صندوق النقد يحذر من تداعيات تراجع النمو الصيني

  • 9/4/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن تحذير صندوق النقد الدولي، بأن تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، والهزات المتتالية في بورصة شنغهاي، وعدم اليقين تجاه مستقبل أسواق الأسهم الصينية، تمثل تهديدا لمعدلات النمو الراهنة للاقتصاد العالمي. تحذير جاء متأخرا بعض الشيء، ولربما لا يحمل في طياته جديدا، لأن اقتصاديين دوليين بمن فيهم اقتصاديون ورجال أعمال صينيون، أصدروا تلك التحذيرات منذ اليوم الأول لخفض البنك المركزي الصيني قيمة العملة المحلية. ومع ذلك يظل لحديث صندوق النقد أهمية خاصة وكبرى، ليس فقط لكونه من أهم المؤسسات المالية في العالم، ولكن لأنه كان عراب الصين، وما دفعها دفعا لجعل آليات السوق تحدد قيمة عملتها الوطنية، وما نجم عنه من انخفاض في قيمة اليوان، وفتح الباب على مصراعيه لكل المشكلات اللاحقة التي ضربت الصين ومعها الاقتصاد العالمي. ورغم أزمة 11 آب (أغسطس) الماضي، فقد ظل مختصو صندوق النقد يدافعون عن دعوتهم وضغوطهم على بكين لخفض قيمة عملتها وتحريرها كشرط لاعتبار اليوان عملة دولية. وخلال الأيام الأولى للأزمة صرح كثير من مختصي الصندوق لوسائل الإعلام بأن الأمر هزة عابرة ومؤقتة في الأسواق، وأن الاقتصاد الصيني سيستعيد توازنه سريعا، لكن هذا لم يحدث. وبعد قرابة أسبوعين تقريبا انضم الصندوق ومختصوهه إلى قافلة القلقين من مستقبل الاقتصاد العالمي جراء ما يحدث في الصين. تحذيرات الصندوق كانت موجها لوزراء مالية مجموعة العشرين، وتأتي قبل يوم واحد من اجتماعهم في تركيا، المقرر أن يستمر يومين لمناقشة الوضع الاقتصادي العالمي في ظل الأزمة الصينية. وإذا كان الصندوق يحذر من أن التداعيات الاقتصادية ستشمل الاقتصاد العالمي في مجمله، فإنها -بلا شك- ستكون أكثر خطورة وتأثيرا في اقتصادات دون أخرى. الدكتور والتر تيم الاستشاري السابق في البنك الدولي، ومساعد الرئيس التنفيذي للمجموعة الدولية للاستثمارات، يعتبر أن الدول التي تحتل المواد الخام والسلع الأولية الجزء الأكبر من سلتها التصديرية، وتعتمد على الطلب والأسواق الصينية ستكون الأكثر تضررا، تليها الدول التي تصدر للصين السلع شبه المصنعة مثل كوريا الجنوبية، بينما تقع في أسفل قائمة المتضررين الدول التي تصدر للصين منتجات نهائية مثل ألمانيا التي تصدر السيارات والمعدات الهندسية، إذ يتوقع أن تتعرض لهزة اقتصادية طفيفية، ولكن لن تنعكس الأزمة الصينية على هيكلها الاقتصادي بقوة. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "اضطراب الاقتصاد الصيني أثر بقوة في أسعار النفط والمواد الأولية خاصة النحاس الذي يعد سلعة أساسية في معظم المنتجات الصناعية النهائية، ولذلك نجد أن الأزمة أثرت بشدة في الاقتصاد الروسي الذي يعاني أزمة حادة نتيجة العقوبات الدولية واقتصاد البرازيل وتشيلي وأستراليا". وبما يشبه اليقين يعتقد مختصو صندوق النقد أن الأزمة الصينية ستدفع البنوك المركزية الكبرى في العالم إلى الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة، بعد أن كانت أغلب التوقعات تشير إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيرفع سعر الفائدة أواخر العام الجاري أو أوائل العام المقبل، معطيا إشارة البدء للبنوك المركزية الأخرى، خاصة في الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، برفع أسعار الفائدة المصرفية. إلا أن حث الصندوق الدول المتقدمة بتبني سياسة نقدية أكثر سلاسة في مجال الاقراض، والتركيز على صياغة سياسات مالية "صديقة للنمو"، لا يزال محل دراسة من قبل عديد من البنوك المركزية أبرزها البنك المركزي الأوروبي. فالاتجاه العام في البنك المركزي الأوروبي، يدعو – حتى الآن على الأقل - إلى رفض فكرة توسيع سياسة التيسير الكمي الراهنة، حيث يصب نحو 85 مليار يورو شهريا في المصارف الأوروبية لتسهيل الاقتراض. ومع هذا فان المختصين يتوقعون أن يقوم "المركزي الأوروبي" بتغيير موقفه في نهاية العام الجاري، إذا تفاقمت الأزمة وانعكست بشدة على التجارة الدولية، وأدت إلى تراجع حاد في منطقة اليورو. ولكن لماذا يتخوف المختصون من رفع أسعار الفائدة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن؟ ويقول لـ "الاقتصادية"، سيمون ريدلي المحلل المالي في بنك "إتش إس بي سي"، "إن رفع الاحتياطي الأمريكي لأسعار الفائدة سيرفع من قيمة الدولار، ومن ثم سيزيد التكلفة في الاقتصادات الناشئة، سواء من حيث زيادة أعباء الديون، أو زيادة تكلفة الإنتاج، وهذا سيعمق الأزمة الاقتصادية العالمية، وسيضعف قدرة تلك البلدان على الاستيراد من الخارج، أو الاقتراض من المؤسسات الدولية". ويتوقع صندوق النقد أن ينمو الاقتصاد العالمي هذا العام بنحو 3.3 في المائة أي أقل من معدل العام الماضي البالغ 3.3 في المائة، وأن يتحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، والمقدر أن ينمو اقتصادها العام الجاري بنحو 2.5 في المائة مقابل 2.4 في المائة العام الماضي، وأن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بنحو ضعف معدل نموه العام الماضي ليصل إلى 1.5 في المائة مقابل 0.8 في المائة عام 2014. وحول أهمية معدلات النمو تلك وقدرتها على إخراج الاقتصاد الدولي من أزمته، تقول لـ "الاقتصادية"، الدكتورة روازميري إدوارد أستاذة التجارة الدولية في جامعة كامبريدج، "إن معدل النمو الصيني سينخفض من 7.4 في المائة العام الماضي إلى 6.8 في المائة العام الجاري، ورغم النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، فإنه لن يكون بمقدورهما جذب الاقتصاد العالمي للأمام، والحصيلة الإجمالية هي تراجع التجارة الدولية والنمو الاقتصادي". ومع هذا فإن أغلب التوقعات الراهنة تشير إلى أن دخول الصين في نفق الكساد الاقتصادي، لن يدفعها الى تغيير التدابير التي اتخذتها للتحرير النسبي لتحديد قيمة العملة الوطنية. ومن الواضح حاليا أن السلطات السياسية اتخذت قرارا لا رجعة فيه بشأن اليوان، مهما كانت الخسارة الاقتصادية التي تتعرض لها، وقناعتها أن المصلحة الاقتصادية طويلة الأمد تتطلب عدم تراجع بكين عن قرار تحرير العملة الصينية، وإن كانت له انعكاسات سلبية على النمو، لأن المقابل سيكون الاعتراف باليوان من قبل صندوق النقد عملة دولية على قدم المساواة مع الدولار واليورو والاسترليني والين، وهذا سيكون له تأثيرات جذرية في هيكل النظام التجاري والمالي العالمي، تفوق خسائر الكساد الاقتصادي الذي تعانيه الصين، وإن امتد إلى بضع سنين.

مشاركة :