تونس عالقة في معركة ليّ أذرع بين رأسي السلطة

  • 2/10/2021
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - ينتظر 11 وزيرا في تونس مباشرة مهامهم منذ 25 يوما، بينما يحتدم الخلاف السياسي بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد من جهة والبرلمان ورئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة أخرى وسط أزمة صحية حادة.ولم يؤدي الوزراء مهامهم بعد بسبب عدم أداء اليمين الدستورية أمام رئيس الدولة الذي عبر عن تحفظه ورفض أن يؤدي بعض الوزراء اليمين أمامه، مبررا رفضه بأن بعض الأسماء حولها شبهات فساد وتضارب مصالح.وتأتي هذه الأزمة بين رأسي السلطة في ظل غياب المحكمة الدستورية التي تعثر تشكيلها منذ سنوات بسبب خلافات على أعضائها في السابق طبعت مرحلة من التجاذبات السياسية والحزبية.والمحكمة الدستورية هي الهيئة القضائية المخولة للنظر في مثل هذه الخلافات دون غيرها، فيما يرخي هذا الفراغ الدستوري بثقله على الأزمة الحالية المرشحة للتصاعد والتي أعادت إلى الواجهة معركة الصلاحيات المكتومة.وكان رئيس البرلمان الذي هو رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي قد طرح مؤخرا تغيير النظام السياسي الحالي من نظام مزدوج هجين) عالق بين برلماني ورئاسي، إلى نظام برلماني بصلاحيات واسعة لرئيس الحكومة على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية منصبا شرفيا.وجاء مقترح الغنوشي الذي تعتبر حركته من ضمن الحزام السياسي لحكومة هشام المشيشي في خضم أزمة التعديل الوزاري الذي قام به الأخير قبل أقل من شهر.وفي السابق كانت النهضة تدعم النظام السياسي الحالي، لكن بعض السياسيين أشاروا إلى أنها أيضا تتلون في مواقفها حسب مصالحها وأنها لم تكن تمانع تغيير النظام إلى رئاسي بصلاحيات واسعة ضمن طموح في أن تتولى شخصية منها رئاسة الدولة.وحسب الدستور التونسي للعام 2014، فإنه في حال شغور منصب الرئاسة بسبب مرض الرئيس أو عجزه أو وفاته تؤول الرئاسة لرئيس البرلمان لمدة محددة يجري فيها الإعداد لانتخابات رئاسية وهو الحال الذي شهدته تونس حين توفي الرئيس الباجي قائد السبسي في 25 يوليو/تموز 2019 وآل المنصب إلى رئيس البرلمان حينها محمد الناصر من تاريخ وفاة قائد السبسي حتى 23 أكتوبر 2019.ومن بين المغادرين (لحكومة المشيشي في التعديل الوزاري الأخير) وزراء الداخلية والصحة والعدل، بينما تواجه البلاد موجة شديدة من وباء كوفيد-19 واضطرابات اجتماعية منذ يناير/كانون الثاني تزامنا مع الذكرى العاشرة لثورة 2011 التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.وتنتهج البلاد منذ ثورة 2011 نظاما سياسيا هجينا بين البرلماني والرئاسي ما ساهم في تعميق الخلافات بين رأسي السلطة في ما يتعلق بالصلاحيات الدستورية.وأعلن رئيس الحكومة الذي كلفه سعيّد بتشكيل حكومة غير متحزبة خلفا لحكومة الياس الفخفاخ، في 16 يناير/كانون الثاني تعديلا شمل 11 وزيرا بطلب من أحزاب الحزام السياسي وهي الأحزاب الداعمة لحكومته (حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس).وجاء التعديل في قلب أزمة صحية والبلاد تسجل عشرات الوفيات يوميا بسبب فيروس كورونا.وفي مؤشر على تعقد الأزمة، التقى المشيشي الأربعاء مجموعة من خبراء وأساتذة القانون الدستوري الذين أكدوا وفقا لنص بيان رئاسة الحكومة على أن "المسألة سياسية وبالتالي تحتاج لحلول سياسية".في المقابل، اجتمع سعيّد وهو أستاذ جامعي في القانون الدستوري، مع ممثلين عن البرلمان وعبّر عن تمسكه بموقفه الرافض للتعديل الوزاري. وقال في مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية "هذا التحوير فيه العديد من الخروقات".وسعى المشيشي عبر التعديل للخروج من عزلته السياسية ودعم غالبيته في البرلمان المؤلفة أساسا من حزب النهضة ذي المرجعية الإسلامية وحليفه قلب تونس الليبيرالي وكلاهما يخوضان صراعا سياسيا حادا مع سعيّد.ونال وزراء المشيشي في 27 يناير/كانون الثاني ثقة البرلمان بالرغم من تحفظ سعيّد الذي ينتقد المسار "غير الدستوري" في التعديل ويتحدث كذلك عن شبهات بالفساد وتضارب المصالح تحوم حول بعض الوزراء بالإضافة إلى غياب تمثيل المرأة.ومنذ مصادقة البرلمان على التعديل، لم يرسل سعيّد دعوة رسمية للوزراء لأداء اليمين في قصر قرطاج ولم يصدر المرسوم الرئاسي لتعيينهم في مناصبهم.ونشرت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية والمتخصصة في ملفات الفساد، تقريرا استقصائيا بيّنت فيه أن وزير الصحة المقترح الهادي خيري تحوم حوله شبهات بالفساد في ملف قضائي تورط فيه شقيقه في قضية قتل مواطن في 2019 وأنه وظف علاقاته للتأثير على مسار القضية.أما وزير الطاقة المقترح سفيان بن تونس المقرب من حزب "قلب تونس"، فقد قام، وفق المنظمة، بعملية وساطة في التوقيع على عقد أداء خدمات استشارية وترتيب لقاءات مع سياسيين أميركيين لدعم الحملة الانتخابية الرئاسية لرئيس الحزب نبيل القروي، بينما هناك شبهات بتضارب في المصالح بحق الوزير المقترح للتشغيل يوسف فنيرة عندما كان يشغل منصبا في تلك الوزارة وقد قامت شركة خاصة تملكها شقيقته وأمه بتقديم خدمات للوزارة ولم يتم الإعلام بذلك، وفق ما جاء في تقرير "أنا يقظ".ولم تنجح وساطة قام بها نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل (أكبر مركزية نقابية في تونس) لحلحلة الخلاف، في غياب بوادر انفراج.وليست هذه المرة الأولى التي تتضارب فيها مواقف رأسي السلطة في تونس التي أرست دستورا يقرّ نظاما سياسيا برلمانيا مزدوجا، ما نتج عنه شلل في مؤسسات السلطة.وسعيّد المستقل أستاذ في القانون الدستوري انتُخب بغالبية كبيرة في عام 2019 في إطار رفض شعبي للسياسيين الذين يحكمون البلاد منذ العام 2011 "يهدف إلى إفشال النظام السياسي"، وفق المتخصصة في العلوم السياسية نسرين جلايلية التي تتساءل "هل يملك الوسائل لإسقاط النظام الحالي؟".وتقول جلايلية إن "النهضة" لا ترغب في تغيير الوزراء المقترحين لأن ذلك سيضعف من تحالفها مع حزب قلب تونس الذي يساعدها خلال عمليات التصويت في البرلمان لرفض عرائض سحب الثقة التي تتقدم بها الأحزاب في كل مرة لعزل رئيس البرلمان رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.وبسبب التجاذبات السياسية، لم تتمكن الأطراف السياسية في تونس منذ ست سنوات من إرساء المحكمة الدستورية المخولة حصرا النظر في الخلافات التي تنشب بين السلطات.ولجأ المشيشي للخروج من الأزمة، إلى القضاء الإداري الذي أعلن أن رأيه سيكون "استشاريا" فقط وغير ملزم.ومن شأن هذه التجاذبات السياسية أن تمعن في إضعاف مسار الانتقال الديمقراطي الذي تنتهجه البلاد منذ الثورة. وتونس هي البلد الوحيد الذي تمكن من مواصلة مشواره بسلام مقارنة بالدول الأخرى التي شهدت ما يسمى "بالربيع العربي".ويأتي هذا الصدام السياسي "في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة" لمواجهة أزمة اقتصادية حادة وغير مسبوقة، حسب الباحث في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري.ويتوقع أن يسجل قطاع السياحة الذي يمثل 14 بالمئة من الناتج المحلي الخام تراجعا بنسبة 9 بالمئة، وفقا لتقديرات البنك الدولي.وتشهد البلاد كذلك ارتفاعا كبيرا في عدد المهاجرين بطريقة غير قانونية إلى أوروبا في رحلات سرية عبر البحر الأبيض المتوسط.وعلى سبيل المثال كان رئيس حركة النهضة قد أعلن في خضم الحملة الانتخابية أن حركته لن تتحالف أبدا مع حزب قلب تونس الذي تحوم حول رئيسه نبيل القروي، شبهات فساد وكذلك أعلن الأخير أن حزبه لن يتحالف مع حركة النهضة لأن مصير كل من يتحالف معها هو الفشل.لكن في انقلاب مفاجئ على تلك المواقف المعلنة، دفعت حركة النهضة لإسقاط حكومة إلياس الفخفاخ لأنه رفض توسيع حكومته لتضم حزب قلب تونس وتمسك بـ"حكومة الرئيس" (قيس سعيد الذي يرفض مشاركة أحزاب حولها شبهات فساد أو من حزب يعتبر امتدادا لحزب الرئيس الراحل بن علي التجمع الدستوري المنحل الذي حكم تونس طيلة 23 عاما.  وتثير الأزمات السياسية في البلاد قلق المانحين الدوليين الذين تعوّل عليهم تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية وتلك المتعلقة بتمويل الموازنات العامة منذ عام 2011.وتراجعت ثقة التونسيين بالأحزاب السياسية في ظل مواقف متقلبة وما بات يعرف أيضا بالسياحة الحزبية (انتقال نواب انتخبوا على أساس برنامج معين إلى أحزاب أخرى) وكذلك بسبب التحالفات المثيرة للشبهة.ولا تبدو في الأفق أي بوادر لنهاية الانسداد السياسي الحالي الذي تحول إلى معركة ليّ أذرع بين الرئيس سعيد ورئيس وزرائه المشيشي وحزامه السياسي.وكان سمير ديلو القيادي في النهضة والذي يعارض إلى جانب العشرات من قياديي الحركة، استمرار الغنوشي على رأس الحركة الإسلامية، قد قدم رؤية اعتبرها شق من السياسيين والمحللين واقعية وهي أن يبادر الوزراء المعنيون بشبهات الفساد وتضارب المصالح من تلقاء أنفسهم إلى الاعتذار عن مناصبهم وبذلك يمكن حل الأزمة وتجنيب المشيشي حرجا محتملا.وتشهد تونس اضطرابات اجتماعية من حين إلى آخر بسبب تردي الوضع الاقتصادي وانشغال منظومة الحكم في خلافات جانبية تقفز على مطالب ملحة من تنمية وتشغيل وتحسين للأوضاع المعيشية.وتدهورت المقدرة الشرائية للتونسي في سنوات ما بعد الثورة نتيجة فشل الحكومات المتعاقبة في اعتماد رؤية اقتصادية واضحة ونموذج تنموي واقعي لإنعاش الاقتصاد.ويتهم شق واسع من التونسيين منظومة الحكم القائمة بالفساد، معتبرين أنها باتت تحت سيطرة لوبيات الفساد ورهينة الخلافات والصراعات الحزبية من أجل مصالح شخصية.وغرق البرلمان التونسي الذي يفترض أن نوابه ممثلون للشعب ومصالحه، في صراعات ومناكفات وخصومات عادة ما تهيمن على جلساته.وتواجه حركة النهضة الإسلامية التي تهيمن على الحكم منذ فترة ما بعد الثورة انتقادات حادة حتى من داخل معسكرها، حيث يحملها سياسيون وقادة انشقوا عنها مسؤولية الانقسامات والأزمات المتراكمة.

مشاركة :