أكد الدكتور أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية والخبير في شئون المياه، أن الحياة على الأرض نشأت مرتبطة بالماء، مشيرًا إلى أن علماء الفلك عندما يذهبون إلى كواكب أو عوالم أخرى فإنهم يستدلون على وجود الحياة بها بوجود الماء في حاضر هذه الكواكب أو في ماضيها.وأضاف أن حضارات السومريين والبابليين والآشوريين والفينيقيين والفراعنة، والحضارات المختلفة التي ظهرت في التاريخ الإنساني نشأت على أساس المياه وفي أحواض الأنهار، كذلك فإن المدن التاريخية الكبرى ازدهرت على ضفاف الأنهار، فبغداد ودمشق والقاهرة ولندن وباريس وبرلين، بُنيت على ضفاف دجلة، والفرات، والنيل، وبردى، والتيمس، والسين، والراين على التوالي.وقال في ندوة للرأي عقدت مساء الثلاثاء الماضي، بمبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون تحت رعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بالتعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف والهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني، وأدارها الإعلامي عمر حرب، ودارت حول: "الماء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة" قال: لو نظرنا إلى الكرة الأرضية سنجد أنها تتكون من 71% ماء، 29% يابس، وأن 97% من الماء الموجود في الكرة الأرضية هو ماء مالح، وأن الماء العذب يمثل 3%؛ (2% في صورة ثلوج وجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، و1% أنهار وبحيرات عذبة).وأشار سليمان إلى أن الماء يتنوع إلى عدة أنواع:أولا: من حيث ملوحته وعذوبته، إلى ماء مالح في البحار والمحيطات، وماء عذب في الأنهار والجداول وفي القطبين.ثانيا: من حيث حالته، يتنوع إلى حالات ثلاث: الأولى: الصلبة (الثلج)، الثانية: الغازية (البخار)، والثالثة: السائلة.ثالثا: ومن حيث الأماكن التي يوجد فيها، فإنه يتنوع إلى ثلاثة أنواع: المياه (الجوية)، والمياه (الجوفية)، والمياه السطحية، فالماء إذًا موجود في السماء، وفي باطن الأرض، وفي سطحها.وأوضح أن المياه الجوية تقدر بنحو 12.900 ألف كليو متر مكعب من المياه في السماء في صورة سحب، وأن المياه المالحة الموجودة في البحار والمحيطات قدَّرها العلماء بنحو 1 مليار 380 مليون كليو متر مكعب من المياه تقريبًا، مؤكدًا أن هذه الكميات الضخمة جدَّا من المياه المالحة؛ كأن الله تعالى أراد من خلالها أن يطمئننا على مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة وتأمين حاجتها من المياه.وتحدث "سليمان" عن عدة جوانب من إعجاز الله تعالى في خلق المياه وحفظها، حيث حفظ الماء بثلاث آليات: الأولى: حفظ الماء بالتجمد في القطبين الشمالي والجنوبي، والثانية: حفظ مياه البحار والمحيطات بإضافة الملح إليها لحفظها من الفساد، والثالثة: حفظ الماء العذب بجريانه في إطار حركة دائبة، لا تنقطع أبدًا، سواء أكان الماء صاعدًا من الأرض إلى السماء في صورة بخار، أم معلقًا في السماء في صورة سحاب، أم نازلا من السماء إلى الأرض في صورة أمطار، أم منسابًا على سطح الأرض في صورة أنهار، أم عندما يصل جريانه إلى الأعماق؛ ليسلك طريقه إلى جوف الأرض.وقال إن القرآن الكريم تحدث عن الدورة المائية بمنتهى الدقة قبل علماء الغرب بنحو 1400 عام، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يأمر الشمس أن ترسل أشعتها على المسطحات المائية الكبيرة في البحار والمحيطات، فتتكثف بعضها نتيجة سخونة سطح الماء، وتتحول إلى بخار ماء يتصاعد إلى السماء، ومن عظيم منحه تعالى أنه جعل درجة حرارة طبقات الجو العليا على ارتفاع 10 كليو متر من سطح البحر جعلها (-60) ستين درجة تحت الصفر، ولولا هذا الانخفاض لما تكونت السحب، ولما استفدنا من بخار الماء المتصاعد للسماء، ثم يأمر الله بتجمع البخار ليصير سحابا، يرسل الله الرياح لتحرك السحاب وتسيّره حيث يشاء جل وعلا، ثم يأمر الله السحاب بأن ينزل ماءه في المكان والزمان اللذين يريدهما جل وعلا، فيسقط على الأرض، أو على النباتات، أو على الجبال، أو على مناطق متعددة؛ لتأمين رزق المخلوقات في كل زمان ومكان، تحقيقا لقول الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)، ومن لطف الله بالمخلوقات أنه جعل البخر من أسطح البحار والمحيطات يفوق بكثير جدًّا ما يسقط فوقها من مطر، وأن المطر فوق اليابسة يزيد على البخر من سطحها، ثم يعود الماء من الأرض للبحار والمحيطات بقدر الله ونظامه الدقيق الذي يحقق توازن الكون، ولولا هذه الدورة لفسد ماء الأرض كله، ومن رحمة الله أيضا بالمخلوقات أنه جعل (السحاب) سببًا في منع معظم الأشعة (تحت الحمراء) الوافدة إلى الأرض من الخارج..ومن لطفه وإعجازه أنه جعل الماء يسير في وضع رأسي أبطأ عشر مرات من سَيْره في وضع أفقي؛ حتى ترتوي جذور النباتات، والأشجار، والمزروعات، وتأخذ حظها وكفايتها من الماء؛ ولولا ذلك لما استفادت من الماء ولتَسرب إلى باطن الأرض سريعا سريعا دون أن يستفيد منه النبات، وهكذا فإن الإعجاز الرباني في خلق الماء يضع البشرية أمام مسؤوليتها نحو خالقها.وقال عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: إنه على الرغم من أن توزيع المياه العذبة في العالم يوحي بالغرابة، حيث تمتلك البرازيل وحدها نحو 19% من مياه الأنهار العذبة في العالم، وتحظى روسيا بـ: 13%، وأمريكا بـ: 9%، والصين بـ: 9%، وكندا بـ: 9%، في حين يبلغ نهر النيل (الذي يمر في 11 دولة) يبلغ 0.3% (ثلاثة من عشرة في المائة فقط من المياه العذبة في العالم)، على الرغم من ذلك كله، فإن الله سبحانه وتعالى جعل المياه الجوفية تشكل نحو 24% من إجمالي المياه العذبة في العالم، لتكون مستودعًا كبيرًا للمياه العذبة والمورد الأساس للمياه في كثير من بلدان العالم الصحراوية التي تفتقر إلى الأنهار.. ومن رحمات الله بالمخلوقات أنه يؤمن لهم رزقهم من الماء فتجد أعوامًا فيها كثرة كثيرة من الأمطار؛ حتى تمتلأ الخزانات الجوفية بقدر الله وقدرته.وطالب بضرورة الاتجاه إلى البحار والمحيطات للحصول على الغذاء وتعظيم الاستفادة من خيرات الله فيها، فرياح الأمل تهب من البحار، ذلك أن البحر مخزن عظيم لأنواع الطعام المختلفة.. فعلى الرغم من أن الدراسات الحديثة أثبتت أن البحر في حالته الطبيعية ينتج -في كل جزئية منه- بقدر ما تنتج اليابسة من الغذاء للبشر، إلا أن الإنسان لا يأخذ من مصادر المياه المالحة سوى 1% تقريبًا من حاجاته الغذائية؛ ومن ثم فلا بد أن نوجه طاقاتنا وإمكاناتنا إلى البحر، ونعامله بالأساليب الحديثة كمزرعة عظيمة تُعطى الأمل الكبير في انفراج أزمة الغذاء، وتسعد ملايين البشر!وتحدث "سليمان" عن التحديات التي تواجه المياه في مصر، وهي تحديات طبيعية واجتماعية واقتصادية وسياسية، فعلى الرغم من موقعها المتميز حيث تقع في ملتقى القارات، فإن مصر ومنطقتنا العربية تقع في المناخ الجاف أو شبه الجاف الذي تنعدم فيه الأمطار، مشيرًا إلى أن 95% من مياه مصر تأتي من خارجها (85% تأتي من النيل الأزرق من إثيوبيا، و15% تأتي من النيل الأبيض)، وهناك تحديات اجتماعية تتمثل في ضعف الوعي والإسراف والتبذير في ظل نقصان نصيب الفرد في مصر من المياه عن المتوسط العالمي 2000 متر مكعب في العام إلى 800 متر مكعب فقط.وعرَّج على التحدي الاقتصادي مبينًا أن محطات التحلية ونظم الري الحديثة وتبطين نهر النيل والتـرع والقنوات تحتاج إلى مليارات من الدولارات، وأشاد بجهود السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة في تبطين الترع والقنوات وإدخال نظم الري الحديثة، وبناء محطات التحلية والتوسع فيها، ولفت إلى التحديات السياسية المتمثلة في السدود على منابع نهر النيل مؤكدًا أن مصر قامت على النيل، وعاشت على النيل، وستعيش على النيل، ومصر دولة كبيرة، وقوية، وعظيمة، ولها قيادة سياسية حكيمة وقادرة على التعامل مع هذه التحديات بما لا يخل بحقوق مصر ودول حوض النيل.
مشاركة :