صـورة أمريكـا من هـجــمات 11 سـبـتـمـبر 2001 إلـى أحـداث 6 يـناير 2021

  • 2/9/2021
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أحداث عنف صادمة حدثت في مستهل أول عقدين من القرن الحادي والعشرين الحالي قبل أن تكون خاتمة العقدين أيضا في كنف العنف. تمثلت أحداث العنف الصادمة الأولى في الهجمات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2001 وأدت إلى إزهاق أرواح قرابة ثلاثة آلاف من الأبرياء.أما الحدث الثاني فقد تمثل في اقتحام مقر الكونجرس في مبنى الكابيتول في واشنطن يوم 6 يناير 2021 وهو ما ترك أثرا عميقا على الحياة الأمريكية. رغم الاختلاف الكبير بينهما، فإن ما حدث يوم 11 سبتمبر 2001 وما جد يوم 6 يناير 2021 مثل صدمة موجعة لنا. عشت على مدى أكثر من أربعة عقود في واشنطن ولم يسبق خلالها أن أثرت أحداث بمثل هذا الشكل في حياتنا اليومية وفي مدينتنا. فقد كانت صدمتنا كبيرة. غداة هجمات 11 سبتمبر 2001 وأحداث يوم 6 يناير 2021 تم تشديد الإجراءات الأمنية وهو ما أعطانا الانطباع بأن أجزاء من العاصمة واشنطن قد وضعت تحت الحكم العسكري. لقد أشعرنا الحدثان بمدى هشاشتنا وبأن حياتنا قد انتهكت، فالأمور التي كنا نظن أنها من المسلمات في حياتنا أصبحت غير آمنة ولا مضمونة. هناك فارق جوهري ما بين الهجمتين وهو يتمثل في طبيعة رد فعل نواب الكونجرس والقادة السياسيين. ففي يوم 11 سبتمبر 2001 كان منفذو الهجمات الإرهابية من الأجانب كما أن عدد الضحايا كان صادما. لذلك فقد توحد الأمريكيون بصفة عامة يومها. في خضم الشعور بعدم الأمان، وقف المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون في الكونجرس صفا واحدا من أجل تشديد الإجراءات وتوسيع نطاق إنفاذ القانون. كان ذلك ينطوي في الكثير من الأحيان على انتهاك الحقوق المحمية من دون أن يسهم في حماية الأمريكيين من أي هجمات إرهابية قد تستهدفنا مستقبلا. في خضم تلك الإجراءات المشددة تم ترحيل آلاف المهاجرين من العرب والمسلمين كما تم إخضاع آلاف آخرين للتفتيش الأمني ومنعوا من رحلاتهم على متن الطائرات كما فقدوا مواطن عملهم وفرصهم في العمل والسكن. فتح الباب على مصراعيه لمراقبة المواطنين الأمريكيين من أصل عربي وكذلك المقيمين من العرب، وذلك بدعم من كلا الحزبين.لم يوجه الجمهوريون والديمقراطيون في خضم تلك الظروف اللوم إلى الأطراف المعنية، بل إنهم أيدوا التشريعات والممارسات التي تستهدف العرب والمسلمين دون سواهم، وكأنهم سبب تلك الهجمات الشنيعة. نتيجة ذلك شعر الكثيرون في هذه الجاليات المستهدفة بالخوف لاعتقادهم بأن أطرافا في الرأي العام الأمريكي أصبحت ترتاب فيهم. فقد ازداد منسوب جرائم الكراهية وتفاقمت الممارسات التي تنم عن التمييز.خلال العقد ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، وخاصة إثر انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، أمعن الحزب الجمهوري في العزف على وتر هذا الخوف والريبة من العرب والمسلمين كما حول هذه المسألة إلى قضية حزبية في مختلف الانتخابات التي أجريت بعد ذلك. لقد أسهم استخدام الجمهوريين لورقة المشاعر الموجهة ضد المسلمين في تمهيد طريق الرئاسة لدونالد ترامب بعد حملة انتخابية رفع خلالها شعارات معادية للأجانب. على عكس هجمات 11 سبتمبر 2001، كانت الأحداث التي جدت يوم 6 يناير 2021 والتي تمثلت في اقتحام مبنى الكابيتول مسألة داخلية شاركت فيها مليشيات عديدة يمينية معادية للحكومة وقد تولت التنسيق للقيام بعملية الاقتحام. وكما نعلم، فإن الأجهزة الأمنية قد توقعت منذ البداية حصول أحداث عنف قبل حفل التنصيب لكن يبدو أنها كانت غير مستعدة لتلك الأحداث الكبيرة والتي أفضت إلى حالة من الفوضى العارمة. فمع توافد جحافل المشاغبين واقتحامهم مبنى الكابيتول أبدى المسؤولون بطئا في الرد واتخاذ الإجراءات اللازمة، وهو ما ترك جهاز الشرطة المكلف بحماية المبنى يواجه الغوغائيين بمفرده من دون أن تكون لديهم المعدات الكافية.كانت الصدمة كبيرة ونحن نرى بأم أعيننا مشاهد الغوغائيين وهم يقتحمون أروقة وقاعات الكونجرس ويهشمون النوافذ من أجل الدخول وينهبون المكاتب ويضربون رجال الشرطة ويرعبون نواب الكونجرس. كانت صدمتنا أكبر لأن الرئيس وابنه ومحاميه وأعضاء في الكونجرس هم الذين حرضوا على تلك الأحداث العنيفة وذلك سعيا لإسقاط نتائج الانتخابات. بعد وصول وحدات الحرس الوطني وقوات من مختلف دوائر الشرطة إلى المكان، تمكنوا من استعادة السيطرة على مبنى الكابيتول وإخراج الغوغائيين، وقد أسفرت تلك الأحداث عن سقوط خمسة قتلى وعشرات الجرحى والإضرار بالممتلكات، وهو ما أصاب الأمة الأمريكية بصدمة كبيرة. عقب تلك الأحداث العنيفة تم الإبقاء على بعض وحدات الحرس الوطني من أجل حماية الكابيتول وبقية المواقع الفيدرالية الأخرى. رغم الصدمة الكبيرة التي أصابتنا ونحن نشاهد مبنى الكابيتول، رمز ديمقراطيتنا، يستهدف لذلك الهجوم العنيف، فإن مظاهر الوحدة التي شعرنا بها يومها لم تعمر طويلا. فالجمهوريون الذين أيدوا مزاعم دونالد ترامب المتعلقة بتزوير الانتخابات تراجعوا بعض الشيء في البداية أمام هول أحداث العنف، كما أنهم أدانوا سلوك الرئيس السابق. لم تكد تمر أيام قليلة حتى عاد هؤلاء الجمهوريون أنفسهم إلى التعبير عن تأييدهم للسيد دونالد ترامب. لقد وحدتنا هجمات 11 سبتمبر 2001 لكن يبدو الأحداث التي جدت يوم 6 يناير 2021 قد أفضت إلى العكس تماما.عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 اندهشت كثيرا لأن الكثير من المعلقين والمحللين والقادة السياسيين قد زعموا أن ذلك الهجوم الإرهابي مثل «خطر وجوديا» يتهدد بلادنا، الولايات المتحدة الأمريكية. كان ذلك الكلام مجرد هراء لا معنى له، فأيديولوجية تنظيم القاعدة أو الخسائر البشرية الفادحة التي نجمت عن تلك الهجمات لم تمثل أي تحد لقيمنا الراسخة التي تلهمنا في حياتنا، بل إن سياسات مكافحة الإرهاب، والتي انطوت على الكثير من مظاهر التمييز، هي التي مثلت الوقود لشن «حرب لا تنتهي على الإرهاب». تلك السياسات هي التي مثلت خطرا وجوديا يهدد الولايات المتحدة الأمريكية.لعل ما يحز في النفس أنه نادرا ما يتم استخدام عبارة «التهديد الوجودي» في وصف هجوم الساسة الجمهوريين والغوغائيين الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، رغم أن هذه العبارة تنطبق عليهم فعلا.لا يزال 70% من الناخبين الذين صوتوا لدونالد ترامب يعتقدون أن نتائج الانتخابات الرئاسية قد تعرضت للتزوير، كما أن أولئك الذين حرضوا على تلك الأعمال بهدف قلب النتائج الانتخابية الشرعية لم يواجهوا أي تبعات تذكر، رغم أننا واجهنا خطرا وجوديا ذا أبعاد تاريخية. عندما حدثت هجمات 11 سبتمبر 2001 اهتز أمننا وتعرضت حقوقنا للتضييق والانتهاك، غير أن ديمقراطيتنا هي التي كانت مهددة في الصميم لدى اقتحام مبنى الكابيتول يوم 6 يناير 2021.‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :