراً على المبتعث وعلى أهله في كل الأوقات، مشيرة إلى أن بعض الأسر لها طريقة تواصل محببة لأبنائها وهي التجمع نهاية كل أسبوع في وقت يحدد عبر الواتس اب والاتصال بالابن عبر السكايب المباشر وكأنه موجود بينهم فيطرحون المواضيع المختلفة الحالية والمستقبلية ويتناقشون فيها ويطلع على كل جديد قد فاته وهو في غربته وحتى في مواسم الأعياد ورمضان. المبتعثون ينقلون مناسباتهم السعيدة لأسرهم
مشاركة :