فاطمة بنت الشيخ إبراهيم السيد البلتاجي الشهيرة بأم كلثوم، والذي يحل اليوم ذكرى رحيلها الـ46، وُلدت فاطمة عام 1898 في محافظة الدقهلية في دلتا النيل في مصر، صوتها المميز جعلها تؤدي في المناسبات المحلية والأعياد الدينية لكن في ملابس صبي وليس فتاة. انتقلت إلى القاهرة عام 1923 لتبدأ مسيرتها المهنية وتتعرف على الملحنين زكريا أحمد ومحمد القصبجي والشاعر أحمد رامي الذي كتب عددًا كبيرًا من أغانيها.إضافتها للتخت الشرقي معها في حفلاتها شكل نقطة تحول في حياتها المهنية وزاد نجوميتها، إضافة للأفلام التي شاركت بها وأهمها “سلامة” و”فاطمة”، كانت سفيرة لبلادها والعرب حيث نظمت جولات عربية قدمت فيه الحفلات التي كان ريعها يعود للخزانة المصرية وتسليح الجيش. تُوفيت أم كلثوم في الثالث من فبراير عام 1975 نتيجة فشل في القلب وحضر جنازتها ما يزيد على أربعة ملايين مشيِّع.المرحلة المحورية في مسيرة أم كلثوم المهنية جاءت عام 1926، حين وقعت عقدًا مع شركة تسجيلات لأقراص الغرامافون تضمن راتبًا سنويًا لها بالإضافة إلى نسبة على كل قرص يتم بيعه. بعد أن وصلت للأمان الاقتصادي بهذا العقد بدأت تظهر بشكل أكبر كمؤدية محترفة وبملابس عصرية في وقتها من خلال فساتين طويلة، وفي نفس الفترة تعرفت على الشاعر أحمد رامي الذي كتب لها 137 أغنية وعلى الملحن محمد القصبجي.على الصعيد الموسيقي، ثمة حدثان هامان حدثا في نفس العام دفعا أم كلثوم إلى النجومية، الأول أنها اتخذت قرارًا بألا ترافقها عائلتها مرة أخرى أثناء أدائها الغنائي وأن يتم تعويضهم ب تخت شرقي (فرقة مؤلفة من مجموعة من الموسيقيين والآلات المختلفة) وشكَّلت أم كلثوم هذا التخت من أمهر موسيقيي عصرها، وهو ما نقلها من مغنية شعبية إلى مطربة محترفة مع موسيقى عصرية ومتطورة، الحدث الثاني الهام هو تغييرها لنمط أغانيها من الأغاني التقليدية والدينية إلى الأغاني المعتمدة على أشعار وألحان حديثة وتنافس أهم الشعراء والملحنين في ذلك العصر على إعطائها أعمالهم الفنية.بحلول عام 1930 أصبحت السينما حديث الشارع المصري وقد حاولت أم كلثوم ترك بصمتها هناك، فأنتجت ومثَّلت في عدد من الأفلام التي حملت طابعًا رومانسيًا قريبًا لأغانيها ومن هذه الأفلام: "وداد"، و"نشيد الأمل" و"دنانير"، ورغم عدم خبرتها التمثيلية فقد أعطيت الصلاحية في القرارات المهمة في الأفلام التي غالبًا ما احتوت فقرات غنائية لكنها كانت قصيرة وبعيدة عن طابع أمسياتها الطويل.كانت أربعينيات القرن الماضي الفترة الذهبية لأم كلثوم حيث أطلقت فلميها الأشهر "سلامة" و"فاطمة"، الفيلمان اللذان تحدثا عن القيم والأخلاق في المجتمع المصري والتي تنتصر على انعدام الضمير والثروة.كما حققت نجاحًا باهرًا من خلال تقديمها للشعر العربي في حفلاتها بأداء غنائي جميل ولحن أصيل جعل الكثير من الجماهير حتى الأمية منها تحفظ هذا الشعر الصعب عن ظهر قلب. حفلاتها الموسيقية كل خميس والتي كانت تُبث إذاعيًا إلى كل أنحاء الشرق الأوسط كانت محط اهتمام الجماهير التي كانت تنصت بانتباه لكل كلمة وتموج في هذا الصوت الجميل، وتحليلات أدائها كانت تحتل مساحة واسعة في نقاشاتهم، مما أكسبها لقب "صوت مصر".في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بدأت صحتها بالتراجع وشُخص لها التهاب الكلية لكنها لم تتوقف عن تقديم حفلاتها، وتزوجت عام 1954 من طبيبها وأحد مستمعيها ومعجبيها الكبار، وفي عام 1967 قدمت للمرة الأولى حفلة خارج العالم العربي في باريس. وفي تلك السنة قامت بجولة عربية شملت مدنًا مثل بغداد، دمشق، بيروت وطرابلس لدعم صورة مصر بعد نكسة حزيران حيث حملت جواز سفر دبلوماسيًا وكانت تقدم الحفلات وترسل ريعها إلى الخزانة المصرية، كانت بمثابة سفيرة لمصر والعرب.في عام 1975 استمرت صحتها بالتدهور، وكانت الصحف تتحدث يوميًا عن حالتها الصحية. في الثالث من شباط عام 1975 تُوفيت أم كلثوم نتيجة فشل قلبي، حدثٌ هز مصر والعالم العربي لدرجة أن الحشود في جنازتها فاقت جنازة جمال عبد الناصر، أكثر من أربعة ملايين إنسان احتشدوا متناقلين نعشها ليعبر المدينة ويرقد في الأرض التي أعطتها صوتها.
مشاركة :