بكين 3 فبراير 2021 (شينخوا) تحل هذا العام الذكرى الـ50 لزيارة كسر الجليد السرية التي قام بها هنري كيسنجر إلى بكين. وبعد نصف قرن من تطويرها، تقف العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الآن عند مفترق طرق جديد وحاسم. في السنوات الأربع الماضية، شنت الإدارة الأمريكية السابقة حربا تجارية ضد الصين، وتعمدت التنمر على الشركات الصينية، وأثارت مواجهة أيديولوجية مع بكين. ونتيجة لذلك، تدهورت هذه العلاقات التي تعد أحد أهم العلاقات الثنائية في العالم إلى أدنى مستوى لها منذ آخر تطبيع لها. ومع تنصيب إدارة أمريكية جديدة الشهر الماضي، يتعين على صانعي السياسة في واشنطن الانضمام إلى نظرائهم في بكين لإعادة العلاقات إلى المسار الصحيح وتحكيم العقل في تطويرها المستقبلي. ولكي يتحقق ذلك، فإن بكين مستعدة للعمل مع واشنطن لدفع العلاقات إلى الأمام على مسار عدم الصراع، وعدم المواجهة، والاحترام المتبادل، والتعاون القائم على الفوز المشترك. لقد أثبت التاريخ والواقع بشكل لا لبس فيه أن الصين والولايات المتحدة ستكسبان من التعاون وتخسران من المواجهة. ففي العقود الأخيرة، قام البلدان بإنشاء شراكة تجارية قوية تقوم على المنافع المتبادلة وتسهيل إجراء تبادلات شعبية نشطة. وعلى الصعيد العالمي، تعاونا في مكافحة الإرهاب، وساعدا العالم على تخطي الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وكافحا وباء الإيبولا، وتعاونا في اتفاق باريس للمناخ. والأمر المحزن هو أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تفعل شيئا بناء تقريبا سوى التراجع للخلف. وقد قال الدبلوماسي الصيني البارز يانغ جيه تشي يوم الثلاثاء خلال محادثة عبر الإنترنت مع أعضاء مجلس إدارة اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية-الصينية إن "هناك مهمة لكل من الصين والولايات المتحدة تتمثل في إعادة العلاقات إلى مسار تنموي قابل للتنبؤ وبناء، وإقامة نموذج للتفاعل بين الدولتين الكبيرتين يركز على التعايش السلمي والتعاون القائم على الفوز المشترك". واليوم، بدءا من وقف انتشار مرض فيروس كورونا الجديد وصولا إلى إنعاش الاقتصاد العالمي، ومن معالجة تغير المناخ وصولا إلى الحفاظ على الأمن الرقمي، يتعين على الجانبين بل ويمكنهما، كما اقترح يانغ، التكاتف مجددا، والعمل مع بقية العالم. ولتوجيه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة نحو العودة إلى المسار الصحيح، أولا وقبل كل شيء، تحتاج واشنطن إلى رؤية الصين كما هي، والتخلي عن العقلية التي عفا عليها الزمن والمتمثلة في المعادلة الصِفرية والتنافس بين القوى الكبرى. لقد نظر منتقدو الصين في الإدارة الأمريكية السابقة للصين كمنافس إستراتيجي رئيسي، بل وحتى كخصم. وأدى مثل هذا الحكم الخاطئ تاريخيا وأساسيا وإستراتيجيا إلى سياسة تنطوي بشكل متزايد على المواجهة تجاه الصين، وهو نهج علقت عليه صحيفة ((واشنطن بوست)) بأنه "فشل ذريع - وليس انتصارا". إن هدف الصين من تطوير نفسها هو تحسين حياة شعبها. وهذا هدف مشروع ومعقول شأنه شأن هدف أولئك الذين يريدون نفس الشيء لشعوبهم. ثانيا، يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة إزالة العوائق أمام التبادلات الشعبية، واستعادة التفاعلات الطبيعية بين الجانبين. وعلى الرغم من العقبات التي أوجدتها القوى الناقدة للصين في واشنطن، سجلت التبادلات والتعاون بين البلدين تقدما جديدا في شتى المجالات لأن هذه الروابط تلبي مصالح شعبي البلدين. فالصين والولايات المتحدة لديهما الآن 50 زوجا من المقاطعات والولايات التي تربط بينها علاقة توأمة و231 زوجا من المدن التي تربط بينها علاقة توأمة. وفي عام 2020، نما حجم التبادل التجاري في السلع بواقع بأكثر من 8 في المائة ليصل إلى أكثر من 580 مليار دولار أمريكي. علاوة على ذلك، يتعين على الجانبين إدارة خلافاتهما بشكل صحيح. وأهم جانب في هذا الصدد يتمثل في احترام المصالح الجوهرية والشواغل الرئيسية للآخر، بالإضافة إلى اختيارات الآخر للنظام السياسي ومسار التنمية. وكما ذكرت بكين في مناسبات مختلفة، فإن الصين لا تتدخل أبدا في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة؛ ولا تُصَدِّر أبدا نموذجها التنموي ولا تسعى إلى مواجهة أيديولوجية؛ وليس لديها نية لتحدي مكانة الولايات المتحدة في العالم أو لأن تحل محلها. وبالمثل، يتعين على الجانب الأمريكي تجنب تجاوز الخطوط الحمراء للصين بشأن مسائل تايوان وهونغ كونغ والتبت وشينجيانغ، والتي تتعلق بالمصالح الجوهرية للصين، والكرامة الوطنية، فضلا عن مشاعر 1.4 مليار شخص. أخيرا وليس آخرا، يحتاج الجانبان إلى توسيع التعاون متبادل المنفعة نظرا لوجود مجالات أكثر وأوسع يمكنهما ويتعين عليهما التعاون فيها، وهي مكافحة الجائحة، والتعافي الاقتصادي العالمي، وتغير المناخ، والأمن الرقمي، وذلك من بين أمور أخرى. وكما علق كيسنجر، أحد أهم كاسري الجليد في العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة، في كتابه "حول الصين"، عندما استعاد الجانبان العلاقات قبل عقود، فإن الإسهام الأكثر أهمية الذي قدمه القادة في ذلك الوقت هو "رغبتهم في رفع تطلعاتهم لتتجاوز المسائل الراهنة". وبالنسبة للإدارة الأمريكية الجديدة، فإن تبني مثل هذه الرؤية وتوجيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين نحو العودة إلى المسار الصحيح للتطور المستقر والصحي لا يصب في صالح الجانبين فحسب، وإنما أيضا في صالح العالم الأوسع. وعلى واشنطن التحلي بالشجاعة والحكمة لاتخاذ القرار الصحيح.
مشاركة :