1332-1407هـ / 1913-1987م ولد الشاعر طاهر عبدالرحمن الزمخشري بمكة المكرمة، وتلقى علومه بمدرسة الفلاح بمكة. وفي الحقيقة أنني لم أنوِ الكتابة عنه ضمن زاوية (أعلام في الظل) لكثرة ما كتب عنه، ولكني عثرت مؤخراً – أو على الأصح بعث لي الكاتب الرياضي فهد الدوس عن طريق ابني يعرب – موضوعاً شيقاً للكاتب محمد توفيق بِلَّو – سبطه – (من إبنته سميرة بنت طاهر زمخشري) نشرته (قبلة الدنيا الإلكترونية) بتاريخ 29/11/2020م بعنوان: (قصة مجلة الروضة التي أدخلت مؤسسها مستشفى المجانين) وذكر معلومات جديدة عليّ لم أجدها في كل ما قرأته عنه، قال بابا طاهر إنه ومجموعة من المشغولين بالفكر والأدب والصحافة يحضرون مجلس الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف آنذاك – الملك فيما بعد – «... وكان مشغولاً بفكرة تأسيس جامعة الرياض ويناقش معهم أهمية أن تبدأ الجامعة بكليتي الطب، والتربية والآداب.. فقلت لسموه: خلينا نعتني بالأطفال أول علشان نوصل للجامعة، فالاهتمام بالطفل قبل كل شيء، وأنا كنت وقتها مشغولاً ببرنامج الأطفال وكل شؤون الطفل لأنه يعطي الإنسان قدرة على أن يعيش في فكرة النجاح الذي يقابله.. على أساس إني نجحت في تقديم برنامج الأطفال في الإذاعة، فنجاحي في برنامج الأطفال في الإذاعة أعطاني تفكيراً في العمل في كل ما يتعلق بشؤون الطفل.. فاختصرت كلامي وقلت له: نسوي مجلة للأطفال، قال ياالله نفذ وحنا وراك، قلت له تأكد طال عمرك أنه ما في إمكانيات والمسألة تحتاج إلى رسامين ومطابع وكذا وكذا، فقال لي ابدأ وكن عملياً تجد الإمكانيات معك..». يقول إنه ذهب إلى صاحب المطابع الشهير بجدة محمد حسين أصفهاني فتحمس معه فبدأنا، وجاب مكنة (أفست) فكلفت مطبعة الأصفهاني كثيراً جداً.. وجاب المسكين مهندساً، وجاب طبيعاً مخصوص للأفست.. بعد حصوله على الترخيص الرسمي، وأسس مقراً للمجلة بمكة، واستقطب من مصر محررين وفنيين ورسامين لرسم قصص وأغلفة المجلة برواتب سخية.. وأقام حفل افتتاح كبير بفندق البحر الأحمر على شرف الأمير – وزير المعارف – الذي كان منشغلاً بتأسيس الجامعة، وعقب انتهاء الحفل داعبه سموه قائلاً: « أنت سويت الروضة وأنا أسوي الكلية «. وصدرت المجلة في عددها الأول يوم الخميس 14 ربيع الأول 1379هـ الموافق 17 سبتمبر 1959م من 16 صفحة بغلاف أمامي ملون عليه رسومات جذابة للأطفال يحمل شعار (الله معنا) وكتب عليه (مجلة الطفل العربي السعودي).. بيعت في الأسواق بقيمة نصف ريال واشتراك سنوي 25 ريال. وقال: «.. لقد كانت المجلة نموذجاً أدبياً وإعلامياً للطفل في مرحلة مبكرة للحركة الأدبية والثقافية في بلادنا..». وشارك في الكتابة بها: إبراهيم علاف، وأحمد السباعي، وحامد مطاوع، وحياة عبدالحميد عنبر، وصالح جلال، وعباس غزاوي، وعبدالغني قستي، وعزيز ضياء، ومحمد عمر توفيق، وغيرهم. ولأسباب صحية أبعدته عن المجلة والكتابة من العدد الخامس، فتوقفت بعد العدد الثاني عشر مدة شهر، لتستأنف الصدور بعد أن تولى تحريرها عبدالغني قستي، فتوقفت مرة أخرى بعد العدد الرابع والعشرين فتولى تحريرها محمد زكي عوض، ولكنها مع العدد 27 الصادر في 17/11/1379هـ الموافق 12/5/1960م توقفت وتم إغلاقها نهائياً، رغم محاولة أصدقاء ومحبي الزمخشري انتشالها وإنقاذها دون جدوى. واستطرد الكاتب محمد توفيق بلو مقاله: «بابا طاهر من الروضة إلى مستشفى المجانين، بعد أن أنفق نحو 250 ألف ريال، ولم يحقق إيرادات مالية كافية لتغطية مصروفاتها وما أنفقه عليها، فتكبد خسائر كبيرة وأصبح مداناً بمبالغ كبيرة فأصيب الأديب بالإحباط الشديد وانهارت أعصابه فنقل إلى مستشفى شهار بالطائف للأمراض العقلية على اعتقاد أنه أصيب بالجنون. وقال إن الذين يعالجونه بالمستشفى خلطوا بين الجنون والانهيار العصبي، وأنه أصيب بأنيميا بسبب الجهد المضني والعنيف وانهارت أعصابه وتداخلت عليه الأشياء فاتهم بالجنون. وقال: «.. ومن المواقف المؤسفة أن الأمر اختلط على الطبيب الذي كان يعالجني فعندما عدت إلى صحتي وذهبت إليه لأخبره إنني بخير وأصبحت طبيعياً، طالعني الدكتور وقال: كلهم يرددون نفس العبارة وأعادني إلى العنبر مرة أخرى..». ولكن بعض أصدقائه وذكر منهم طارق عبدالحكيم قد أخرجوه أو على الأصح هربوه خارج المستشفى. وقال بلو: «.. وعندما علم الملك سعود - رحمه الله – بمرضه أمر بنقله للعلاج في مصر فنقل وأدخل مستشفى الصحة النفسية بحلوان بالقاهرة حيث تلقى فيها العلاج وأقام فيها فترة من الوقت إلى أن تماثل للشفاء وخرج بروح ومعنوية عالية مستأنفاً مرحلة جديدة من حياته. وقال طاهر: «.. والله اجتمعت حولي الأسباب فتعبت من أجلها لكن نجحت صارت نكته بالنسبة لي عندما انهارت أعصابي ودوني المستشفى، وبأقرأ خبر في جريدة الأهرام قالوا وقفت مجلة السندباد ابتداء من الأسبوع القادم لأسباب مالية، فقلت إذا كانت السندباد وقفت بعد 17 سنة لأسباب مالية وعندهم كل الإمكانيات، فأنا بطبيعة الحال لازم أتجنن يصير عليّ حاجة أكثر من الجنان. فالسنة اللي صدرت فيها مجلة الروضة وقفت السندباد...». «.. وهكذا أسدل الستار على تجربة أول مجلة سعودية للأطفال (الروضة) مع مؤسسها الأديب طاهر زمخشري بعد سبعة أشهر من صدورها..». وقد قال د. الرشيد – في ترجمته بقاموس الأدب والأدباء - أنها استمرت نحو أربع سنوات، وهذا غير صحيح. وقد وجدت العدد الوحيد (12) الصادر يوم الجمعة 4/6/1379هـ بمكتبة الملك فهد الوطنية، وقد كتب افتتاحيتها عبدالغني قستي، والمقال المهم بها هو مقال محمد عمر توفيق [وزير المواصلات فيما بعد] بعنوان: (يا أصدقائي الصغار) يحكي لهم شقاوتهم مع مدرسيهم في عصر الكتاتيب، وفي الصفحة الثانية نجد عزيز ضياء يكتب قصة (مغامرة سامي ورجاء). وفي الصفحة الرابعة نجد صورة بابا طاهر وقد كتب فوقها (بابا طاهر.. في القاهرة) بعد أن تلقت المجلة «... عدداً كبيراً من رسائل الأطفال يستفسرون فيها عن بابا طاهر.. كيف حاله.. وأين هو الآن..؟..». وقد طمأنهم بسفره للقاهرة وأنه لن يتأخر، سيعود بمجرد أن ينتهي من فترة النقاهة التي اقترحها عليه أصدقاؤه الكبار والصغار.. وهذا يؤكد ولو بالتلميح إلى مرضه النفسي المشار إليه. عدت إلى (الاثنينية) وهي سلسلة كتب ترصد فعاليات ما يجري من تكريم للرواد في أثنينية عبدالمقصود خوجة بجدة، فوجدت في الجزء الأول ومع بدايات التكريم وجدته يحتفي بالشاعر طاهر زمخشري في 25/3/1403هـ، وقد تضمن الحديث عنه (لمحات من حياة المحتفى به): أنه تلقى علومه بمدرسة الفلاح وبدأ حياته العملية كاتباً بإحصاء النفوس، ثم انتقل للعمل بمطبعة الحكومة بمكة، ثم ارتحل إلى المدينة المنورة ليعيش بجوار أمه فعمل مدرساً بمدرسة دار الأيتام هناك، عاد لمكة ولعمله السابق في المطبعة ثم عمل بأمانة العاصمة بمكة، وببلدية الرياض، وديوان الجمارك، والإذاعة. أصدر مجلة الروضة لكنها تعثرت بسبب بعض المعوقات المالية، وعمل بالصحافة، وكتب القصة، أصدر ما ينوف على عشرين ديواناً من الشعر الأصيل الملتزم بأوزان الخليل بمجموعتين (المجموعة الخضراء) و(مجموعة النيل). حاز على وسامين من الجمهورية التونسية، ونال جائزة الدولة التقديرية في الأدب بالمملكة. قدم للحفل الدكتور عبدالله مناع أعقبه الأستاذ عبدالمقصود الذي قدم المحتفى به مبتدأً حديثه بقوله: « لم أُعد كلاماً لهذه المناسبة ولا أُحب التقعر في القول والتنطع في الكلام، ولكنني إنسان بسيط أحب البساطة في كل شيء حتى في الحديث، فلا تسلوا أقلامكم لترصدوا أخطائي في اللغة فأنا لست من المتفيقهين أو المتشدقين، ولكنني سأتحدث إليكم بلغة تستطيع أن تلج إلى قلوبكم قبل أن تعيها آذانكم... أنا طاهر زمخشري عشت في ظلال هذا البيت، وليد الفقر، ونشأت في أحضان البؤس، وترعرعت أسير اليأس حتى أخذت طريقي بكل اعتزاز وفخر إلى النجاح في الطريق الذي سلكته، وهذا من فضل الله، ثم رعاية من رعاني طفلاً، وساعدني شاباً، وأخذ بيدي وهداني إلى الطريق السوي..». وذكر وأشاد بالأستاذ عبدالقدوس الأنصاري «.. أول من أخذ بيده في مجال الأدب.. وهو الوحيد الذي أعترف له بالفضل حيث قام بتصحيح قصائدي في أول المشوار..». وقال عن بداية عمله في مطابع الحكومة بمكة، واهتمام مديرها الشيخ محمد سعيد عبدالمقصود «.. والذي اختارني مع نخبة من الشباب ذكر منهم عبدالله بلخير، وأحمد ملائكة، وعبدالله عريف، وحسين خزندار، ومصطفى كمال باتباره، وعبدالكريم مخلص، وحسن الياس.. وكان يرعانا الرعاية الكاملة. ومن رعايته لي بصفة خاصة أنه أصدر تعليماته بتعييني كاتباً في المطبعة براتب فراش، وكان الكاتب الذي يتقاضى راتب فراش يتولى القيام بعمل الوارد والصادر، ومهمة مأمور المستودع، ومصحح الجريدة، وذلك مقابل مرتب مقداره 4 جنيهات...». وقال إنه تعلم من محمد سعيد عبدالمقصود العمل الجاد. وأن رشدي ملحس مدير الجريدة ومحمد سعيد مدير المطبعة يكلفاني بتبويب الجرائد والبريد. وقال: كنت أنهمك بقراءة الجرائد الواردة من الخارج. وكان الأستاذان رشدي ملحس ومحمد سعيد يرياني ويتركاني لشأني عدة ساعات، وكانا سعيدين بهذا. وقال إن شاعر الشباب عبدالله بلخير في ذلك الزمان الذي كان من أبرز الشباب حول المرحوم محمد سعيد عبدالمقصود. طلب منه والده الانتقال للمدينة المنورة ليكون إلى جوار والدته، وقال إنه وجد في المدينة نشاطاً فكرياً وأدبياً، «.. حيث كان الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، وأحمد الخياري، ومجموعة من الزملاء يعقدون ندوة اسبوعية بشكل دوري، والأستاذ محمد حسين زيدان والطرابزوني والسيد أمين مدني، وآخرون لهم مجموعة أخرى. وفي كل ليلة خميس يلتقي أفراد هذه المجموعات في ندوات يشترك فيها كل شباب المدينة، وتدور فيها مناقشات، ومساجلات أدبية، وكنت أحضر هذه الندوات، وكان الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري يشجعني على المشاركة، فشاركت في مساجلة، كان ضيفهم فيها المغفور له الشاعر الكبير علي أحمد باكثير الذي حضر للمدينة وكان من أنصار الشيخ عبدالقدوس...». وكان عبدالقدوس يمده بالكتب، ومن عادة أدباء المدينة في تلك الفترة أن يحتفلوا بالأدباء القادمين من جدة، يتنافس في ذلك مجموعة الأستاذ الزيدان ومجموعة الأستاذ الأنصاري، ومن أكبر هذه الحفلات تلك الحفلة التي أقيمت للأستاذ بكر ناظر.. ويذكر أن أشدها المعركة الأدبية التي نشبت بين الأستاذ محمد حسن عواد والأستاذ عبدالقدوس الأنصاري، والتي شهدتُ مولدها. وعشتها قلباً وقالباً وكان الصراع في البداية موضوعياً. غير أن الأستاذ محمد حسن عواد خرج عن الموضوعية بعد ذلك وأخذ يوجه للأنصاري نقداً شخصياً لاذعاً أثار حفيظة جماعة المدينة.. وكان هذا النقد ينشر في (صوت الحجاز) فكتب عبداللطيف أبو السمح مدافعاً عن الأنصاري ببيتين من الشعر يقول فيهما: هذه موت الحجاز هذه صوت المخازي كذب القائل عنها إنها صوت الحجاز وقال إنه عمل مدرساً في دار الأيتام بالمدينة، وسمع ذات يوم أحد الزملاء يقول ما رأيكم في شخص قدم للعمل بالمدينة، في حين يتركها الناس إلى مكة للعمل هناك؟ فقرر ترك الوظيفة والعودة إلى مكة وعاد مصححاً بالجريدة وكلفه مديرها بتوزيع تقاويم أم القرى على الدوائر الرسمية وعلى المكتبات وفوجئ بالمحاسب يعطيه خمسين جنيهاً فسأله فأخبره أن هذا مقابل أتعابك في بيع التقاويم بواقع 10% فقال إن محمد سعيد علمه امتلاك النقود. وقد أنشأ محمد سعيد مدرسة لتعليم الصف والطبع وأقبل عليها الشباب. واختاره مراقباً لتلك المدرسة. وقال: «... وإذا أحببت أن أرد الفضل لأهله، فإن محمد سعيد عبدالمقصود، وعباس قطان، ومحمد سرور الصبان، هؤلاء الثلاثة كان لهم أيادٍ بيضاء كثيرة فلهم الشكر بعد الله. وعلى ذكر الأستاذ عباس قطان فقد كنت أعمل بمكتبه بوظيفة سكرتيره الخاص وكان هو رجل مكة الأول، فلم يكن هناك غير يوسف ياسين للشؤون الخارجية وعبدالله السليمان للشؤون المالية، وكل ما عدا ذلك في الشؤون الاجتماعية كان مرتبطاً بعباس قطان، وأثناء عملي اختارني بل انتدبني بالأصح للعمل سكرتيراً لبلدية الرياض - وكان رئيس البلدية الذي رشحه عباس قطان هو محمود صالح قطان- فترة من الزمن – ثلاثة أشهر – بصفة خبير، وذهبت وساهمت في تأسيس بلدية الرياض وبلدية الخرج وبلدية الليث أيضاً... وقال إن عمله بالبلدية كان سبباً في الانطلاقات الاجتماعية التي حققها، فقد تعرفت على صور متباينة من الناس، ووقفت على تعامل الأفراد مع المجتمع، وعرفت الحياة بصورة أوسع..». قال إن عباس قطان طلب منه أن يصحبه إلى مصر.. وقدمه لأدبائها وعرفه على دسوقي أباظة باشا وزير الأوقاف وكان يشغل رئيس رابطة الأدب الحديث في مصر.. وطبع هناك أول ديوان له (أحلام الربيع) بل أول ديوان شعر سعودي يطبع، وكان متزامناً مع صدور ديوان أحمد عبدالغفور عطار وكان يطبع ديوانه (الهوى والشباب) فأراد أن يسبقه بالصدور إذ طلب من العطار كتابة مقدمته، وقال إنه أول ديوان شعر يصدر بالمملكة.. وقد وصل ديوان العطار للمملكة قبل ديوان زمخشري، ومع ذلك اعترف العطار بمقدمته بقوله: (والله غلبتني). وقال إنه شارك بمسابقة للشعر بالقسم العربي في إذاعة لندن وفازت قصيدته بالجائزة الثانية. شارك في الاحتفال به الشيخ أبو تراب الظاهري بقصيدة، وعباس غزاوي [مدير الإذاعة] الذي قال: «... بابا طاهر كما تعلمون أكثر مما أعلم بل هو من البناة سواء في الطباعة أو في البلديات أو في احصاء النفوس، وهو من بناة الإذاعة. بل هو من مؤسسي الإذاعة.. وقال: اجتمع بابا طاهر ذات يوم مع رجل ميسور الحال عالي المقام من أبناء هذا الوطن محباً لبابا طاهر كما نحبه جميعاً.. قال له اطلب وتمن.. سم ما تريد، وسأحققه لك أنا إن كنت قادراً على تحقيقه أو أساعد وأجمع من يساعد على تحقيق ما تتمناه.. وكان يتخيل أن يطلب بيتاً في تونس أو في جدة أو خلوة بمكة.. أتدرون ماذا طلب؟ لقد طلب أن تطبع مجموعة دواوينه لتكون في مجموعة واحدة.. وحقق الرجل أمنيته..». وقد اطلعت على ما كتب عن رسالة أو بحث ماجستير عن شعر طاهر زمخشري للدكتورة مريم سعود أبو بشيت التي كانت ممن لازم الأديب في أواخر حياته حينما كانت تعد البحث وقدمته لجامعة القاهرة 1408هـ/1988م. وعلمت من الصديق الدكتور جاسر الحربش الذي رافقه طوال إقامته بالرياض أثناء تسلمه جائزة الدولة التقديرية للأدب مطلع عام 1405هـ وكان يشكو من فشل كلوي.. وبحكم عمل الدكتور الحربش بمستشفى الملك خالد الجامعي فقد طلبت أمانة جائزة الدولة من الجامعة تخصيص من يرافقه من المختصين، وكان الدكتور جاسر الحربش من وقع عليه الاختيار فكان يرافقه ويأنس له ويقارضه الشعر أثناء غسيل الكلى (الديلزة) وكان يساجله ويمازحه حتى أصبح محبوباً له فأهدى الزمخشري له قلم باركر (51) الأثري الذي مازال يحتفظ به حتى الآن. وقد أتصلت بجاسر الحربش وسألته هل جرى بينك وبينه حديث حول فترة مرضه ودخوله مستشفى المجانين، فنفى ذلك. وقال إنه يتناقش معه في مواضيع أدبية ومقارضته الشعر وعن جائزة الدولة وغيرها. وبحكم أنني كنت أعمل في الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومكلفاً بالعمل بالأمانة العامة لجائزة الدولة التقديرية للأدب، فقد كنت لصيقاً بالفائزين وعلى مقربة منهم، أذكر حضوره مع زميليه الأمير عبدالله الفيصل والأستاذ أحمد عبدالغفور عطار صباح يوم التكريم لمقابلة الأمير فيصل بن فهد رئيس اللجنة العليا للجائزة بمكتبه ليهنأهم ويبلغهم بتهنئة الملك فهد، تم إقامة الحفل عصر يوم 8/8/1405هـ في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات، ومن فقرات الحفل أن يلقي كل من المكرمين الثلاثة كلمة بالمناسبة. وقد أُلقيت كلمات زملائه بالنيابة عنهم. أما طاهر فقد ألقى كلمته وقصيدته بنفسه. وقد شكر الملك والحضور ومن رشحه للجائزة، وقال بكل تواضع « أن هناك من هو أحق مني بها.. أقول أنا طاهر زمخشري كومة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء، تقول شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء.. ومن قصائدي البيضاء أن أغني للحب وأن أغني للوفاء كما عشت أغني للحب والوفاء في مشواري الطويل... الآن خطواتي تلتوي وما عُدتُ أمشي لا.. ولا استطيع القعود، ولكني مع ذلك جئت من تونس بإصرار لأشارك هذه الحفلة، ولألقي قصيدتي بإصرار...». فأضحك الجمهور وصفقوا له. فألقى قصيدته القصيدة التي بدأها: يا أعذب الحُب أمالي قد ابتسمت في محفل رقصت في جوه النِّعَمُ اختار له عبدالله عبدالجبار في (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) – ط1، 1959م من معهد الدراسات العربية العالية بجامعة الدول العربية بالقاهرة – قصائد نختار منها قصيدة في المراثي: مراثي الزمخشري لزوجته: «... سأل الطبيب عن علتها.. فأرسل آهة طويلة وأردف قائلاً: إنها علة السلال... وقال له ذووه: صبراً فقال: يقولون لي صبراً فقلت: وهل لها سوى ذاك؟ إن الصبر بالحر أخلق عبرت خضماً من مصائب جمعت ولي من جميل الصبر يا نفس زورق ولكن الداء استشرى وقالت وهي تلفظ أنفاساً مضطربة: إني أشعر بالموت يدب في مفاصلي فراح يشجعها أن تتغلب على الداء والفناء وهو يعلم ألا حياة له بدونها: ليس لي في هذه الدنيا بقاء فاسلمي أو نسلم الروح سواء أنت لي بعض فوهم أنني أتخلى عنك يطويك الفناء لا تخافي صولة الداء فما خفت يوماً من تصاريف القضاء فهي أثباج وبالصبر لنا سفن نمخرها دون عناء والمآسي يا حياتي قسم بين قلبينا كما شاء البلاء فحرام أن تذوبي ألما بين عيني وأرضى بالبكاء فارهفي عزمك للداء فما يقهر الأدواء إلا الأقوياء واسخري بالداء في ثورته رب داء وله السخر دواء وذات ليلة كانت هادئة مستغرقة في شبه حلم وعلى شفتيها ابتسامة لا يعرف سرها ويسأل من حوله: أنامت؟ فيقولون له: نعم أغفت ونامت وأنت يقظان، فيجيبهم: إذن سووا عليها غطاءها، ولم يكن يدري أنها الإغفاءة الأخيرة التي لن تصحو بعدها أبداً: غلبت على أمري وأصبحت ليس لي سواك وحتى أنت ضمتك أكفان وثارت شجوني دون أن ألقى آسيا وقد كنت لي الآسى وجدى وسنان تذوبين في كفيَّ والسن ضاحك وتهصرك الأدواء والصوت مرنان تذوبين لا أدري وفيك ابتسامة يشع سناها وهي للموت عنوان ...إلخ. •ترجم له علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية)، وقال إن ديوانه (أحلام الربيع) هو الباكورة الأولى، كتب أحمد عبدالغفور عطار في كتابه مقالات: « إن أحلام الربيع.. أول ديوان شعر حجازي يطبع في عصرنا..». وبعد أن استعرض دواوين الشعر الأخرى قال: « يذكر أن لطاهر زمخشري من المخطوطات مجموعة أقاصيص بعنوان (على هامش الحياة) وديوانين بعنوان: إليها، وأغاريد المذياع، ودراسة بعنوان (ليالي ابن الرومي)، ومجموعة مقالات اجتماعية وأدبية. ولتونس (الخضراء) مكانها من قلب طاهر زمخشري فقد زارها وأكرم فيها وأحبها فكانت عامل وحي في شعره. •وترجم له عبدالله بن سليم الرشيد في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة) قال: « يعد طاهر زمخشري في الطليعة المجددة لحركة الشعر العربي المعاصر في المملكة، التي تواصلت مع تيارات الشعر التجديدية في العالم العربي..». وقال: « هو شاعر لفظ أكثر من كونه شاعر فكرة، ولهذا يجد قارئه أن نتاجه متقارب النسج، وأن تجربته الشعرية لم تتطور كثيراً، بل ظلت تدور في فلك واحد، وبعض الدارسين يذهب إلى جعله أبرز شعراء الوجدان في الأدب السعودي، مشيراً إلى أنه ذاتي النزعة في أغلب شعره، يلوّن قصائده بالمواجد والغربة والحنين، وإن خص أحد دواوينه بقضية فلسطين (من الخيام)...». « ولزمخشري نتاج نثري، ضمه كتابه (مع الأصيل)، كما أن له كتاباً بعنوان (العين بحر) يتضمن بعض ما قيل في العين من شعر، وله قصص اجتماعية، غير أنه لم يشتهر بغير الشعر».
مشاركة :