ارتفعت أسعار النفط الخام أمس، بفعل بيانات عن انخفاض غير متوقع في المخزونات النفطية الأمريكية، ما قلل المخاوف من الإغلاق الاقتصادي ومن الإصابات المرتفعة بسلالات فيروس كورونا، وجدد الآمال في تعافي الطلب العالمي على النفط الخام خلال العام الجاري. كما تلقت الأسعار دعما من اجتماع "أوبك+" الذي انطلق أمس، ويضاف إلى ذلك قطع الادارة الأمريكية خطوات جيدة نحو إقرار خطة التحفيز المالي الجديدة التي تصل إلى 1.9 تريليون دولار للتغلب على تداعيات أزمة الجائحة. ويقول لـ"الاقتصادية" مختصون ومحللون نفطيون "إن أسعار العقود الآجلة للنفط الخام تلقت أيضا دعما جيدا بعد أن أعلن معهد البترول الأمريكي سحبا كبيرا في مخزونات النفط الخام الأمريكية، ما يؤكد الاتجاه الصعودي الذي عززه تحسن أساسيات العرض والطلب في سوق النفط"، مشيرين إلى أن تأثير القرار السعودي الطوعي بخفض مليون برميل يوميا من المعروض العالمي يدعم الأسعار أيضا على نحو جيد وممتد. وأوضح المختصون أن خفض الإنتاج من قبل مجموعة "أوبك+" يسرع في وتيرة استعادة التوازن في السوق خاصة أنه يسير بالتوازي مع بيانات تؤكد حدوث تعاف تدريجي في مستويات الطلب على النفط الخام والوقود، وهو ما دفع أسعار خام برنت إلى تجاوز مستوى 58 دولارا للبرميل. وفي هذا الاطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد إيه إف" في كرواتيا "إن انتشار اللقاحات يدعم المعنويات الإيجابية في الأسواق، وأدى بالفعل إلى تحسن ولو بطيء في جهود السيطرة على الجائحة وبث مزيدا من حالة الثقة بتوقعات الطلب على النفط، خاصة مع صدور بيانات تؤكد أن كلا من العدوى وأرقام الاستشفاء في الولايات المتحدة آخذة في التحسن، وأن هناك ثقة متنامية بإدارة الرئيس جو بايدن في أنها تسير على الطريق الصحيح لنشر اللقاحات على نطاق واسع خلال المائة يوم الأولى من توليه المسؤولية". وأشار إلى أن التوقعات الإيجابية للطلب تجددت مرة أخرى مع عودة الانخفاض في الإصابات الجديدة في ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم وهو الصين، ومع تعهد الشركات المنتجة للقاحات بضخ جرعات أكبر لتلبية الطلب، إضافة إلى ارتفاع نسبة موثوقية اللقاح الروسي "سبوتنيك" إلى 91 في المائة وقرب اعتماده في الاتحاد الاوروبي وعديد من دول العالم. وترى، الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة أن السوق تتابع بدقة الاجتماعات الدورية للمنتجين في "أوبك+" لمراقبة خفض الإنتاج بقيادة السعودية وروسيا، التي دائما ما تقدم تطمينات جيدة لمسار تعاون المنتجين وتضيف إلى جهود تحفيز استعادة التوازن في السوق. ولفتت إلى أن الاجتماع يعطي بيانات للسوق عن حجم المطابقة وخطط التعويضات المستمرة مع إعطاء ملامح عن خطة التحالف الإنتاجية في المستقبل، مشيرة إلى أن تعافي الأسعار يغري بعض المنتجين بضخ مزيد من النفط ومنهم منتجو النفط الصخري الأمريكي، ما يفرض مزيدا من الأعباء على "أوبك+" للحفاظ على الالتزام بخطتها في ضبط المعروض. من ناحيته، أشار أندرو موريس مدير شركة بويري الدولية للاستشارات إلى أن الآمال في تعاف قريب للطلب تنامت على نحو واسع أخيرا، خاصة مع تراجع مخزونات النفط الخام في الصين إلى أدنى مستوى لها في عام تقريبا وسط تراجع عالمي في المخزونات مدفوعة بتوازن العرض والطلب وارتفاع تكاليف تخزين النفط، حيث سجلت المخزونات انخفاضا أسبوعيا سابعا في الأسبوع الماضي لكن لا تزال المخزونات أعلى بنسبة 16 في المائة، عن الفترة نفسها من العام الماضي. ولفت إلى أن تسجيل حالة من التحسن العام في حركة السفر المحلي يسهم في دعم تعافي الطلب الذي تأثر على نطاق واسع في الفترة الماضية جراء الانتشار السريع للسلالات الجديدة من الوباء، وهو ما أدى بدوره إلى توسيع نطاق الإغلاق الاقتصادي العام. وأشار إلى أن ما يدعم الأجواء الإيجابية في السوق توقعات صادرة عن "أوبك+" ترجح احتمالية استنزاف فائض النفط بحلول منتصف العام، كما أفرطت في التفاؤل مجموعة جولدمان ساكس التي تتوقع أن الطلب العالمي سيصل إلى مستويات ما قبل الفيروس عند مائة مليون برميل يوميا بحلول أغسطس المقبل. بدوره، يقول أندرييه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة "إن أسعار النفط الخام حققت مكاسب منذ بداية 2021 خاصة بعد الخفض السعودي الطوعي والمفاجئ الذي عدته روسيا هدية العام الجديد"، مرجحا أن تحصد الأسعار مكاسب سعرية أوسع في المستقبل خاصة في ضوء الخطوات المتسارعة للإدارة الأمريكية الجديدة نحو إقرار خطة التحفيز المالي الضخمة لتجاوز أزمة كورونا. وأضاف أنه "دون شك إن ارتفاع الأسعار في مصلحة المنتجين كافة، خاصة داخل مجموعة "أوبك+" التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على أسعار النفط والصادرات"، مشيرا إلى أن روسيا وهي ثالث أكبر منتج للنفط الخام في العالم استفادت أيضا من ارتفاع أسعار النفط كما منحها التحالف الموافقة على إجراء زيادات إنتاجية محدودة خلال شهري فبراير ومارس لتصل إلى مستوى 9.24 مليون برميل يوميا. من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، زادت أسعار النفط بعد أن بلغت أعلى مستوياتها في نحو عام في الجلسة السابقة، مدعومة بانخفاض غير متوقع في مخزونات الخام والبنزين في الولايات المتحدة، ما غذى الآمال بتعافي الطلب في الوقت الذي تتوقع فيه "أوبك+" أن تسجل السوق عجزا في 2021. كما تلقت المعنويات في السوق الدعم من أنباء بأن الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي اتخذوا الخطوات الأولى صوب تقديم خطة مساعدات بقيمة 1.9 تريليون دولار للتخفيف من تداعيات كورونا، يقترحها الرئيس جو بايدن بدون دعم من الجمهوريين. وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 39 سنتا أو ما يعادل 0.71 في المائة إلى 55.15 دولار للبرميل، محققة مكاسب للجلسة الثالثة على التوالي، وبلغ الخام القياسي أعلى مستوى في عام واحد عند 55.26 دولار أمس الأول. وزادت العقود الآجلة لخام برنت إلى أعلى مستوى في 11 شهرا عند 58.10 دولار للبرميل، لتحقق مكاسب لليوم الرابع بعد أن بلغت 58.05 يوم الثلاثاء وهو أعلى مستوياتها منذ كانون الثاني (يناير) من العام الماضي. وأعلن معهد البترول الأمريكي أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت 4.3 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 29 كانون الثاني (يناير) مقارنة بتوقعات المحللين في استطلاع أجرته "رويترز" لزيادة 446 ألف برميل. وتراجعت مخزونات البنزين 240 ألف برميل، لتتحدى توقعات المحللين بالارتفاع 1.1 مليون برميل بينما هبطت مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل زيت التدفئة ووقود الطائرات 1.6 مليون برميل وهو انخفاض يفوق التوقعات. وتلقت السوق أيضا الدعم من أحدث تقدير لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" وحلفائها، المجموعة المعروفة باسم "أوبك+"، بأن مخزونات الخام ستهبط إلى أقل من متوسط خمسة أعوام بحلول حزيران (يونيو)، ويشير ذلك إلى أن تخفيضات الإنتاج التي ينفذها المنتجون نجحت في إعادة التوازن مجددا إلى السوق. وتتوقع "أوبك+" أن تُبقي تخفيضات الإنتاج السوق في حالة عجز على مدار العام الجاري، وأن يرتفع العجز إلى ذروة عند مليوني برميل يوميا في أيار (مايو)، حتى على الرغم من أن المجموعة عدلت بالخفض توقعاتها لنمو الطلب بحسب ما كشفته وثيقة اطلعت عليها "رويترز" الثلاثاء. من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 56.80 دولار للبرميل يوم الثلاثاء مقابل 13ر55 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث ارتفاع له على التوالي، وإن السلة كسبت نحو دولارين مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 54.87 دولار للبرميل".
مشاركة :