المنتصرة بكل تواضع وغرور

  • 2/9/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

(الجواري) في التاريخ الإسلامي هن حقيقة مؤكدة، سواء شئنا أم أبينا، وهذا لا يقلل من شأن تاريخنا، لأن تلك الظاهرة القديمة كانت تنسحب على كل الشعوب والملل في العالم تقريباً - وإن اختلفت أشكالها.والجارية قد تكون خادمة، ولكنها أيضاً قد تكون مغنيّة أو شاعرة، بل وقد تكون زوجة لمالكها أو معتقها، وأكثر من ذلك؛ هناك جوارٍ تزوجهن الخلفاء، وأنجبن الخلفاء، وعلى هذا هن لعبن دوراً لا ينكَر في الحياة الاجتماعية؛ بل والسياسية، ابتداءً من المرحلة الأموية، مروراً بالعباسية، إلى الأندلسية، إلى الفاطمية، إلى الأيوبيّة، إلى المملوكية، إلى العثمانية - وهلمّ جراً.وأصطفي في حديثي اليوم جارية يقال لها (فضل العبّدية)، كانت في يد (المتوكل العباسي) عام 233 هجرية، وهي شاعرة مفوهة.وهامت هي عشقاً في (سعيد بن حميد) وهو أحد كتّاب الدولة العباسيّة، فعزم مرّة على السفر، فقالت له:كذبتني الود إن صافحت مرتحلاً/ كف الفراق بكف الصبر والجلدلا تذكرن الهوى والشوق لو فجعت/ بالشوق نفسك لم تصبر على البعدوأوعز المتوكل يوماً للشاعر (علي بن الجهم) أن يختبر شاعريتها، فقال لها هذا البيت الصعب القافية:لاذ بها يشتكي إليها/ فلم يجد عندها ملاذافأجابته سريعاً وعلى السليقة:ولم يزل ضارعاً إليها/ تهطل أجفانه رذاذافعاتبوه فزاد عشقاً/ فمات وجداً فكان ماذا؟!فضحك المتوكل قائلاً: لقد انتصرت عليك الفضل يا ابن الجهم.فردت عليه بكل تواضع وغرور وهي تقول: أنا دائماً منتصرة يا مولاي... ولا فخر. وبما أن (العين بحر)، مثلما يقولون، فقد عتب وغار عليها حميد في إحدى جلسات الطرب عندما لاحظ اختلاسها النظر للمغنّي (بنان)، فلامها بذلك، وردت عليه تعتذر:يا من أطلت تفرسي/ في وجهه وتنفسيأفديك من متدللٍ/ يزهى بقتل الأنفسهبني أسأت وما أسأت/ بلى أقر أنا المسيأحلفتني ألا أسارق/ نظرةً في مجلسيفنظرت نظرة مخطئٍ/ أتبعتها بتفرسونسيت أني قد حلفت/ فما عقوبة من نسي؟!ومن أجمل أشعارها ما قالته كأنها تبوح بما بنفسي من (التوعك العاطفي) المحبب:لأكتمن الذي بالقلب من حرق/ حتى أموت ولم يعلم به الناسولا يقال شكا من كان يعشقه/ إن الشكاة لمن تهوى هي الياسولا أبوح بشيء كنت أكتمه/ عند الجلوس إذا ما دارت الكاس لم يكذب الشاعر البدوي عندما قال: الحب قطّع قلوب البعارين/ حتى الحمير السايبة ما عتقها.

مشاركة :