بحكمة الملك المحنك أدرك الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- الحاجة لمدّ جسور العلاقة مع الولايات المتحدة -الدولة العظمى- مستشرفًا أهمية قيام علاقة متينة بين البلدين تلبي مصالح الطرفين وتحقق العديد من المكاسب، وانطلاقًا من هذا الإدراك السياسي والنظرة الإستراتيجية الثاقبة قام الملك المؤسس باستقدام مجموعة من المهندسين الزراعيين من الولايات المتحدة وأوكل إليهم مهمة البحث عن المياه في مناطق المملكة كما منح شركات النفط الأمريكية امتياز التنقيب عن النفط في أراضي المملكة. وفي الرابع عشر من شهر فبراير من عام 1945م كان اللقاء التأريخي بين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية كوينسي فى البحيرات المرّة في مصر، وقد كان هذا اللقاء بمثابة تدشين العلاقات الرسمية بين البلدين وهى العلاقات المتينة التي استمرت حتى يومنا الحالي بالرغم من وجود خلافات فى أمور سياسية كثيرة على مرّ السنوات خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضايا إقليمية أخرى، وقد حضر اللقاء ملك مصر والسودان فاروق الأول لتناقش القمة الثلاثية وقتها القضية الفلسطينية، وهجرة اليهود والاستيلاء على الأراضي العربية من العدو الصهيوني. وقد كانت المدمرة كوينسي هى البداية التى مهدت لتوالي الزيارات من الجانبين وتعزيز كافة أوجه التعاون الاقتصادي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، لتسطر كوينسى تاريخًا فاصلاً سطرته البوارج الحربية في لقاءات الزعماء والملوك، وإن كانت أكثر أهمية وتأثيرًا من كثير من تلك اللقاءات، ووصلت المساعدات الأمريكية إلى مئة مليون دولار مطلع 1947 وفي سنة 1948م دخلت قطع بحرية أمريكية مياه الخليج لأول مرة ورفعت درجة المفوضية الأمريكية في جدة إلى درجة سفارة، كما تم تقديم المساعدة الفنية للسعودية، وعلى ظهر كوينسي فهمت الولايات المتحدة الثوابت السعودية ورؤية المملكة المساندة والداعمة للقضايا العربية والاسلامية، وفي الثامن عشر من شهر يونيو1951م وقعت اتفاقية دفاع مكّنت السعودية من شراء أجهزة حربية أمريكية وقيام المدربين الأمريكيين بتدريب الجيش السعودي، وفي 1957 أصبح الملك سعود -رحمه الله- أول ملك سعودي يزور الولايات المتحدة، واجتمع مع الرئيس دوايت آيزنهاور وكان ذلك بعد دور آيزنهاور الرئيس في وقف العدوان البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر. وقبل نحو عشر سنوات، قال توماس هليارد، الذي كان بحارًا على ظهر السفينة «ميرفي» التي نقلت الملك عبدالعزيز من جدة للقاء الرئيس الأمريكي روزفلت على المدمرة «كوينسي» الملك عبدالعزيز ركّز على المشكلة بين اليهود والفلسطينيين، وذلك قبل ثلاث سنوات من تأسيس إسرائيل، وقال: إن روزفلت طلب مساعدة الملك لتوطين اليهود، لكن الملك رفض، وقال هليارد: إن الرئيس روزفلت وعد بألاّ يصدر قرارًا عن إنشاء إسرائيل إلا بعد موافقة الملك، لكن روزفلت توفي بعد شهرين، وفي عهد هاري ترومان، الرئيس الذي جاء بعده، اعترفت الولايات المتحدة بإسرائيل، وسمع هليارد أن المترجم نقل عبارات التزام بعلاقات قوية بين البلدين، ووصف العبارات بأنها أجمل ما سمع منذ وقت طويل وأضاف: «عندما شاهدنا الزعيمين معًا، كان يبدو أنهما يعرفان بعضهما البعض منذ مئة سنة»، وقد اجتمع ملوك المملكة العربية السعودية مع رؤساء الولايات المتحدة 12 مرة بعد ذلك اللقاء، انتهاء بزيارة باراك أوباما فى شهر يناير الماضي لتعزية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في وفاة أخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -يرحمه الله-.
مشاركة :