جمال زقوت يكتب: ما بعد حوار الفصائل و استمرار تغييب المواطن

  • 2/11/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شهدت القاهرة خلال اليومين الماضيين حواراً لممثلي جميع الفصائل الفلسطينية، سواء تلك المهيمنة على المشهد السياسي وصاحبة الولاية الرئيسية على الأزمة الوطنية، أو تلك التي لم يَعد لها تأثير سوى بالقدر الذي تدور فيه بفلك حالة الاستقطاب الانقسامية، وما يوفره لها نظام الكوتا الفصائلية الذي بات عبءًا على الشعب والمجتمع وأحوال الناس ومستقبلها. في الحقيقة إنهم يجلسون على طاولة حوار يغيب عنها المواطن ومصالحه و قضاياه؛ تماماً كما كان الانقسام الذي استمر خمسة عشر عاماً على حساب هذه المصالح و القضايا، بل ومصادرة الأمل من قلوب المواطنين وإضعاف قدرتهم الذاتية على الصمود. هؤلاء القادة، وبعد أن فقدوا شعورهم بالشرعية التاريخية التي وفرتها مرحلة الثورة والمقاومة، وغياب شرعية الانجاز لسوء الإدارة وغياب المساءلة والتفرد الذي كرسته حالة الانقسام، بالإضافة إلى تآكل شرعية الانتخابات التي استخدمت لاحتكار المشهد حتى تآكل وتهتكت معه وحدة النسيج المجتمعي، ومعظم القيم الإيجابية التي راكمها الناس في رحلة كفاحهم الطويلة بحثاً عن الحرية والحياة. يلتقي هؤلاء القادة ويبدو أن هدفهم الوحيد هو التوافق على ترتيبات معينة، ليس من أجل وحدة البلد ومؤسساته القانونية والخدماتية، أو إعلاء شأن المواطن وتمكينه من استعادة دوره وقدرته على الصمود، بل ربما أن هدفهم الحصري هو تشريع الوضع القائم بمضمونه وشخوصه وبكل تداعياته الخطيرة على حياة المواطنين دون أي مؤشر لمعالجة مسؤولة لأحوال البلاد والعباد، وبما يُعيد مكانة المواطن لمركز العملية الوطنية في مواجهة الاحتلال والاستيطان وكل مكونات مشهد الاستعمار العنصري. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا الآن؟! هل هي الصحوة إزاء المخاطر الجدية التي تهدد القضية الوطنية وسؤال المصير الوطني، وما يستدعيه ذلك من استحضار المواطن ومنظومة حقوقه المسلوبة لمعالجتها، أم هو الإمعان في إقصائه ومواجهة تطلعاته بصفقة ثنائية من خلف ظهر الجميع وبصمت معظم الفصائل، وهو الأمر الذي يفسر الحديث عن قائمة مشتركة بين قوى الانقسام المهيمنة على المشهد. ويبدو مرة أخرى أنه الوهم بإمكانية استعادة مقعد عربة التسوية التي قُتلت وأُشبعت موتاً من إسرائيل، ويأس الأطراف الدولية حتى تلك التي كان يمكن أن تكون جادة في البحث عن تسوية، والتي باتت غير مرئية التوازن أو المعالم في ظل حالة الاختلال في موازين القوى التي تتعمق يومياً لصالح المشروع الاستيطاني بفعل تدهور الحالة الوطنية وتيبُّس مكونات الحركة الوطنية لجهة علاقتها بالمواطن وحقوقه الاجتماعية وغياب المراجعة المسؤولة لكل مسيرة أوسلو. إذاً، تلتقي فصائل الأزمة الوطنية دون أي مؤشرات لمعالجة الأزمة التي صنعوها ودون أي معالجة مسؤولية لتوفير البيئة اللازمة لنجاحها كأداة ديمقراطية للتغيير. أمام هذا الواقع، فإن مشهد اجتماعات الفصائل يحمل احتمالين.. الأول أن يفاجئونا باستحضار المصلحة الوطنية وقضايا المواطن الذي يشكل مرة أخرى مركز أي عملية وطنية أو ديمقراطية، ويبدو أن هذا غير وارد على الإطلاق في حساباتهم وغير مطروح على جدول أعمالهم، أو محاولة التوافق على محاصصة، سواء بقائمة مشتركة أو بدونها، وهذا الخيار يواجه عقبات جديّة في قواعد كلا التنظيمين ومع المجتمع برمته. إذاً هي الأزمة المستفحلة وجوهرها إقصاء إرادة وحقوق المواطن حتى وهم يتحدثون عن الحاجة لاستدعاء صوته، وبالتأكيد ليس دوره ومتطلبات صموده. المواطنة وسبل إعادة بناء الحركة الوطنية: بالإضافة إلى فشل برامج القوى المهيمنة على المشهد صاحبة الولاية الحصرية على الانقسام، فإن عدم الإقرار بهذا الفشل والاستمرار في إدعاء كل منهما الحق بالانفراد والتحكم بمصير البلد وتمثيل الناس؛ أدّى إلى انفصال كل منهما عن الواقع وتراجع ملموس في شعبيتهما، ففي الوقت الذي اعتمدت فيه سياسة الإقصاء داخل المنظمة والتعامل معها كأنها ملكية خاصة للمهيمنين عليها والتفرد بقراراتها وإغلاقها على نفسها لدرجة لم تعد الأجيال الشابّة تلحظ مجرد وجودها بفعل تفكيك طابعها الائتلافي، كان الطرف الآخر من الانقسام يختطف جغرافيا جناح الوطن الجنوبي، ويغلق أبوابه تحت قبضته من خلال الانقلاب الذي تحول عبر السنوات الماضية إلى حالة من الانفصال وتداعيات ذلك الخطيرة بل الكارثية، ليس فقط على مكانة حقوق الإنسان، بل ومكانة ومصير القضية الوطنية برمتها. إن مدخل حل الأزمة الوطنية يستدعي الإقرار بأن مرحلة الانفراد من أيّ طرف بالسيطرة على القرار الوطني قد انتهت إلى غير رجعة، وأن اختطاف جزء من الوطن كرهينة في معركة الصراع على التمثيل هو جريمة وطنية أسّسَتْ لإضعاف مكانة التمثيل الموحد ومكانة القضية الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذان الأمران فتحا شهية الاحتلال، ومكّنا إسرائيل التوسعية من استحضار مخططات الضم ومحاولة منع قيام أي كيانية وطنية فلسطينية موضع التنفيذ. ترافقت هذه المعارك الداخلية مع إقصاء المواطنين على ضفتي الانقسام؛ ففقدت القضية الوطنية سلاحها الأهم ممثلاً بالمواطن والتحدي الأكبر هو كيف يمكن تحرير إرادة المواطنين، وتمكينهم بأن يعودوا لمركز العملية الوطنية؛ هذا الأمر يتطلب استعادة المبادرة من قبل الفئات الشعبية ورفض احتكار السياسة من الطبقة المتحكمة بالمشهد العام، والنضال لاستعادة كافة حقوق المواطنة التي تم دوسها في صراع المصالح ومعركة الصراع على التمثيل الانقسامية. لقد آن الأوان لكي تصبح المنظمة بمثابة الجبهة الوطنية الائتلافية التي تضم الجميع والإقرار بالتعددية في إطار وحدة المؤسسات التمثيلية الجامعة، ومغادرة كل أشكال الإقصاء والهيمنة والتفرد، واتخاذ القرارات المصيرية بالتوافق والحرص على روح الوحدة والإجماع الوطني، كما يستدعي اعتماد استراتيجية الصمود المقاوم على صعيد الحركة السياسية وفي ميدان المواجهة مع مخططات الضم والاستيطان والتهويد ومجمل استراتيجيات المشهد الاستعماري، والتوقف عن اللّهاث خلف وهم التسوية قبل استنهاض قوى المجتمع وتصويب ميزان القوى بصورة ملموسة، وقبل اعتراف اسرائيل المسبق بحقوق شعبنا الوطنية كما عرفتها الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. إن أي معالجة جادة للأزمة الوطنية والمأزق الذي تواجهه القضية الوطنية يجب أن يأخذ بالاعتبار مضمون وجوهر النقاش الجاري في المجتمع وداخل المجموعات والحراكات المجتمعية حول مدى العلاقة وماهية الترابط بين الوطني والاجتماعي، فاستعادة الهوية والكيانية الجامعة يجب أن تكون في صلب الحوار الوطني، فالنقاش حول بلورة الكيانية الجامعة التي تحققت سابقاً في إطار منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد لشعبنا وأسباب تراجع مكانتها في الوعي الجمعي العام، وسبل معالجة التصدّعات التي تعيد لهذه الكيانية مكانتها. والإمساك بالأهداف المشتركة المتمثلة بحق العودة وحق تقرير المصير لكل مكونات الشعب، يشكل ضرورة قصوى لحماية الهوية الجامعة بديلاً لحالة التفكك التي تسود التجمعات الفلسطينية. إن هذا يتطلب العمل الفوري لإنهاء الانقسام وتداعياته على أساس الإقرار بالشراكة والوحدة الوطنية التعددية، وهذا الأمر بأيدينا، ويتطلب إعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية والتعامل الجدي مع متطلبات التغيير الجوهري في بنيتها، والعمل الجاد لاستعادة ثقة الشعب في كافة أماكن تواجده بقيادتها المنتخَبة وهيئاتها التمثيلية الجامعة، الأمر الذي يتطلب بلورة صيغة هويّاتية وبرنامجية موحّدَة الأهداف العامة حتى لو تمايزت بالخصوصية، بالإضافة إلى إعادة جوهر الصراع لبوصلته الأساسية مع الاحتلال والتمسك بروايتنا التاريخية في مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، وما يتطلبه ذلك كله من استنهاض مراكز القوة الكامنة لدى شعبنا. أما الأمر الجوهري الآخر فهو إعادة تعريف العلاقة والتوازن بين مهمتيّ التحرر الوطني والبناء الديمقراطي والحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لشعبنا، فدون إغفال المسألة الوطنية وتعقيداتها السياسية فإن مركز العلاقة بين المهمتين هو سؤال المواطنة ومدى القدرة على إعادة المواطن لمركز العملية الوطنية لتمكينه من مغادرة الإحباط وحالة الانكفاء والانتقال إلى المشاركة والثقة بقدرته الفردية والجمعية على إنجاز المشروع الوطني الجامع، فهذه العلاقة قائمة على بُعدَين يتمثلان باستحقاقات إحياء الانتماء لهوية جامعة، والاستجابة للمصالح والاحتياجات الفردية والجماعية المباشرة للمواطنين، من خلال الربط الملموس بين احتياجات الناس للصمود وديمقراطية التمثيل الموحد؛ فكلّما تقدم مشروعنا الوطني كلّما تقهقر الطابع العنصري لدولة الاحتلال، ذلك كله بحاجة للإمساك بمسألة حق تقرير المصير ووحدة المشروع الوطني ورافعته الأساسية الوحدة والصمود المقاوم والتعددية. وتطوير مقومات عناصر المشروع التنويري الحداثي في سياق المشروع الوطني الناظم لنضال شعبنا ومعركته الطويلة لانتزاع حقه في الحرية وتقرير المصير. يبدو أن تشريع اقتسام فصائل الانقسام لبقايا الوطن وحقوق المواطنين هو الذي يسيطر على المشهد لمزيد من تغييب رأي وارادة المواطنين! والسؤال هو؛ هل سيتمكن المجتمع من تحويل العملية الانتخابة الى معركة شعبية وديمقراطية لاستعادة أسس و حقوق المواطنة ومحاسبة من وضعهم في أتون المأساة الإنسانية والمأزق الوطني العام ؟! أم أن تبلور مثل هذا الدور للقوى المجتمعية بالإضافة إلى تعقيدات التوازنات الداخلية للأطراف المتحكمة سيدفعها للتتراجع عن المضي بهذا الحق الدستوري للمواطنين مرة أخرى ؟!

مشاركة :