هل لا بد أن نتحدث كثيرا؟

  • 2/8/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إن طغيان الشخصية الانبساطية على أنها تمثل الشخصية المثالية ليس أمرا حديث العهد، فمنذ القدم كانت الحضارات ترفع من شأن المتمتعين بمهارة وملكة الخطابة، وازدادت حدة الأمر مع بداية الستينات وبدء انتشار كتب الثقة بالنفس والانفتاح على الآخرين مثل «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر على الآخرين» لمؤلفه ديل كارنيجي وهو من أكثر الكتب مبيعا فى العالم فقد بيع منه أكثر من 16 مليون نسخة حول العالم وترجم إلى العديد من اللغات، وما زال متربعا على قوائم أكثر الكتب مبيعا في عالم الأعمال، ويمثل معلما رئيسيا على أرفف المكتبات والمطارات، وما زال المعهد الذي أسسه ويحمل اسمه يقدم مئات البرامج للتدريب على القدرة على امتلاك المهارات الذكية للتواصل بسلاسة، وازدياد عدد المعاهد المماثلة والمحاضرات في أنحاء العالم، لكن تلك «المهارات الذكية» تنطوي أحيانا على شدة التظاهر الكاذب وإخفاء حقائقنا بدون أن يشك أحد فينا، وأن نتعلم التحكم في أصواتنا ولغة أجسادنا حتى نتقن الرواية ونبيع القصة التي نريدها ونتمكن من إتمام الصفقة، انطلاقا من العناوين الرئيسية المتواجدة في بعض الكتب على شاكلة، «كيف تجعل الناس تنفذ رغباتك وهم سعداء»، «كيف تجعل الآخر ينبهر من أول دقيقة»، مما يدعونا لطرح تساؤل مهم عن كيفية انتقالنا من التركيز على الطبع إلى التطبع والادعاء، دون أن نعي بأننا ضحينا بشيء مهم خلال ذلك، وتمت برمجتنا على مفاهيم سطحية بأننا لن نكتسب النجاح إلا بالجرأة والانفتاح وكثرة الانخراط، وأن نكون سعداء يعني أن نكون اجتماعيين، وهذا يزيد من كمية المعاناة التي تعانيها الشخصية الأنطوائية في مجتمع يدفع الكل دفعا إلزاميا بأن يكون اجتماعيا، لاعتباره بأن الشخصيات المثالية هي الاجتماعية أو الانبساطية، مما يجعل الشخصيات الخجولة أمام خيارين صعبين أحدهما الانكفاء والانعزال والشعور بالغربة، أو الشعور الأسوأ بإحساسه أنه على خطأ بسبب المعاملة التي يلاقيها الشخص الانطوائي على أنه مرض لا بد من التخلص منه.. وثانيهما الخروج من نطاق راحته وشخصيته ومحاولة الادعاء بأنه شخص اجتماعي مما يتسبب بعد فترة من الزمن بتأثيرات نفسية بعيدة المدى وإحساس الشخص بالاستنزاف بل وربما الاحتراق الذاتي للعبه دورا مصطنعا وبسبب كمية الجهد والضغوط الواقعة عليه في محاولته تصنع شخصية مستنسخة عن نفسه، ولقد شوهت الشخصية الانطوائية في أعين الأغلب من الناس لأنهم لم يفهموها حق فهمها، فالكثير من عظماء التاريخ كانوا في بدايتهم انطوائيين أو خجولين في مخالطة الناس، ومنفردين في معتزلهم عمن سواهم، وكان لهم عظيم الأثر على مجتمعهم الذين يعيشون فيه، لكننا تعلمنا دوما أن الأفضل هو المبادر والاجتماعي أو صاحب الكلام الذي لا يهدأ، وذاك الذي يكر ويفر ويقود مجموعات شتى، ونلوم ذلك الطفل المبتعد أو نرمقه بعين الرحمة والشفقة لأنه لم يخالطهم، أما من هو ليس قائدا لطبيعته فيتم اتهامه بضعف الشخصية، فقد درجنا على مفاهيم تربط بين السعادة والطبع الانبساطي أو الانفتاح الاجتماعي وتجعلنا تلك البرمجة نبخس حق الكثير من الانطوائيين المبدعين الذين ساهموا بقوة في المجتمع الإنساني.LamaAlghalayini@

مشاركة :