الإفلاس ليس قاصرًا على الفشل في تحقيق أرباح، أو خسارة ما لديك من رأس مال، هناك إفلاس فكري في استثمار ما لديك من تراث وحضارة عريقة يتطلّع العالم إليها كل يوم لاكتشاف أسرارها والمتعة في رحابها.الإفلاس والفشل يتجلّى في أخجل صوره حينما يكون لديك حضارة عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، ومواقع أثرية فريدة بطول البلاد وعرضها ولا تتمكن من الترويج لها بالأسلوب الأمثل الذي يُحقق لك عائدًا ماديًا يكفي رواتب العاملين بهذا القطاع الهام والحيوي، بل وتوفر المزيد من الأموال التي تدعم الاقتصاد القومي لبلدك بدلًا من النحيب على رواتب الموظفين في كل محفل أو مُناسبة.في بادرة عجيبة للترويج السياحي لآثار مصر ومواقعها التي تُعد إرث إنساني لا مثيل له في العالم، اعتمدت وزارة السياحة والآثار على عدد من المُدونين المجهولين، ليقوموا بمهمة الترويج لآثار مصر على مواقع التواصل الاجتماعي.روجت الوزارة لفكرة المُدونين وكأنها فتح مُبين سيقلب الدنيا رأس على عقب، فأصدرت البيانات وتحدث المسئولون، واستبشرنا خيرًا، ونشرنا ما أرسلته الوزارة، ولكن النتيجة كانت صادمة ومُخيّبة للآمال، وأثبتت فشلها الذريع.كانت وزارة السياحة والأثار أصدرت أمس السبت بيانًا صحفيًا تُعلن خلاله وصول مُدون تشيكي لمصر وجاء في نص البيان: "وصل مطار القاهرة، صباح اليوم السبت المدون التشيكي Adam Sebesta والذي يتمتع بنسبة متابعة مرتفعة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد جاء بناء على الدعوة التي وجهتها له وزارة السياحة والآثار متمثلة في الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي للقيام بزيارة تعريفية لمصر خلال الفترة من 6 إلى 21 فبراير.وأكد المهندس أحمد يوسف الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، أهمية هذه الزيارة للترويج لمصر في الأسواق المُصدّرة للسياحة والتي منها دولة التشيك، وكذلك لأهمية استضافة المُدونين كأداة ترويجية أصبح لها أهمية كبيرة في الوقت الحالي.وأوضح ماجد أبو سديرة رئيس قطاع السياحة الدولية بالهيئة أنه من المُقرر أن يتضمن برنامج الزيارة أهم المقاصد السياحية في كل من القاهرة والجيزة وشرم الشيخ، بالإضافة إلى العديد من الآثار اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ والكنائس بمنطقة ﻣﺼﺮ القديمة، وقد قامت الوزارة منذ بداية العام بدعوة المدونين من أوكرانيا والمملكة المتحدة وجمهورية التشيك.ليست الأزمة في استضافة أجانب للترويج للسياحة، ولكن الأزمة الحقيقية في ماهية هؤلاء المُدونون، وما هي جماهيريتهم؟، وهل سيحققون النتائج المرجوة من الدعوة والزيارة، وهل ترويجهم سيُغطي تكاليف ما سيتم إنفاقه عليهم من تكلفة لهذا البرنامج الذي يستغرق قرابة الخمسة عشر يومًا وفق ما أعلنت الوزارة؟؛ أمّ أن هذه المُبادرة سيكون مصيرها مثل سابقتها التي استخدمت ذات الآليات والأساليب، وكأننا أقسمنا أن نَجّرع كأس الفشل حتى أخر قطرة.أصدر الوزارة بيانًا في الخامس من فبراير الجاري جاء فيه: "في إطار خطة وزارة السياحة والآثار لتنشيط حركة السياحة الداخلية والترويج لمبادرة "شتي في مصر"، دعت الوزارة مجموعة من المدونين والمؤثرين المصريين، لزيارة عدد من المدن السياحية المصرية للترويج لها عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي"، بينما تردد بقوة أن المُبادرة لم تلق أي نجاح بسبب الفنادق التي لم تقدّم أسعارًا مغرية للنزلاء المتوقعين، وهو ما يؤكد أن دراسة المبادرة لم تكن متكاملة.المثير للدهشة أن أحدًا لا يعرف هؤلاء المُدونين والمؤثرين المزعومين، لم يعرفهم أحد إلا من خلال المبادرة، وكأن المُبادرة كانت لتسليط الضوء عليهم لتقديمهم للمجتمع، وليس العكس، وننتظر من وزارة السياحة والآثار أن تُطلعنا على المبالغ المالية التي انفقتها على كل من المُبادرتين، وكذلك أعداد الزيارات، والعائدات المادية التي حققتها من المُبادرتين سواء داخل مصر أو عالميًا.كان حرّي بوزارة السياحة والآثار - إن كانت تهدف إلى تُحقيق نجاح ملموس بعيدًا عن اللقطات والشو - أن تتجه لدعوة عارضات الأزياء الشهيرات، أو الممثلين العالميين، أو نجوم كرة القدم، وغيرهم من المؤثرين الحقيقيين، حينها فقط كانت المبادرة والزيارات ستؤتي ثمارها.المدون التشيكي Adam Sebesta الذي قالت وزارة السياحة والآثار في بيانها المُرفق مع التقرير، أنه يتمتع بنسبة مُتابعة مرتفعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يُحقق نسبة مشاهدة على موقع فيسبوك، وأقصى منشور له حقق أقل من 65 تفاعل بعد أكثر من 14 ساعة على نشره.السؤال لمسئولي السياحة والآثار، أليس منكم رجل رشيد؟ متى ستُفكرون بشكل أفضل؟ متى سيكون لديكم رؤية ووجهة نظر فعّالة؟ متى تستثمرون ما لديكم من موارد، وما يتم تسخيره لكم من إمكانيات بشكل فعال ليعود بنتائج مثمرة لبلدنا؟ بعيدًا عن الإنجازات التي نسمع عنها ولا نراها على أرض الواقع.
مشاركة :