التربية الإعلامية في مواجهة تحديات "التواصل الاجتماعي"

  • 2/1/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يواجه المشهد الإعلامي عربيا وعالميا إشكاليات وتحديات ضخمة يأتي في مقدمتها العالم الافتراضي على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة بما توفره من مواقع التواصل الاجتماعي، وما أتيح للأفراد والمؤسسات والجماعات المختلفة المشاركة في العملية الاتصالية وصناعة المحتوى الإعلامي ونشره وتبادله مع الآخرين، الأمر الذي يطرح أهمية التربية الإعلامية في تعزيز الحريات الأساسية والتعلم مدى الحياة وحرية التعبير في إطار أخلاقيات العمل الإعلامي والمعلوماتي ومحو الأمية الإعلامية والمعلوماتية وكيفية المشاركة الفاعلة عبر وسائل الإعلام الجديدة. وهو الأمر الذي عالجته أستاذ فلسفة السياسة بجامعة حلوان د.سهير عبدالسلام حنفي في كتابها "التربية الإعلامية وتحديات الإعلام الجديد" الصادر عن دار المعرفة الجامعية. استهدفت د.سهير في كتابها التدريب العملي على مهارات تقييم محتوى الرسائل الإعلامية ومضمونها، وأيضا محاولة إنتاجها وإبداعها، كما عالجت أهم التحديات التي تطرحها حروب الجيل الرابع عبر وسائل الإعلام الجديدة، تلك التي قد لا يدركها كثير من المتفاعلين عبر تلك الوسائل، مما قد يؤدي إلى وقوعهم ضحايات للجرائم الإلكترونية أو التورط من دون دراية في نشر معلومات وأخبار قد تضر بالوطن والمواطنين، وهو ما يتطلب نشر الوعي بتلك التحديات ليكون المواطن هو خط الدفاع الأول عن نفسه ووطنه. قسمت د.سهير كتابها إلى خمسة فصول ضمت أربعة عشر مبحثا: الأول التربية الإعلامية المفهوم والأهداف" مفهوم التربية الإعلامية ونشأتها ـ التربية الإعلامية الأهمية والأهداف ـ المناهج المستخدمة في تقييم المحتوى الإعلامي"، والثاني الإعلام التقليدي والإعلام الجديد "الإعلام التقليدي وسائله وآلياته ووظائفه ـ الإعلام الجديد وسائله وخصائصه ووظائفه"، الثالث الإعلام الجديد بين حرية التعبير والمواطنة والمسؤولية الاجتماعية "حرية الرأي والتعبير ومحدداته ـ المسؤولية الاجتماعية للإعلام ـ مواثيق الشرف الإعلامية"، والرابع الجرائم الإلكترونية "أنواع الجرائم الإلكترونية ـ الجرائم الناتجة عن التسويق الإلكتروني وآثارها الاجتماعية والنفسية"، والإعلام الجديد وحروب الجيل الرابع "الحروب النفسية ـ الهوية الثقافية في عالم افتراضي ـ الإرهاب ـ الرصد والتحليل لشبكات التواصل الاجتماعي".أضافت "اكتسبت التربية الإعلامية أهميتها، من التحديات التي فرضتها وسائل الاتصال والإعلام في مراحل تطورها المختلفة، وكلما اتسعت دوائر الاتصال، ازدادت الحاجة للتربية الإعلامية، باعتبارها وسيلة لحفظ حقوق الفرد وحرياته وأمنه وسلامته، ومن ثم المجتمعات والدول، ففي عصر الفضائيات والأقمار الصناعية والقنوات التلفزيونية العابرة للحدود، وانبهار العالم وتخوفه في ذات الوقت من ذلك الفيض الإعلامي عبر تلك القنوات. ورأت أن التربية الإعلامية جاءت لتؤكد تشجيع نمو وسائل إعلام حرة ومستقلة وتعددية، وتزويد الأفراد بالمعارف اللازمة حول وظائف الإعلام في المجتمعات الديمقراطية، والمهارات الأساسية اللازمة لتقييم أداء وسائل الإعلام وما تحتويه من مواد إعلامية وتطبيق المنهج النقدي والتحليلي على ذلك المحتوى، والأدوات اللازمة للتعامل مع وسائل الإعلام لتحقيق حوار الثقافات والفهم المتبادل، والتبادل الثقافي للشعوب.  وازادت أهمية التربية الإعلامية مع انتشار شبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أحدثت ثورة في عالم الاتصالات والمعلومات، وأتاحت للأفراد والمؤسسات والجماعات المختلفة المشاركة في العملية الاتصالية وصناعة المحتوى الإعلامي، ونشره وتبادله مع الآخرين، وهو ما طرح أهمية التربية الإعلامية، في تعزيز الحريات الأساسية والتعلم مدى الحياة، وحرية التعبير في إطار أخلاقيات العمل الإعلامي والمعلوماتي، ومحو الأمية الإعلامية والمعلوماتية، وكيفية المشاركة الفاعلة عبر وسائل الإعالم الجديد، فضلا عن تعلم مهارات المحتوى الإعلامي وإبداعه باستخدام التقنيات الحديثة من صور وفيديوهات ورسوم.. إلخ، وتقييم المحتوى الإعلامي لوسائل الإعلام الجديد التي يتفاعل معها الفرد، ومعرفة مصادرها والأهداف الكامنة خلفها. وكشفت في معالجتها لإشكالية الدعاية السياسية والمغرضة أن الدعاية قد تسعى لإخفاء مصادرها والجهات الكامنة خلفها، وتلجأ إلى المبالغة أو التهوين وفقا لما يحقق أهدافها، كما تلجأ في كثير من الأحيان إلى التضليل والخداع والكذب وتشويه الحقائق، وتحريف المنطق وإخفاء المعلومات. ولا يعني هذا أن كل أنواع الدعاية سلبية ومغرضة، وإنما هناك دعاية إيجابية وهي الدعاية الواضحة المكشوفة والمعلومة المصدر، وتهدف إلى إحداث تأثيرات إيجابية أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي وعبر القنوات الفضائية التي تؤثر في الرأي العام، وتحدث انشقاقا في المجتمع وفتن وأعمال عنف، يلجأ إليها أعداء الوطن وأصحاب الأيديولوجيات المغايرة لما هو سائد في دولة ما، مستهدفة من جماعات سياسية أو دينية منشقة يدعمها ويرعاها أصحاب المصالح من الدول والحكومات، بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة لظهور قادة إعلاميين يتم استخدامهم عبر منابر إعلامية وبرامج تليفزيونية على تلك الوسائل، لعرض حملات من التشكيلات في الأشخاص والمؤسسات السياسية داخل الدول المستهدفة وإثارة الفتن وتوجيه الأفراد نحو سياسات العنف لإسقاط الدولة. ولفتت د.سهير إلى أن المتابع لمواقع التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية، يلاحظ ممارسات بعض الجماعات المتطرفة، لإفساد الحياة السياسية في بلادنا العربية، واستخدامها لبعض الإعلاميين المأجورين لبث القلاقل داخل هذه الدول، ومن أبرز هذه الممارسات التي يلاحظها جميع المتابعين: أولا؛ إدعاء فساد الحكومات، وإبراز إحدى السلبيات والمبالغة في عرضها وتكرارها عبر عدة مواقع، وحجب ممارسات وإجراءات أخرى تثبت نزاهة الحكومة. ثانيا؛ حث الأفراد على التظاهر والاحتجاج على السلطة القائمة لأسباب ملفقة. ثالثا؛ استخدام شعارات وهاشتاجات تمس مشاعر الجماهير واحتياجاتهم ومعاناتهم، للتحريض على أعمال العنف، والحث على الثورات ضد حكومات البلدان المستهدفة. رابعا؛ الإيحاء بأن هناك أخطارا قادمة ستلحق بالمواطنين مثل غلاء أسعار بعض السلع الحيوية، أو انتشار الأوبئة لإهمال الوزارات المعنية، وغيرها من الشائعات المغرضة مما يثير فزع الأفراد وفقدان ثقتهم في الحكومة. خامسا، تشويه سمعة المسؤولين والمبالغة في إظهار أخطائهم مهما كانت صغيرة. سادسا؛ إثارة الشكوك في الإجراءات والقرارات السياسية الحكومية، وإدعاء أن نتائجها ستكون فاشلة. وإدعاء حدوث مظاهرات وأعمال عنف في بعض المناطق على غير الحقيقة.وفيما يتعلق بالشائعات قالت د.سهير إن في وطننا العربي تبث على وسائل التواصل الاجتماعي مئات الشائعات في اليوم الواحد، تطلقها جماعات لها أجندات خاصة مثل جماعة الاخوان المسلمين وغيرها، التي لديها كتائب منظمة لصناعة الشائعات، ومزودة بالخبرات وتتتلقى الدعم المادي من دول ومؤسسات معادية لإثارة الرأي العام ضد مؤسساته السياسية والعسكرية، وتبث حالة من التذمر والإحباط التي قد تدفع لأعمال العنف والتخريب، وتنقل صورة مشوهة للعالم عن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في بلادنا العربية، الأمر الذي يضر بالأمن القومي. وأوضحت أن الشائعات تحدث آثارا إيجابية أو سلبية وفقا لطبيعة الشائعة وموضوعها، وتكون إيجابية حينما تستهدف نشر روح تعاضدية بين الأفراد، تحث على تماسك المجتمع وتعمل على إرضائه، مثل الشائعات التي تبالغ في البطولات العسكرية في الحروب، وحنكة الرموز السياسية والدبلوماسية في المباحثات الدولية، أو السبق العالمي في مجال ما، وتكون سلبية مثل الشائعات التي تؤدي إلى حدوث فتن وأعمال عنف واحتجاج لأسباب مضللة. ورأت د.سهير أن سبل مواجهة الشائعات منها سبل يتبعها الأفراد وأخرى تتبعها الدول، فيما يخص الفرد فعليه التأكد من حقيقة الشائعة أولا؛ بالرجوع إلى مصادر موثوق فيها على شبكة الإنترنت بإدخال كلمات مفتاحية للخبر والحصول على المعلومة من جهات مختلفة، وثانيا؛ قراءة التعليقات التي يكتبها المتفاعلون على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن بعضهم قد يأتي بالبرهان على كذبها، مثل نشر فيديو ينفي الواقعة أو صور، أو يروي وجوده في موقع الحدث وقت حدوثه. ثالثا؛ التأكد من مصداقية المصدر وأهدافه إذا كان معلنا. رابعا؛ عدم إعادة نشر الشائعة المشكوك في صحتها. أما عن وسائل الدولة في مواجهة الشائعات، فحددتها فيما يلي: أولا؛ اتباع الشفافية والصراحة في تناول المعلومات المهمة. ثانيا؛ وجود جهاز إعلامي في كل المؤسسات السياسية المهمة يتابع ما ينشر من شائعات ويرد عليها. ثالثا؛ تناول الإعلام الرسمي للشائعة وتفنيدها. رابعا؛ إدخال مقرر التربية الإعلامية في جميع المؤسسات التعليمية، وعمل دورات تدريبية للعاملين بالدولة عن كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي.  وأشارت د.سهير إلى أن الشخص أو المؤسسة التي تحاك عنها النكات يفقد ثقة الجمهور واحترامهم، فيفقد الشخص هالته الكاريزمية عند الجمهور، حيث يتم التركيز على إيماءاته ولغة جسده وكلماته بشيء من السخرية، مما يجعل تصريحاته مصدر شك وسخرية، ويحدث ارتباط شرطي ما بين الشخص والصورة الساخرة التي رسمت في أذهان الناس عنه، ويترتب على ذلك في النهاية أن تفقد الدولة رموزها المؤثرة في الجماهير، والقدوة التي تقتدي بها الشعوب، والأمر يتعلق بالمؤسسات والمشروعات المهمة في كل المجالات، التي يتم إطلاق النكات الساخرة عليها وعلى مصداقيتها، فتفقد ثقة المجتمع المحلي والإقليمي والعالمي، وتضر بالاقتصاد القومي من دون مبررات واضحة ومن دون التأكد من جديتها ومجمل تاريخ الشخص أو المؤسسة.  

مشاركة :