التعليم الإلكتروني يثقل كاهل الطلبة وذويهم في أرياف العراق

  • 1/30/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يصحو أصيل فجرا كعادته يوميا من أجل حلب بقرته المطيعة ليتغذى بحليبها المنعش المفيد، وبعدها يجهز نفسه من أجل التحضير للذهاب إلى مدرسته في اليوم الأول له من هذه السنة، فرحا مبتهجا ليرى زملاء صفه  بعد فراق طال ثلاثة شهور كانت هي العطلة الصيفية. أصيل ذو الـ10 سنوات، أغلق باب داره الطيني  صباح يوم الأحد كونه يسكن في إحدى المناطق النائية جنوب العراق، وهرول مسرعا وهو يرتدي الزي المدرسي  قميصا أبيض وبنطلونا أزرق، وكعادته يقطع مشيا على قدميه مسافات طويلة تصل لأكثر من أربعة كيلومترات متجها نحو مدرسته الصغيرة  من أجل أن يتعلم ويجتهد لكي يصبح مهندسا. وكما يقول أصيل "تبددت أحلامي عندما وصلت إلى المدرسة، فالمفاجأة التي تنتظرني أنني عندما دخلت مسرعا استقبلني معاون مدير المدرسة بسؤاله، إلى أين؟ فقلت له أنا طالب في الصف الرابع الابتدائي فأمرني بأن أرجع إلى البيت، وأن أعود الأسبوع القادم، لأنه  ليس اليوم المخصص لصفي الدراسي، وأبلغني  أن التعليم أصبح  إلكترونيا وأن أتابع دروسي عبر جهاز النقال أو الكمبيوتر اللوحي. بعد تفشي جائحة كورونا، والبدء بتطبيق حظر التجوال في العراق أصدرت الحكومة وعبر اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية خطة خاصة لوزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي لبدء العام الدراسي (2020 - 2021) بما يضمن صحة وسلامة التلاميذ والملاكات التعليمية وتوفير التعليم المطلوب في مدارس العراق كافة، من خلال اعتماد قرار التعليم المدمج،  ويشمل التعليم الالكتروني عن بُعد عبر المنصات الالكترونية والتعليم المباشر ليوم واحد فقط في الأسبوع.وتتحدث الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية لجامعة كربلاء حوراء رشيد الياسري "أن التعليم الالكتروني هو تعليمي تفاعلي يقدم للطالب باستعمال تكنولوجيات المعلومات والاتصال، ويعتمد على بيئة إلكترونية رقمية متكاملة تعرض المقررات الدراسية كافة عبر الشبكات الإلكترونية، ويوفر سبل التوجيه والإرشاد وتنظيم الاختبارات". وبينت "بعد أن انتشر وباء كورونا في كل دول العالم اتخذت الحكومة المركزية سلسلة من الإجراءات التي من شأنها أن تبعد خطر وباء كورونا عن البلاد، ومن هذه الإجراءات فرض الحظرالصحي والمتمثل بتعطيل دوام طلبة المدارس والجامعات والمعاهد الحكومية والأهلية، في خطوة من أجل منع التجمعات، وعدم اختلاط أي مصاب أو ملامس عن الآخرين غير المصابين، وأطلقت وزارتا التعليم العالي والتربية منصات لإكمال المناهج المقررة وعدم توقف الدراسة من خلال تطبيق النظام التعليمي الجديد والذي اتبعته دول عدة في مدة حظر التجوال للحد من انتشار الوباء والسيطره عليه". وأكدت "أن نجاح هذا النوع من التعليم يحتاج إلى العديد من المعطيات المهمة والبيئة السليمة لتطبيقه ودعم البرامج من مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية". ويشكو سعد فخر الدين 54 عاما وهو أب لبنتين في جامعة الكوفة وبغداد من صعوبة التعليم عن بعد قائلا "إن التعليم الالكتروني في العراق شائك وقد فرضه واقع انتشار الوباء، وقد جاء من أجل استكمال المناهج المدرسية بسبب تقليص الدوام الذي رافقه قصور وتقصير كبيرين سواء من ناحية الأداء الحكومي بعدم توفير الطاقة الكهربائية وضعف الإنترنت وعدم توفره في الكثير من محيط المدن والمناطق الريفية والنائية". ويضيف "كما أن ضعف أداء بعض المعلمين أو تقصيرهم في التواصل مع الطلاب سبب معاناة لهم، ومن مساوئه انتشار ظاهرة الغش بسبب عدم وجود رقابة عليه، وكذلك تقليص المواد المطلوبة التي أدت إلى ضعف المستوى التعليمي". كان أصيل يحمل كتاب المحادثة للغة الانكليزية وهو جالس في باب داره يتحدث عن المدرسة "شعرت بالحزن وأنا أعود إلى بيتنا ولا أعرف كيف أتصرف، أو ماذا أفعل في مثل هذا الظرف الحرج؟ فعائلتي يصعب عليها توفير أبسط مقومات العيش وتوفير الغذاء والملابس لي ولأخوتي السبعة، فكيف أدرس وأنا لا أمتلك ما يساعدني على التعليم الكترونيا في وسط الصحراء المترامية، لا يوجد عندي موبايل أو حاسبة". ويوضح فراس محمد 42 عاما وهو معلم جامعي في إحدى المدارس النائية "هناك مجموعة من الأمور التي نواجها في المناطق النائية والتي تقف حجر عثرة أمام نظام التعليم الإلكتروني ومنها عدم وجود شبكات الانترنت في هذه المناطق كما أن أغلب أولياء الأمور في هذه المناطق لا يمكنهم القراءة والكتابة من أجل متابعة أبنائهم أو المذاكرة لهم، وبالتالي يكون الاعتماد على المعلم من خلال التعليم المباشر، والذي حددته لجنة الصحة العامة بيوم واحد لكل مرحلة مما جعل  المكان بيئة غير ملائمة للتعليم الالكتروني، وله تأثير سلبي على التلاميذ في المستقبل".وكانت وزارة التربية قد أصدرت تعميما عبر موقعها الرسمي بتقسيم الدوام (الأحادي والثنائي والثلاثي) للمراحل الدراسية كافة، من ضمنها المدارس الأهلية إذ حددت الدوام ليوم واحد لكل صف دراسي وبحسب المرحلة الدراسية (ابتدائي أو ثانوي). ويتحدث علي هادي 37 عاما وهو أب لثلاثة طلبة "أعاني أنا والكثير من أقربائي وجيراني من أولياء أمور الطلبة هذه السنة من فرض قرار التعليم الالكتروني الذي أصبح عبئا علينا من الناحيتين المادية والتعليمية مما أثر علی مستوى التعليم لأبنائنا بشكل واضح وبالخصوص في المرحلة الابتدائية، مما أدی إلی العزوف عن المدارس الحكومية والتوجه إلی المدارس الأهلية التي تنتظم بدوام متواصل وتعليم مستمر وحضور دائم، وهذا مما زاد من الأعباء المادية لنا في هذه السنة الدراسية الجديدة". وحول التعليم الالكتروني والتدريس عبر المؤسسات الإعلامية لوزارة التربية يقول مدير عام تربية النجف الدكتور عادل ناجح "إن الوزارة  وجهت مديريات التربية في المحافظات كافة بتشكيل لجان مختصة في كل مديرية تتولى تفعيل استخدام منصة الطالب الالكترونية نيوتن بهدف ضمان استخدام هذه المنصة بشكل مشترك وفعال وضمان إيصال الدروس التعليمية التي يتم اعدادها عبر هذه المنصة إلى الطلبة والتلاميذ". وأضاف "كما تعمل الوزارة على إنتاج وبث الدروس التعليمية التي تقدمها فضائية العراق التربوية لتعويض الطلاب والتلاميذ عن انقطاع الدوام في المدارس بسبب الظروف التي تمر بها البلاد بسبب التظاهرات  وفيروس كورونا". من جانبه اعتبر عبدالأمير جبار 41 عاما  أن تجربة التعليم عن بعد لتلاميذ الأول ابتدائي فاشلة" إن المعاناة كثيرة في هذا العام الدراسي بسبب نواقص الكتب المدرسية وعدم التهيئة للتدريس وصعوبة توفر الانترنت، فالتعليم عن بعد لن يفيد عددا كبيرا من الطلبة الذين يفضلون الاستماع للمدرس أو المعلم بشكل مباشر ومتابعة ما يكتبه على السبورة وطرح السؤال ورد الجواب بالطريقة المعهودة التي نعرفها منذ اليوم الأول لدخول المدرسة حتى تخرجنا، لذا نأمل أن يعيدوا النظر بقراراتهم  ويتخذوا خطوات جديدة لأن هذه التعليم لا يقدم شيئا للطالب خصوصا من هم  في الصف الأول الابتدائي".ففي ظل محاربة كورنا وفرض طرق مختلفة للوقاية، قدم التعليم الالكتروني في العراق سوقا رائجا ومربحا لأصحاب المتاجر المتخصصة بالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية كونها أصبحت الأساس للتعليم خلال عامي 2020 و2021  واستيراد مئات الآلاف من الأجهزة من مختلف المناشىء العالمية. صاحب إحدى المتاجر الالكترونية محمد سرمد يقول "تشهد جميع الأسواق  طلبا متزايدا على أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الذكية بعد أن أصبحت الدراسة في العراق الكترونية مما أدى إلى ارتفاع اسعارها بشكل ملحوظ وبالتالي فإن أصحاب الدخل المحدود لا يمكنهم اقتناء هذه الأجهزة بسبب الظرف المالي والاقتصادي الذي يمر به البلد من انخفاض أسعار النفط وتأخير الرواتب وانهيار الاقتصاد وارتفاع الدولار". وحول الإجراءات التي أعلنتها وزارة التعليم العالي حول الدراسة أكد الوزير نبيل كاظم عبدالصاحب "تم اعتماد نظام التعليم المدمج للعام الدراسي 2020 /2021 للجامعات والكليات الحكومية والأهلية، وذلك باعتماد الدراسة الإلكترونية للدروس النظرية، وتحديد أيام وأوقات في الدروس التطبيقية والعملية في أي جامعة (ذات اختصاص) قرب محل سكناهم جراء الظروف الاستثنائية نتيجة تفشي فيروس كورونا". وبين "أن التعليم المدمج هو مزيج بين التعليم الإلكتروني والتعليم من خلال حضور الطلبة، بحيث يكون التعليم الالكتروني فقط للمواد الدراسية النظرية، أما حضور الطلبة للمواد الدراسية العملية (المختبرية والسريرية) والتطبيقية، فلقد اشترطنا فيه أن يكون الحضور بشكل مجاميع صغيرة متناوبة بما يؤمن الاستفادة من الجانب التطبيقي العلمي والعملي، وكذلك يؤمن سلامة المنتسبين كافة من خلال تطبيق شروط لجنة الصحة والسلامة". اعتاد أصيل في السنوات التي قضاها في المدرسة رغم صعوبة الوصول إليها والآلاف من الأمتار التي يقطعها يوميا، أن تكون لديه محصلة علمية يخرج بها ويفرح في نهاية السنة وهو يحمل شهادته ذات الدرجات العالية، ولكنه متخوف من عامه الدراسي الجاري لأنه يعتمد التعليم الالكتروني الذي سيجعل أحلامه تذهب أدراج الرياح بسبب انعدام الكهرباء والانترنت في منطقتهم النائية كما يقول والد أصيل: "الناس في القرى والأرياف يعانون من انعدام الخدمات وضعف الوضع المالي للأسر التي لا تمتلك هواتف ذكية أو أجهزة كمبيوتر ولا تعرف أيضا كيف تستخدمها مما يجعل التلميذ يعاني من نظام التعليم الإلكتروني".

مشاركة :