اتفق وزراء مالية مجموعة العشرين أمس على أن المبالغة في الاعتماد على الأموال الرخيصة التي تتيحها سياسات نقدية ميسرة للبنوك المركزية لن يؤدي إلى نمو اقتصادي متوازن وأنه مع تعافي النشاط الاقتصادي فإنه سيتعين رفع أسعار الفائدة. وبحسب "رويترز"، فإن صيغة البيان الختامي لاجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية للمجموعة التي تضم أكبر 20 اقتصادا في العالم ترفض ضغوطا من الأسواق الناشئة لوصم زيادة متوقعة في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بأنها تشكل خطرا على النمو. وجاء في البيان "ستستمر السياسات النقدية في دعم النشاط الاقتصادي بما يتناسب مع التكليفات المنوط بها البنوك المركزية لكن السياسة النقدية وحدها لا يمكنها أن تقود إلى نمو متوازن". وأشار البيان الختامي إلى أنه في ظل تحسن الآفاق الاقتصادية فإن تشديد السياسات النقدية بات أكثر ترجيحا في بعض الاقتصادات المتقدمة. وأعربت دول مجموعة العشرين عن خيبة أملها حيال النمو العالمي على خلفية القلق من التباطؤ الاقتصادي في الصين. وأقر الوزراء والحكام في دول المجموعة بأن النمو العالمي لا يرضي توقعاتهم وفق مشروع بيان ختامي. وكتب المجتمعون في ختام يومين من الاجتماعات في أنقرة "لقد وعدنا باتخاذ تدابير حاسمة ليظل النمو الاقتصادي على الطريق السليم"، مبدين رغم كل شيء "ثقتهم" بأن "تتسارع" وتيرة هذا النمو ولكن من دون تحديد جدول زمني. إلى ذلك، التزم الوزراء والحكام الامتناع عن أي خفض تنافسي لقيمة العملة ومقاومة أي شكل من أشكال الحمائية. يأتي هذا التعهد بعد نحو شهر على خفض مفاجئ لقيمة اليوان الصيني ترك تداعيات سلبية في الأسواق والبورصات وكذلك على أسعار المواد الأولية، وترك عديد من الدول الناشئة عملاتها تتراجع مثيرة الخشية من حصول "حرب عملات". وبذلت الولايات المتحدة جهدا كبيرا لتضمين البيان الختامي عبارة "خفض تنافسي لقيمة العملة"، علما بأن مجموعة العشرين حرصت على تذكيرها بمسؤولياتها وإن بعبارات مبطنة. وأضاف البيان أن دول مجموعة العشرين تتعهد موازنة تحركاتها وتبادل المعلومات في شانها بتأن، خصوصا في إطار القرارات الكبرى للسياسة النقدية وغيرها بهدف تقليص أخطار العدوى. ومن الواضح أن هذه الرسالة موجهة إلى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي تترقب الأسواق والدول الناشئة أول قرار له برفع نسبة فائدته الرئيسية بعد أعوام من الاسترخاء النقدي. ويتوقع البعض خطوة من هذا القبيل في السابع عشر من أيلول (سبتمبر)، لكن الدول الناشئة تفضل تأخير هذا الإجراء خشية هرب الرساميل نحو عائدات أعلى في الولايات المتحدة. وفي مشروع بيانها، حذرت مجموعة العشرين أيضا من أن الارتهان الكبير للسياسة النقدية لن يؤدي إلى نمو متوازن. وأكد البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الفائت بدوره أنه لن يضع أي حدود لدعمه الاقتصادات الأوروبية، وعموما، فإن السياسات النقدية في العالم لم يسبق أن كانت سخية إلى هذا الحد. وجاء النص ثمرة تسوية بين معسكر المتفائلين والولايات المتحدة والأوروبيين، إضافة إلى الأطراف الأكثر حذرا مثل صندوق النقد الدولي والدول الناشئة. وإضافة إلى البرازيل وروسيا اللتين تشهدان انكماشا، فإن الليرة عملة البلد المضيف، تركيا، لامست لتوها سقفا متدنيا مقابل العملة الأمريكية عند ثلاث ليرات للدولار الواحد. من جهة أخرى، وعد مشروع البيان الختامي بإفساح مجال أكبر للدول الفقيرة في المناورات الكبرى التي تقودها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لحساب مجموعة العشرين، وذلك لمنع الشركات المتعددة الجنسية من التهرب من الضرائب. وتتعرض هذه المنظمة لانتقادات شديدة من جانب منظمات غير حكومية وناشطين على غرار جوزف ستيجليتز حامل جائزة نوبل للاقتصاد. وتنوي مجموعة العشرين أيضا التصدي لتمويل الإرهاب، خصوصا عبر "تسهيل" آليات تجميد الأصول. وشجعت المجموعة التي تستحوذ على 85 في المائة من الاقتصاد العالمي، الدول الغنية على زيادة جهودها التمويلية للتصدي للتبدل المناخي، وذلك استعدادا لمؤتمر نهاية العام في باريس. في سياق متصل، قالت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي "إن على الاقتصادات الكبرى في العالم تكثيف جهود الإصلاح لتعزيز النمو كي يتماشى مع الأهداف التي وضعتها هذه الاقتصادات العام الماضي بالاستعانة بسياسات نقدية تيسيرية وسياسة مالية واصلاحات هيكلية". وأشارت لاجارد إلى أنه بالنسبة إلى الاقتصادات المتقدمة من المتوقع أن يزيد النشاط الاقتصادي بدرجة متواضعة فقط هذا العام والعام المقبل، أما بالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة فإن التوقعات ضعيفة في 2015 مقارنة بالعام الماضي رغم تكهنات ببعض التعافي في العام المقبل. ومضت قائلة "إننا نحتاج إلى تضافر الجهود لمواجهة هذه التحديات بما في ذلك مواصلة سياسة نقدية تيسيرية في الاقتصادات المتقدمة وسياسات مالية تساعد على تحقيق النمو وإصلاحات هيكلية لتعزيز الإنتاج المحتمل والإنتاجية". وأوضحت لاجارد أنه من الضروري أيضا أن تزيد مجموعة العشرين جهودها لضمان تنفيد فعال وفي الوقت المناسب لاستراتيجياتها للنمو. وكان صندوق النقد قد حذر قبيل اجتماع مجموعة العشرين من أن تباطؤ النمو في الصين وزيادة التقلبات في السوق يعززان المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى عدد من المخاطر المحتملة مثل تخفيض قيمة عملات الاقتصادات الناشئة وهبوط أسعار السلع الأولية. ويبدو أنه يوجد إجماع داخل المجموعة على أن الاقتصاد الصيني سيواصل النمو بنسبة 7 في المائة سنويا في الأجل المتوسط. وقال بيير موسكوفيتشي مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي للصحفيين "إن الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم أبلغت كبار المسؤولين الماليين في مجموعة العشرين بأنها ملتزمة بمواصلة الإصلاحات الهيكلية ودعم النمو الاقتصادي". وأضاف موسكوفيتشي عقب الاجتماع أنه "خرج برسالتين من المداخلة التي أجراها لو جي وي وزير المالية الصيني في جلسة مجموعة العشرين، الأولى كانت الثقة بقدرة الصين على النمو ورغبتها في مواصلة الإصلاحات الهيكلية في الصين، والثانية كانت العزم الراسخ من جانب السلطات على فعل كل ما يلزم لتعزيز النمو". وأشار موسكوفيتشي إلى أن مجموعة العشرين تشعر بالثقة بوجه عام بشأن هذا. عبر البعض عن دعمهم للسلطات الصينية، حيث كانت تلك أجواء النقاش. ويبدو أن أعضاء المجموعة واثقون من أن تعافي الاقتصاد العالمي سيسير بخطى أسرع، ورجح المجتمعون أن يتم تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر في بعض الاقتصادات المتقدمة مع تحسن الاقتصاد. وفيما عبر بعض أعضاء المجموعة عن تأييدهم لزيادة سريعة في أسعار الفائدة الأمريكية طالب آخرون بتأجيلها.
مشاركة :