الأرحاء المنطمرة هي ضروس العقل التي لم تنجح في البزوغ ضمن الفك مع تجاوزها للزمن المحدد لذلك، وبقيت ضمن الفك إما مغطاة بشكل كامل وإما جزئي بالأنسجة الرخوة أو العظام، وتعتبر الأرحاء الثالثة، أو ما يسمى بأضراس العقل من أكثر الأسنان تعرضاً لمشكلات الانطمار، ويعود السبب إلى أنها آخر سن تبزغ في القوس السنية، إضافة إلى صغر حجم كل من الفكين العلوي والسفلي للإنسان في العصور الحديثة مقارنةً مع الإنسان في العصور القديمة على مر الأجيال، بسبب اعتماد الإنسان (في مدة نمو الفكين) في الزمن الحاضر على أطعمة ليّنة بكثرة وبالتالي قلَّ استعماله لقوى المضغ الشّديدة التي تعتمد على التعامل مع الأطعمة القاسية مثل التفاح والجزر وغيرها، حيث تكون قوى المضغ من الأسباب المحرّضة على نموّ الفكّين وزيادة حجمهما وبالتالي لم يعد للرحى الثالثة مكان للبزوغ فتبقى منطمرة جزئياً أو كلّياً ضمن عظام الفك. يعتبر وجود الأرحاء السفلية المنطمرة أحد أسباب كسور الفك السّفلي عند تعرّضه لرض شديد بسبب موقعها في زاوية الفك السفلي محدثةً ضعفاً في تلك المنطقة بنقص الكتلة العظمية فيها، وأيضاً ربما تسبب الأرحاء المنطمرة طنيناً في الأذنين أو صداعاً في الرأس كما أنها أحد الاختلاطات المسببة لاضطرابات المفصل الفكّي الصدغي. وتعود خطورة ضروس العقل من عدمه إلى عدة جوانب، مثل موقعها ومكان انطمارها وتأثيرها في الأنسجة المجاورة، سواء الرخوة أو العظم أو الأسنان المجاورة والبنى العصبية المجاورة. ويبقى الطبيب أمام عدة خيارات لإجراء قلع ضروس العقل أو الإبقاء عليها حسب حالتها، ففي حالة يوضع ضرس العقل بشكل جيد على القوس السنية وتوفر مكاناً كافياً لبزوغه، ولكن قسم منه مغطى بالأنسجة الرخوة التي ربما تصاب بالالتهاب والإنتان مسببة حالة مرضية (تدعى التواج) عندها يتخذ الطبيب قرار إزالة الأنسجة المغطية للرحى بعد معالجة الإنتان الموجود بتنظيف المنطقة بالمطهّرات اللازمة، كاليود والسائل الملحي، ووصف المضادات الحيوية والمسكنات اللازمة للمريض، وبعد إزالة الأنسجو المغطية يختلف القرار، فإن كان ضرس العقل في وضع إطباقي صحيح تجب المحافظة عليه وإبقائه ضمن القوس السنية، أما إذا كان يسبب مشكلات أخرى، كعض الخد أو تخريش الأنسجة الرخوة المجاورة، أو الضغط على سن مجاورة عندها يترتب خلعه بعد تقييم الحالة بالصورة الشعاعية البانورامية. ومن الأسباب التي توجه الطبيب لقلع ضرس العقل، نموه بشكل مائل وضغطه على الأسنان المجاورة ما يسبب تراكب الأسنان وسوء انتظامها وعندها تفقد الضروس وظيفتها الأساسية في المضغ، إضافة إلى تسببها في تشوّهات الأسنان في القوس السنية وبالتالي يترتب قلعها. أما في حالات الانطمار الكامل للضرس ضمن العظم مع حدوث آلام في الفك أو الرأس، مع تسببه بزيادة تراكب الأسنان على القوس السنية ويتضح من الصورة الشعاعية عدم توفر مكان له أو اتجاهه مائلاً خلال النمو، فعندها يجب خلعه. أما في حال اكتشاف ضرس العقل من خلال صورة شعاعية بطريق الصدفة حيث لا يشعر المريض بأي أعراض أو مشكلات ولا يشعر بوجوده، على الطبيب تشخيص الحالة بشكل جيد فإن كان هناك كيس محيط بالرحى الثالثة عندها لابد من الخلع الجراحي حتى لو لم تكن هناك أعراض، لأن هذا الكيس من الممكن ازدياد حجمه مسبباً ضعفاً في عظم الفك، مع الوضع في الاعتبار استئصال الكيس وفحصه نسيجياً، وأيضاً في حال تسبب ضرس العقل في الأذى للأرحاء المجاورة بالضغط عليها مسببة امتصاصها أو امتصاص جذورها عندها يترتب خلعه أيضاً. وأغلب الدراسات تشير إلى ضرورة قلع ضروس العقل في الفكين المتقابلين، لأنه مع المستقبل يحدث تطاول للرحى المقابلة سواء العلوية أو السفلية وبالتالي الضغط على النسج الرخوة المقابلة مسببة تخريشاً ورضاً فيها. وأيضاً الحالات التقويمية تعتبر من الأسباب الضرورية لخلع ضروس العقل ويحدد مختص التقويم الوقت المناسب لذلك. وإذا تجاوز المريض عقده الرابع أو الخامس ولم يشعر بوجود ضروس عقل منطمرة ولا كيس محيط أو أذيات في الأسنان المجاورة، أو تراكب للقوس السنية عندها يجب تنبيهه إلى وجودها، إضافةً إلى مراقبتها شعاعياً مرة واحدة على الأقل كل سنة، حيث يقوم الطبيب بتقدير الحالة والتعامل معها حسب المعطيات. ويؤكد د. رعد المدرس اختصاصي تقويم الأسنان أن مصطلح ضرس العقل يطلق على الطاحونة الثالثة والأخيرة في نهاية قوس الفك من الطرفين العلوي والسفلي، وسبب التسمية هو ظهوره في أغلب الحالات في مرحلة عمرية ترتبط بالبلوغ والوصول إلى مرحلة التمييز والإدراك، ويمكن عن طريق التصوير الإشعاعي التأكد من وضعية كل ضرس ومدى ملاءمته للظروف والمساحات المحيطة به، لأن مشكلته الرئيسية تنجم عن عدم توفر فراغ لنموه خاصة بعد اكتمال نمو عظام الفك في سن المراهقة، ومن الغريب أن ضروس العقل ربما لا تنمو أصلاً لدى بعض الناس. وعندما يظهر ضرس العقل بشكل طبيعي وينمو مستقيماً في المساحة الملائمة لحجمه وشكله لا يسبب أي مشكلات وبالتالي لا يحتاج إلى خلع، كذلك حتى لو كان الضرس مطموراً تحت أنسجة اللثة ولا يسبب أي ألم لا يجب خلعه. وتضيف د. نوشن إبراهيم اختصاصية طب الأسنان أن ضرس العقل يتعرض في بعض الأحيان لالتهابات متكررة تستجيب للعلاج لفترة ولكنها تعاود في صورة ألم وتورم، وفي هذه الأحوال يفضل خلع الضرس بصرف النظر عن وضعه وعلاقته مع الضروس المجاورة، ويجب اللجوء في هذه الحالة لجراح متخصص حيث تجرى عملية الخلع تحت تأثير التخدير العام أو الموضعي تبعاً لحالة المريض. ويرى د. صالح الطيب عباس اختصاصي علاج الأسنان التحفظي أن ضرس العقل يبدأ رحلته أحياناً من خلال النمو العرضي في عظام الفك تحت أنسجة اللثة، ما يسبب الضغط على الضرس رقم 7 المجاور له فيتسبب في تغيير وضعية الفك حيث تبرز الضروس المجاورة للأمام ما ينتج ألماً مزعجاً للمريض، وفي أحيان أخرى يكون الضرس مطموراً جزئياً، فيتجمع فوقه الطعام ويتلفه بسبب التسوس، لذلك يفضل استشارة الطبيب في الأمر بمجرد الشعور بألم في نهاية الفك، مع ملاحظة أن الخلع في حالات تكرار الالتهاب أفضل، وبالطبع يجرى خلعه جراحياً وخياطة الجزء المفتوح من اللثة حسب طول الجرح وعمقه.
مشاركة :