حين نذكر المجالات التقنية واستخداماتها وقدرتها على تسهيل مهام وتفاصيل حياتنا وتنظيم وإرشاد سلوكياتنا الاعتيادية، نقول إنها سلاح ذو حدين وغالبا نسهب في الجانب الإيجابي في ابتكاراتها النوعية وإسهاماتها الجوهرية، لدرجة الانبهار بتفوقها في ذلك، وقد نتناسى أو نغفل جوانبها السلبية التي تعد بنفس مستوى أهمية وتأثير إيجابياتها ولربما أكبر، وإحداها على سبيل المثال اختراق الخصوصية ولكن باختيارنا ورغبتنا.ففي مقابل تسهيل أعمالك ومهامك ونشاطاتك، يسهل اختراقك بالشكل الذي لم تتخيل أن يصل إليه الأمر، وقد تظن حين يتم تنبيهك وتوعيتك بالحفاظ على خصوصيتك، بأنك لست مهم لدرجة يتم استهدافك وقد تكون، ولكن تفاصيل أخرى تظن أنها محمية وبعيدة عن أعين المتطفلين، لكنها مهمة بالنسبة لهم، فليس بالضرورة إيذاؤك رغم أنه احتمال وارد ولكن يكفي اطلاعهم على تفاصيل بياناتك وخصوصياتك دون إذن منك أو دراية.بياناتك كمستخدم للتقنية تعد سلعة ثمينة لشركات التقنية، لأنها بشكل أو بآخر تستخدم كأداة تأثير لك أو عليك، كون تفاصيل تنقلاتك واهتماماتك وعلاقاتك وحتى بيانات اتصالك متاحة على العالم الافتراضي، بمجرد إدخالك لها على صفحات المواقع الإلكترونية، فتقوم الشركات ببيع المعلومات الشخصية إلى أشخاص أشبه بسماسرة البيانات، الذين بدورهم يقومون ببيعها على هيئة محرّكات البحث عن الأشخاص، ومن خلال تقديم إعلانات بناء على اهتماماتنا وعمليات البحث التي نقوم بها عن الأماكن أو المنتجات أو حتى توجهاتنا الفكرية والسلوكية.وهذا ما تؤكده تقارير المختصين بالتقنية، التي تؤكد أيضا أن وعي الناس ازداد بشؤون الخصوصية على أجهزتهم وهواتفهم، لكنهم غير مدركين أنّ الشركات تستخدم بياناتهم بطرق مختلفة، غايتها تحقيق أرباح تفوق عدد أضعاف المستخدمين.كما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يسهل من خلالها الاختراق والتعقب، وغيرها من طرق التربح واستغلال استخداماتنا لها من أجل حياة أكثر مرونة، قد لا تلغي دور الإنسان لكنها -بلا شك- تؤثر على سلوكياته وعاداته في معظم الأحوال.ذكر التقني عبدالعزيز الحمادي في لقائه مع عبدالله المديفر في برنامج «في الصورة» أن من يملك البيانات يملك صناعة القرار حتى لو في منطقة ليست منطقته.وهذا يحتمل أمرين: الأول الصواب لو اتخذت البيانات للعمل على تحسين وتطوير الخدمات والمنتجات والاحتياجات، بناء على تطلعات الأفراد، وبدورها الشركات التجارية تبتكر وتصنع ما يلبي ويتوافق مع متطلبات المجتمع في مختلف المجالات، بدءا من إدارة الحكومات لتلك المجتمعات، وانتهاء بإتمام خدمات المواطنين الصحية أو التعليمية أو الترفيهية أو المهنية، ما ينعكس على واقعهم ومستقبلهم، ولكن تحتمل أيضا إساءة الاستخدام كونها متاحة الاستخدام والتبادل لجهات قد تكون معلومة ولجهات أخرى غير معلومة.مع تنامي تطور استخدامات التقنية يبقى السؤال الأهم: متى تصبح مسألة الحفاظ على الخصوصية تنتقل من مرحلة يكون الناس فيها متساهلين إلى مرحلة القلق الجدي منها؟.
مشاركة :