تزايد «النزعة القومية» بشأن لقاح كورونا يشعل الخلافات في أوروبا

  • 2/5/2021
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أكثر من عام من ظهور أول حالة مشتبه فيها لفيروس كورونا في أوروبا تتسارع المنافسة بين الدول لتأمين اللقاحات لسكانها، إلى جانب تزايد الخلافات والمواجهات حول التخصيص العادل لها. وعلى وجه الخصوص وقع خلاف دبلوماسي بين المفوضية الأوروبية وكل من لندن وشركة الأدوية الإنجليزية السويدية «أسترازينيكا»، حول كميات اللقاح المتاحة للدول الأوروبية، وخاصة بعد أن طلبت المفوضية عشرات الملايين من جرعات اللقاح مثلما فعلت المملكة المتحدة. وخلال الجائحة مرت أوروبا بالعديد من الخلافات المبكرة حول المساعدات المالية المقدمة للدول، ومفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ما أدى إلى فشلها في الحصول على كميات مقبولة من اللقاحات من الشركات المُصنعة الأوروبية والأمريكية؛ الأمر الذي زاد من الانشقاق داخل الاتحاد، إضافة إلى ذلك فإن محاولاتها للحصول على تنازلات من كل من شركة أسترازينيكا والحكومة البريطانية بشأن مخصصات اللقاحات لم تؤد إلا إلى إلحاق المزيد من الضرر بسمعتها القارية والدولية.وفي واقع الأمر تعد هذه المواجهة من أكثر القضايا صلةً بالدول التي تسعى إلى حماية مصالحها، والتي نتج عنها إعاقة جهود التعاون الدولي لمكافحة انتشار الجائحة؛ في وقت تتطور فيه سلالات فيروسية جديدة، ويرفض الملايين من الناس في الغرب تلقي اللقاح، حيث تقوّض هذه المشاحنات الدبلوماسية الجهد العالمي ضد كوفيد-19، ومن ثم تزيد من احتمالية استمرار الجائحة فترة أطول. وقبل الموافقة على لقاح (أكسفورد-أسترازينيكا) للاستخدام بالمملكة المتحدة في 30 ديسمبر 2020 كانت لندن قد طلبت بالفعل عشرات الملايين من الجرعات. وبالمقارنة، كان الاتحاد الأوروبي بطيئًا في تقديم طلبات الشراء من الشركة، ولم يفعل ذلك إلا بعد ثلاثة أشهر من وستمنستر؛ ومن ثم لم يكن النقص النسبي للقاحات في بداية عام 2021 مفاجئًا. وفي الواقع، تأخر برنامج التطعيم في الاتحاد الأوروبي كثيرًا عن نظرائه الغربيين. ووفقًا للأرقام الواردة من موقع «عالمنا في البيانات»، فإن 2.1% فقط من مواطني الاتحاد تلقوا لقاح كورونا. وذلك مقارنة بـ10.8% من المواطنين البريطانيين، و3% من المواطنين الأمريكيين.وفي الآونة الأخيرة تصاعدت حدة الخلاف بين «لندن» و«بروكسل» بشكل كبير. ووجهت رئيسة المفوضية الأوروبية «أورسولا فون دير لايين» انتقادات إلى كلا الطرفين بشأن الأعداد المحدودة من جرعات اللقاح المرسلة إلى الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لـ«دويتشه فيله»، من المتوقع أن يحصل الاتحاد على ما يصل إلى 80 مليون جرعة من اللقاح بحلول نهاية مارس 2021، ومع ذلك، من المرجح أن يتلقى 31 مليونًا فقط اللقاح بحلول ذلك الوقت. وكتبت «كاتيا أدلر»، من شبكة «بي بي سي»، أن «برنامج شراء اللقاحات وضع الاتحاد الأوروبي في ورطة واضحة، وخاصة أن الحكومات الأوروبية بدأت تعبر عن نفاد صبرها للحصول على الوظائف التي وعدت ناخبيها بإتاحتها».ووفقًا لـ«جيمس كريسب»، من صحيفة «التليجراف»، فإن المفوضية الأوروبية «شنت هجمات غير مسبوقة ضد شركة الأدوية البريطانية السويدية، ورفضت اتفاق سلام بقيمة ثمانية ملايين لقاح إضافي». من جانبها، ردت الشركة بأنها «تحترم اتفاقها على توريد اللقاحات إلى المملكة المتحدة قبل أن ترفض المفوضية اتفاق الاتحاد الأوروبي مع الشركة، الذي يتضمن التعهد باستخدام أفضل الجهود المعقولة لتوصيل 300 مليون لقاح إلى أوروبا». وعلى الرغم من ذلك فشل هذا الإجراء في تحقيق رد الفعل المطلوب. وكتب «جاكوب كيركيغارد»، من «صندوق مارشال الألماني»، أن استراتيجية «قومية اللقاح» من قبل المفوضية الأوروبية لحرمان الشركات من حق تصدير اللقاحات بموجب عقد حتى تُؤمن لقاحات خاصة بها هو ما سيكون بمثابة خطأ فادح في السياسة يمكن أن يؤدي إلى وفاة المزيد من الأوروبيين بسبب هذه الجائحة جراء التواصل مع أناس من خارج القارة». وتعرض هذا النهج لانتقادات شديدة. واتهم «ماركوس سودر»، المرشح لخلافة «أنجيلا ميركل» لمنصب مستشار ألمانيا، المفوضية الأوروبية بالتحرك «بعد فوات الأوان لتأمين عقود اللقاح».من جانب آخر، تصاعد خلاف آخر يتعلق بإجراءات المفوضية الأوروبية بشأن إيرلندا الشمالية. وأعلنت «فون دير لايين» أن الاتحاد الأوروبي سوف يطلق المادة 16 من بروتوكول إيرلندا الشمالية لاتفاقية البريكست لتطبيق حدود صارمة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا؛ بحجة منع المنطقة من أن تصبح بابا خلفيا للقاحات الاتحاد الأوروبي، ليتم إرسالها إلى بريطانيا على نطاق واسع». كما أخفقت هذه الخطة على صعيد الدبلوماسية الناعمة بشكل ذريع؛ إذ صدرت إدانات من حكومتي بريطانيا وإيرلندا ومؤسسات أخرى متعددة الجنسيات. وفي السياق ذاته، حذر وزير الخارجية الأيرلندي «سيمون كوفيني» من أن «البروتوكول ليس شيئًا يمكن العبث به بسهولة»، ووصفه «تيدروس غيبريسوس»، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بأنه «عمل من أعمال قومية اللقاح»، بما سيساعد على تفشي الجائحة. كما أن تصرفات المفوضية الأوروبية في محاولة ترسيخ حدود صلبة في إيرلندا الشمالية أكدت أيضًا إنكارها الحجة الأخلاقية، حيث علقت «أدلر» بأنه «في حين خصص الاتحاد الأوروبي قدرًا كبيرًا من اهتمامه لانتقاد وستمنستر لتفسيرها للقانون الدولي بشأن حدود إيرلندا الشمالية أثناء مفاوضات البريكست، فإن الانطباع الذي أعطته المفوضية -مهما كان غير صحيح أو غير مقصود- هو أن هذه المخاوف يمكن أن تُنحى جانبا، وكأن الأمر ليس بمثل هذه الخطورة».فضلا عن ذلك، عمل الإجراء أيضًا على توحيد منتقدي الاتحاد الأوروبي مع الدول الأعضاء فيه. ووصفت صحيفة «دي تسايت» الألمانية إجراء المفوضية الأوروبية بأنه «أفضل ترويج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تصرف ببطء وبطريقة بيروقراطية وحمائية». وبالمثل، كتب كريسب أن «فون دير لايين» «أُجبرت على الانزلاق المهين». إضافة إلى هذا أعطت المملكة المتحدة الآن أيضًا جمهورية إيرلندا تأكيدات بتقديم لقاحات احتياطية لجارتها عوضًا عن وعود من الاتحاد الأوروبي. ولم تتوقف التصرفات غير المسؤولة من قبل الاتحاد الأوروبي عند هذا الحد، حيث وضع قائمة تضم مائة دولة معفاة من الضوابط المفروضة على صادرات اللقاحات التي تسيطر عليها أوروبا، مع استبعاد المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا واليابان من القائمة، وقد قوبلت هذه الخطوة بالإدانة، حيث شجبت غرفة التجارة الدولية ذلك باعتبار قرار الاتحاد «مدمرًا ويمكن أن يؤدي إلى تآكل سلاسل التوريد الأساسية بسرعة كبيرة». كما انتقد الاتحاد الأوروبي للصناعات الدوائية والجمعيات الصيدلانية هذه الإجراءات، مضيفًا أن قائمته يمكن أن «تقوض توريد اللقاحات في أوروبا وحول العالم». كما انتقد «جاكوب كيركيغارد» طريقة تعامل المفوضية مع مفاوضات شراء اللقاحات، وقال: إنها «لم تكن لديها خبرة في التفاوض بشأن مشتريات الأدوية على نطاق واسع، واتضح أن التخبط في خضم أسوأ أزمة صحية أوروبية منذ 100 عام ليس بالفكرة الجيدة».وبعيدًا عن المفوضية الأوروبية ظهر نوع من التحدي عندما قضى قسم وبائيات الأمراض المعدية بمعهد «روبرت كوخ» الألماني للأمراض بعدم وجود بيانات كافية للحكم حاليا على مدى فعالية لقاح «أوكسفورد-أسترازينيكا» لمن هم أكثر من 65 عامًا. وفي محاولة للتقليل من أهمية الاختلافات العلمية المتعلقة بتقدم لقاح على آخر أفاد «جيمس نايسميث» مدير معهد «روزاليند فرانكلين» بأن «العلماء غالبًا ما يختلفون حول مقدار الأدلة المطلوبة لإثبات أي تقدم جديد، وهناك دائمًا في النهاية المزيد من البيانات يتم عدم الكشف عنها وإخفاؤها، وأرى ضرورة عدم حدوث ذلك في حالة الجائحة الراهنة».ويبدو واضحًا أن مسألة القومية في توزيع اللقاحات باتت لا ترتبط بكل من المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي؛ فقد أعلن مدير منظمة الصحة العالمية أن العالم على شفا فشل أخلاقي كارثي فيما يتعلق بتوزيع اللقاحات. من جانبها، علقت مجلة «الإيكونوميست» بأنه «في حين أن الدول الغربية الرائدة ستتمكن من تلقيح مواطنيها الأكثر ضعفًا وفقرًا بحلول منتصف مارس القادم، فإن الأمر ذاته في البلدان الفقيرة قد لا يكون على نفس الوتيرة من الحدوث، وربما يكون التلقيح على أقصى تقدير خلال عام 2023، إذا صح التخمين». ومع وضع ذلك في الاعتبار، حذر «جوناثان تيبيرمان» في مجلة «فورين بوليسي» من أنه «ما لم تبذل واشنطن وحلفاؤها المزيد من الجهود لمعالجة ما يحدث في أفقر البقع على وجه الأرض فسيواجه الكثيرون قريبًا المزيد من الألم». ويبدو أن احتمالات أن تؤتي هذه الدعوة ثمارها باتت منخفضة إلى أقصى درجة، وخاصة أن الولايات المتحدة ذاتها تكافح من أجل برنامج التطعيمات الوطني الخاص بها، وهو أمر ازداد تفاقمًا بسبب الافتقار إلى الاهتمام المسبق بشأن هذه القضية من قبل الإدارة الأمريكية السابقة. وكتب «تيبيرمان» أن «واشنطن كانت ولا تزال تكافح من أجل عمليتي الإمدادات والتوزيع اللقاحات طوال الأسابيع الماضية حتى تاريخه، حيث لا تستطيع العديد من الولايات الحصول على أعداد لقاحات كافية، ما يضطرها إلى إلغاء عشرات الآلاف من التطعيمات المخطط لها».وتأتي الخلافات الدبلوماسية حول المُخصصات المالية للقاحات ومخاوف الخبراء بشأن البلدان الأقل حماية وسط مخاوف متزايدة بشأن الطفرات الجديدة لسلالة الفيروس، مثل تلك التي تم تحديدها على أنها نشأت في جنوب إفريقيا والبرازيل وكاليفورنيا. وفي إنجلترا وحدها سيخضع الآن 80 ألف شخص لإجراء اختبارات عاجلة بسبب الحالات المؤكدة التي تبين إصابتها بسلالة كورونا الجديدة والمكتشفة في جنوب إفريقيا بعد العديد من الفحوصات العشوائية. وبالإضافة إلى هذه المخاوف هناك أعداد كبيرة من مواطني الدول الغربية مازالوا متشككين في مدى فعالية اللقاحات، بما في ذلك الولايات المتحدة. ووفقًا لأحدث استطلاع فإن أكثر من نصف الأمريكيين يرفضون حاليا أو يؤخرون عملية التطعيم، في حين أن 41% فقط منهم سيحصلون على أي لقاح ممكن. وفي حين أن هذا الرقم منخفض بشكل مخيف إلا أنه يمثل في الواقع زيادة عن الأرقام السابقة، حيث كان يسعى 34% فقط من الأمريكيين للحصول على اللقاح والتطعيم خلال ديسمبر 2020. وبالمقارنة، لا يزال 73% من البريطانيين و69% من الهنود يحرصون على تلقي اللقاح والخضوع للتطعيم في أول فرصة متاحة لهم. ومع ذلك، لا تزال الشكوك حول مدى فعالية اللقاحات قوية في القارة الأوروبية، حيث لا يزال يسعى 44% فقط من الألمان للحصول على التطعيم في أسرع وقت ممكن، و26% من الفرنسيين يريدون الشيء ذاته.على العموم، ففي حين أن الصورة العامة لسياسات التطعيم ضد كوفيد-19 قد تبدو مثبطة للهمم يجب أن نتذكر أيضًا أنه حتى الآن كانت هناك نجاحات غير مسبوقة في تطعيم ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم؛ ففي الحادي والثلاثين من يناير 2021 وحده تلقى أكثر من 600 ألف شخص الجرعة الأولى من الجرعتين المطلوبتين من لقاح كورونا في المملكة المتحدة، ما رفع العدد الإجمالي ممن خضعوا للتطعيم في البلاد إلى ما يقرب من 9 ملايين شخص. ومع ذلك، يبدو أنه لا يزال هناك العديد من الحالات السلبية جراء فشل المجتمع الدولي مرة أخرى في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن بطء طرح اللقاحات والعودة إلى تبني الميول الانعزالية القومية حينما يتعلق الأمر بتوزيعها. 

مشاركة :