لم تبخل عليه بأي شيء فقد غمرته بحبها وأسعدته بأولادهما وساندته بمالها وشدت من أزره بعلاقاتها الاجتماعية المتعددة، إلا أنه نسي كل ذلك وعندما شعر بعدم الحاجة إليها ظهرت خسته ونذالته وأسرع بالبحث عن بديل لها، تزوج سراً لكنها عرفت بزواجه وفور علمها أشهرت أسلحتها ورفضت أن تكون الزوجة الجريحة التي تستدر عطف من حولها واستجمعت قواها وأقامت دعوى تطلب فيها الطلاق وأخرى تطالب بحقها في ثروته على اعتبار أنه بدأ حياته العملية بشركة لها نصفها بحكم العقد المبرم بينهما. أنكر في البداية زواجه ثم عاد ليعترف بخطئه عارضاً أن يصحح ما حدث بترك الزوجة الجديدة، لكنها أبت أن يتلاعب بها زوجها خاصة عندما شعرت بأن تمسكه بها ليس حباً فيها، لكن خوفاً من حصولها على نصف ثروته كما طالب محاميها. لم يكن شريف بعيداً عن سحر وأسرتها فهو قريب لوالدها، ووالده كان دائم التردد عليهم في المنزل طالبا المساعدة من أبيها للبحث عن عمل له أو طالباً وساطته لابنه شريف في الجامعة، بحكم أنه أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وفي كل مرة لم يخذله بل كان يرحب به ويقدم له كل ما في وسعه ويعتبره شقيقاً وصديقاً بحكم أنهما تربيا سوياً بالقرية ولم يتعامل معه يوما باعتباره أفضل منه أو يتعالى عليه من خلال وضعه الاجتماعي، فهو أستاذ جامعي أما والد شريف فقد كان مجرد موظف بسيط في إحدى المصالح الحكومية ومن خلال هذه العلاقة الحميمة وجد شريف مكانا لنفسه في منزل أسرة سحر وكان جميع أفراد الأسرة يتعاملون معه على أنه واحد منهم، ومن خلال ذلك استطاع أن يغزو قلب وعقل سحر فهو معسول اللسان جذاب في حديثه، كما تمكن من فرض نفسه على هذه الطبقة الراقية واستطاع أن يتلاءم مع أفرادها الممثلين في أسرة سحر ولم يشعر بالغربة وسطهم،خاصة وأنه كان دائماً حسن المظهر ويتعمد أن يشتري ملابسه القليلة من أفخم المحلات التي يبتاعون منها وبذل مجهودا كبيرا لكي يثقف نفسه بنفسه، فهو يتحدث عدة لغات بطلاقة رغم أنه خريج إحدى المدارس الحكومية ولم يكن من أبناء مدارس اللغات وأجاد الكمبيوتر وهو لا يملكه، وربما ذلك هو الذي جرأه ودفعه للتقرب من سحر التي لم تصده وإنما رحبت بتودده، فهي تكن له الإعجاب وكثيراً ما أكدت لأشقائها ووالديها أنه لو أتيحت لشريف فرصة مثلما تتاح لأبناء طبقتها لأصبح ذا شأن عظيم، بعد حصول شريف على بكالوريوس الهندسة بتقدير جيد جداً وحصوله على عمل في إحدى الشركات الاستثمارية. شجعته سحر على التقدم لطلب يدها من والدها ومع أن والدها شعر بالدهشة في البداية من طلبه لم يرفضه فقد كان يتوسم فيه القدرة على النجاح، ومع ذلك تحفظ وطلب عدم الاسراع في الزواج حتى تتحسن أحوال شريف المالية ويكون قادراً على أن يوفر لابنته مستوى معيشة مماثلاً لما تعودت عليه وتعيش فيه ووافق فقط على الخطبة، وأصر على تأجيل الزفاف مدة من الوقت. استمرت الخطبة قرابة العامين نعمت فيهما سحر بأحلى الأوقات مع خطيبها فقد سمعت منه كلاما أجمل من كلام الأشعار، ورغم فقره فقد أغدق عليها بهدايا ثمينة حتى توهمت أنها ملكة جمال الكون مع أنها لا تتمتع إلا بقدر بسيط من الجمال، وعندما تأكد والدها أن ابنته ستكون سعيدة مع شريف قدم لهما شقة فاخرة هدية للزواج وسجلها باسم ابنته . في البداية رفض شريف أن يقيم في شقة مملوكة لزوجته إلا أن والدها عرض عليه أن يؤجرها من ابنته، وبالفعل أبرم عقداً بينهما بذلك وكان شريف ملتزماً وحريصاً كل الحرص على دفع قيمة الإيجار في أول كل شهر، وإن كانت سحر تنفقه بعد ذلك على مستلزمات المنزل، لم يكمل الزوجان عامهما الأول من الزواج حتى رزقهما الله بطفلهما الأول وتلاه ثلاثة أطفال آخرون وبعد سبع سنوات من الزواج أصبح لديهما أربعة أطفال. توفي والد سحر بعد عامين من زواجهما وبالطبع ورثت عنه مبلغاً كبيراً، وفكرت في استثماره فلم تجد خيرا من زوجها فهو يجد ويجتهد ويبتكر بالشركة التي يعمل فيها مقابل راتب لا يتناسب مع مجهوده الكبير وعرضت عليه أن يفتتح شركة صغيرة، لكنه في البداية رفض ثم عاد ليقبل العرض على أن تكون شريكته وبالفعل كتب عقد شراكة بينهما وتم توثيقه بالشهر العقاري، حقق شريف نجاحا فاق ما كان منتظرا منه وأعطى معظم وقته للشركة الجديدة وتعدى رأس مال الشركة الملايين، بينما تفرغت سحر لأسرتها وأولادها واهتمت بتربيتهم وتعليمهم حتى التحقوا بالجامعة، وكانت تطمئن نفسها بأن كل ما يملكه لها ولأولادهما. فجأة أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد فوجئت سحر بأعز صديقة لها تخبرها بأن زوجها شريف قد تزوج في السر من امرأة أخرى، وأنه ظل يطاردها ويساومها ويغريها بثروته حتى وافقت على الزواج منه. أصيبت سحر بالذهول واستنكرت ما تسمعه في البداية واتهمت صديقتها بالغيرة والحقد على نجاح علاقتها بزوجها، وأن زوجها من المستحيل أن يخونها ويخون عشرة السنوات وما فعلته معه، لكنها عادت تفكر بهدوء، فتأكدت من أن تصرفات زوجها تؤكد صحة ما تقوله صديقتها فهو يتصرف بطريقة لا تليق بعمره أو وضعه الاجتماعي، ويرتدي الثياب زاهية الألوان التي لا تناسبه فعادت لتعتذر لصديقتها، وحاولت أن تعرف منها كل التفاصيل، كما بدأت تتحرى بنفسها وتحولت إلى مخبر خاص، وبالفعل تأكدت من أن زوجها قد تزوج منذ حوالي عام، و من أنه يتردد على زوجته الجديدة ويصطحبها معه في كل سفرياته مستغلا ثقتها فيه إلى أقصى درجة. رفضت سحر أن تعاتبه كما رفضت أن ترفع الراية البيضاء وتعترف بالهزيمة، وقررت أن تكون المواجهة والعتاب داخل ساحات القضاء فأقامت دعوى أمام محكمة الأسرة تطالب فيها بالطلاق للضرر الذي وقع عليها من زواج زوجها من دون علمها، مؤكدة أنها لم تهمله ولم تفرط في أي من واجباتها تجاهه، كما أسرعت بإقامة دعوى أخرى تطالب بحقها في الشركة فهي لم تتقاض أي أرباح منذ إنشائها وقدمت للمحكمة المستندات التي تفيد بحجم ثروة زوجها، فوجئ شريف من دون مقدمات باستدعائه للمثول أمام المحكمة.. لم يصدق وحاول إنكار زواجه الثاني لكن شهادة الشهود وكل المستندات الصحيحة التي قدمتها زوجته كانت تؤكد زواجه، فعاد ليعترف أمام سحر وحاول أن يطلب منها الصفح والغفران، مؤكدا أن ما فعله مجرد نزوة لن يعود لمثلها أبدا لكن سحر تفهمت الموقف على حقيقته وأنه لجأ إلى هذه التمثيلية عندما تأكد من أن الدعوى التي أقامتها للمطالبة بحقها في الشركة سوف تكلفه نصف ثروته على الأقل فرفضت الصلح وأصرت على الطلاق. قضت محكمة الاسرة بتطليقها طلقة واحدة بائنة للضرر الواقع عليها مع احتفاظها بجميع حقوقها الشرعية، أما القضية الأخرى فقد طلبت المحكمة بيانا بحجم ثروة الزوج وممتلكاته قبل تأسيس الشركة وبعدها تمهيدا لإصدار الحكم.
مشاركة :