الحرية ليست مجرد شعار يردد أو عبارة تدون، بل جوهرها الحقيقي يكمن في الوعي والحكمة في تحقيق التوازن الذي يلبي تطلعاتنا، ويسيّر حياتنا، لأن مبادئها ترتكز على المساواة والعدل في كل شيء، طالما لم يكن به تعدٍ أو إساءة للآخرين، بسلام غايته الصلاح والاستقرار بدءا من أنفسنا مرورا بمحيطنا انتهاء بالمجتمع ككل، لأن التطرف والأنانية والبغضاء والعداء تشكل صراعات لا يمكن دون نبذ الأفعال الناتجة عنها نستطيع أن نحيا بسلام.لو تأملنا واقع الأحداث التي أساسها التطرف وتحديدا الفكري، نجدها نابعة من معتقدات وأفكار سُيّرت بالشكل الذي يرضي شعور الأنانية لدى المتطرفين، مبدأها السقيم أنهم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة والصواب في أي ما يفعلون ويقولون، وفي حقيقة الأمر أن لكل منا اعتقاداته وحقيقته الخاصة، ولكن لكي يتحقق السلام دون نزاعات أو صراعات نثبت فيها من المخطئ، علينا أن ندرك أهمية الوعي في احترام الاختلاف الذي وإن حصل لا بد السلام يحل محل الخلاف، بعقلانية دون إساءة لحرية قرار أو قناعة الطرف الآخر.كما أن كل شأن ليس بمعزل عن الشؤون الأخرى، بل هناك علاقة طردية أو تكاملية أو تبادلية، لكي يحقق غايته، سواء سلبا أو إيجابا، فالصراعات السياسية تبدأ من الفرد الذي قد شوهت أفكاره ومعتقداته فترجمت في سلوكياته وتصرفاته بالكراهية والانتقام والعدوانية، التي تصبح أدوات صراع المصالح التي يمكن أن تؤخذ أو تمنح بالسلام والحوار، وإبداء العليا منها، في سبيل إرساء قواعد العدل والإنسانية، حفاظا على استقرار المجتمعات وكرامة الإنسان ومصالحه الخاصة التي تلعب بها الظروف وفرص الحظ الناتجة من واقع استقراره أو ظلمه واضطهاده، لأن حرية حياته وقراره مرتبطة بتحقيق السلام أو انعدامه، ما يجعل مجتمعات النزاع تعيش حالات السوء والغضب والألم والوجع بشكل مستمر.وبينما هنالك صراعات المصالح العليا -بلا شك- توجد صراعات على مستوى الأفراد، بغض النظر عما يربطهم من علاقة أو مصالح، إلا أنها محدثة آثارها على الصعيد الاجتماعي والنفسي وحتى الصحي، ولو لم توجد، لما شرعت المحاكم أبوابها تستقبل قضايا نشأت بسبب الظلم والتعدي والنزاعات، التي لا تخلو من الانتقام والتحريض والفساد، ما يجعل الأفراد في صراع طويل الأجل ينعكس أثره على الصحة، بسبب معاناة التوتر والخوف والقلق التي شوهت طبيعتهم الإنسانية وسلبت طاقتهم التي لو سُخّرت لما يحل السلام ويعزز المبادئ الإنسانية وأخلاقيات الدين، بعيدا عن الانتقام والعدائية للآخر لما كانت أعداد إحصائيات ضحايا الأمراض النفسية في تزايد بسبب عداوات لا تنحسر، بل تنعكس على أجيال أطراف النزاعات، وتستمر العدائية بعيدا عن السلام والاعتدال والمحبة.بشكل أو بآخر نؤثر ونتأثر بدوامة صراعات تختلف حدتها أو أسبابها، ولكن قد نصبح من أدواتها حين نتخذ دور المتفرج المحايد الذي يعد حياده ظلما يعزز مشاعر الكراهية والتعصب والغضب، محدثا التفرقة داخل المجتمع الواحد صغر حجمه أو كبر.بعيدا عن التنظير، الإصلاح الحقيقي يبدأ من داخل أعماقنا، فكرا ونهجا، بإحياء السلام مع أنفسنا أولا، لأن الشخص المسالم على دراية ووعي بما يدور من حوله، لذا ليس من السهل تجده ينجرف خلف أفكار متطرفة أو عدائية صادرة عن ضحايا التطرف وشذوذ الفكر، بل يسمو بيقين المنطق وصواب السلوك بسلامه الفكري والروحي، والاعتدال وحرية القرار دون تبعية تجعله رهن إشارة من غوى شر أهوائه.
مشاركة :