مع اقتراب دخول الحرب في سوريا عامها العاشر والتي خلفت وراءها الكثير من الأزمات الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية ، والتي انعكست بدورها سلبا على حياة المواطنين السوريين ، وزادت من اتساع دائرة الفقر في البلاد ، لتأتي العقوبات الاقتصادية والحصار الذي فرضته الدول الغربية على سوريا لتفاقم من حدة تلك الأزمات وتزيد "الطين بلة" كما يقال . وباتت أزمة انقطاع التيار الكهربائي وشح وقود التدفئة والغاز المنزلي، بالإضافة إلى النقص الكبير في مادة الطحين التي خلفت أزمة خبز خانقة ، بسبب قلة القمح ، وارتفاع الأسعار الجنوني بسبب ارتفاع وتدهور الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ، باتت الحديث الأبرز لعموم المواطنين السوريين ، وشغلهم الشاغل ، في ظل غياب الحلول الاقتصادية لتلك الأزمات التي يعيشها السوريون حاليا . ولا يختلف كثيرا حال تلك المناطق التي هي خارجة عن سيطرة الدولة السورية عن ما يكابده السوريون داخل مناطق سيطرة الدولة ، ويكاد يتشابه إلى حد ما ، بسبب سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من قبل القوتين الأمريكية والتركية في شمال وشمال شرق سوريا ، إذ أن السوريين يعانون من تلك الأزمات ، وربما أكثر بسبب تحكم تلك الفصائل المسلحة والميليشيا بمصائر هؤلاء السوريون وخاصة المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تفرض حصارا على مناطق في شمال شرق سوريا منذ قرابة الثلاثة أسابيع . ومع بداية عام 2020 المنصرم بدأت الأزمات الاقتصادية تتفاقم وتطفو على السطح ، ولعب انتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد ـ19) ، وتطبيق الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار المرض في سوريا والعالم ، دورا بارزا في ارتفاع الأسعار لتصبح أضعاف مضاعفة مقارنة بعام 2019 ، بحسب خبراء اقتصاديين ، كما ساهم تطبيق قانون "قصير" الذي فرضته الإدارة الامريكية السابقة على سوريا في يونيو الماضي ، في تضيق الخناق أكثر على الحكومة السورية وتستهدف السوريين عموما في لقمة عيشهم . وفي ظل هذه الأوضاع المتردية عملت الحكومة السورية جاهدة بالتعاون مع حلفائها على التغلب على هذه الصعوبات ، وتأمين ما يلزم بالحد الأدنى من السلع والمشتقات النفطية ، إلا أن العقوبات الغربية كانت هي العقبة الكبيرة أمام تدفق السلع والمواد الأخرى إلى سوريا . وقال عمر الحلبي ( 28 عاما ) بائع خضار على الطريق في أحد شوارع مدينة السويداء (جنوب سوريا) ، إن "الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين تدهورت ، بسبب تفاقم الأزمات المتتالية على المواطنين " ، مؤكدا أن الحكومة وزعت عليه 100 ليتر مازوت للتدفئة ، وهي غير كافية ، حسب رأيه ، مؤكدا أنه اضطر لشراء مادة المازوت من السوق السوداء بأسعار مضاعفة . وتابع يقول ، وهي يقف خلف طاولة خشبية لوكالة أنباء ( شينخوا) " إننا لا نرى الكهرباء الا نادرا بسبب زيادة ساعات التقنين في مدينة السويداء " ، لافتا إلى أن السوريين يقضون جل وقتهم في البحث إما عن خبز أو غاز أو مازوت للتدفئة ، عدا عن ارتفاع الأسعار الذي أرهق كاهلنا جميعا . وبدورها أكدت سلمى ، موظفة في شركة خاصة ، إن الوضع الإنساني للعائلات السورية "مزري " ، مشيرة إلى أن هناك عائلات تعجز عن شراء ربطة خبز ، بسبب الغلاء الكبير الذي شهدته الأسواق في الأشهر القليلة الماضية . وقالت سلمى ، إن " راتبي 80 الف ليرة سورية أي ما يعادل 25 دولارا أمريكيا ، لا تكفي لشراء كل مستلزمات الحياة اليومية للأسر "، مؤكدة أنها وزوجها يعملان بعد الظهر بأعمال خاصة كي يتمكنا من الصمود حتى نهاية النفق . ومن جانبه قال الدكتور حيان سليمان ، باحث اقتصادي وكاتب سوري لوكالة أنباء (شينخوا) إن " الحرب التي تعيشها سوريا تكاد تدخل عامها العاشر وهي أطول حرب مرت على العالم ، وخلال الحرب دمرت المرتكزات الاقتصادية والبنى التحتية "، مؤكدا أن هذه الحرب خلقت عدة صعوبات منها أزمة السلع الإنتاجية والخبز ونقص الفيول والمازوت . ولفت المحلل الاقتصادي وهو مسؤول سابق في الحكومة السورية ، إن بلاده كانت تنتج قبل الحرب 85 الف برميل نفط يوميا اليوم تنتج 2000 برميل يوميا ، وكانت تنتج سوريا 4 ملايين طن قمح سنويا وصلنا إلى أقل من مليون طن قمح بسبب سرقة المواسم وحرق الأراضي المزروعة بالقمح من قبل القوات الأمريكية والتركية ، محملا القوات الأمريكية والتركية المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد ، بسبب سيطرتهم على حقول النفط والقمح في الجزيرة السورية . وقال الباحث السوري سلمان إن " الحكومة السورية عملت على تأمين النقص من هذه السلع عبر الاستيراد إلا أن الأسطول الأمريكي الموجود بالبحر كان بالمرصاد ومنع وصول السفن المحملة بالغاز والفيول والمازوت والمواد الغذائية الأساسية من الدول الصديقة إلى سوريا " ، مؤكدا أن البلاد في حال حرب وبالتالي لا بد من تعزيز إنتاجنا الداخلي من خلال الاعتماد على الزراعة وتعزيز الصناعة المحلية كحلول بديلة . وأشار إلى أن الحكومة السورية وقعت على عقود مع دول صديقة لتأمين الغاز المنزلي والمازوت وغيرها من السلع الضرورية ، مؤكدا أن الحكومة أيضا وقعت على عقود بهدف إصلاح محطات توليد الكهرباء التي تضررت بفعل الإرهاب الذي ضرب البلاد، بالإضافة لاعتماد سوريا على الطاقات البديلة للتخفيف من حدة تلك الأزمات . وشهدت سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية أزمة خانقة في مادتي البنزين والمازوت ، وشوهدت العديد من أرتال السيارات التي وقفت على محطات الوقود لساعات طويلة للحصول على كمية محددة من مادة البنزين ، كما قامت الحكومة السورية برفع أسعار المشتقات النفطية بسبب ارتفاع تكلفة استيرادها من الخارج ، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع في أسعار السلع وأجور النقل . وبشأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية للحد من تدهور الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، قال الباحث الاقتصادي السوري سلمان " لطالما لا يوجد مصادر إضافية للقطع الأجنبي سنبقى نعاني من تذبذب سعر الصرف " ، مؤكدا أن الصادرات السورية بدأت تتعافى شيئا فشيئا ، وكذلك تحويلات المغتربين من الخارج بدأت تتدفق وهذا مؤشر إيجابي . ويشار إلى أن الليرة السورية تدهورت كثير ا وفقدت الكثير من قيمتها أمام الدولار الأمريكي إذ أن الدولار الواحد يساوي 3000 ليرة سورية فيما كان قبل الحرب الدولار يساوي 50 ليرة سورية . وأعرب الخبير الاقتصادي السوري عن تفاؤله بأن يكون العام الحالي عاما إيجابيا يحمل الخير لسوريا ، لافتا إلى أن الدول الغربية تزيد من ضغوطاتها تجاه سوريا ، مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي . وفي بقعة جغرافية أخرى في سوريا في الشمال ، يعاني السوريون من أزمات متتالية بسبب حصار داخلي تفرضه ، فصائل مسلحة مدعومة من قبل القوات الأمريكية تارة ، ومن القوات التركية تارة أخرى، فتزيد من معاناتهم وتحرمهم من أدنى متطلبات الحياة اليومية ، فمرة تقطع عنهم الكهرباء ، ومرة أخرى المياه ، وثالثة يفرض حصار ويمنع عنهم دخول الطحين والمواد الغذائية ، وسط مطالبات الحكومة السورية المجتمع الدولي بالتدخل لفك الحصار وإنقاذ المواطنين . وقال اللواء غسان خليل محافظ الحسكة في اتصال هاتفي مع وكالة أنباء (شينخوا) إن " الحصار الذي تفرضه ميليشيا "قسد " يقطع الأوصال بين مدينة وأخرى وبين حي وآخر " ، مبينا أن الحصار يرتب على المواطنين أعباء كبيرة ويجعله في دائرة البحث عن موارد رزقهم وتمويلهم . وأضاف اللواء خليل أن "الحكومة السورية تقوم بما يترتب عليها من إجراءات من تأمين مادة الطحين والمياه للمدن المحاصرة ولو بالحد الأدنى "، مؤكدا أن المواطنين يعانون من أوضاع إنسانية صعبة ، لافتا إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية في محافظة الحسكة لا يوجد فيه سوى مشفى في مدينة الحسكة تم إحداثه مؤخرا ، وآخر في مدينة القامشلي يقدمان العلاج للمواطنين ، مؤكدا أن كل المشافي خارج السيطرة حاليا . وتابع يقول إن "الحكومة السورية تقوم بتأمين الدواء للمواطنين من العاصمة دمشق بالحد الأدنى " ، لافتا إلى وجود فرق طبية داخل مناطق سيطرة الدولة السورية . ويشار إلى أن قوات " قسد " قامت بفرض حصار على مدينتي الحسكة والقامشلي الخاضعتين لسيطرة الدولة السورية ، قرابة 23 يوميا ومنعت دخول المواد الغذائية اليها ، ومنعت دخول وخروج السيارات والأهالي إلى المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد "، لكن هذا الحصار انتهى بموجب وساطة روسية مع قوات " قسد " مؤخرا . كما قامت القوات التركية والفصائل الموالية لها بقطع التيار الكهرباء عن أحد محطات ضخ المياه في مدينة علوك بريف الحسكة ، الأمر الذي خلف أزمة مياه خانقة استمرت لأسابيع تقريبا .
مشاركة :