أقنع وزراء مالية مجموعة العشرين الصين بالانضمام إلى "اتفاق سلام" للصرف الأجنبي بعد أن أثار تخفيض قيمة العملة الصينية "اليوان" بشكل مفاجئ في آب (أغسطس) الماضي مخاوف من نشوب حرب عملات. ووفقا لـ "الألمانية"، فقد وافقت الصين ودول أخرى في مجموعة العشرين على الامتناع عن التخفيضات التنافسية ومقاومة جميع أشكال الحمائية طبقا للبيان الختامي لاجتماع مجموعة العشرين الذي استمر يومين في مدينة أنقرة التركية. وتصدر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، محور الاجتماع نظرا للتراجع الحاد في سوق الأوراق المالية لديها أخيرا، الذي أثار حالة من الذعر لدى المستثمرين في مختلف أنحاء العالم. وذكر الوفد الصيني أن تخفيض قيمة العملة الصينية لم يكن محاولة لأخذ الصادرات من المنافسين الدوليين، وهو ما قبله مندوبون آخرون، طبقا لما قاله مسؤول دولي لصحيفة "بلومبرج نيوز". وكان البنك المركزي الصيني قد سمح بخفض قيمة اليوان بعد أن فقد مؤشر شنغهاي نحو 40 في المائة من قيمته بعد أن وصل إلى ذروته في منتصف حزيران (يونيو) الماضي. وأوضح البنك أن التدخل الحكومي منع تراجعا حادا ومفاجئا للسوق وحد من التداعيات على الاقتصاد بشكل حقيقي. ورأى مسؤولون أن خفض قيمة اليوان وكذلك الهبوط الحاد لسوق الأسهم الصينية بفعل المخاوف بشأن النمو كلها جزء من مسار صعب إلى اقتصاد أكثر تحررا من القيود. لكن تارو أسو وزير المالية الياباني بدا أقل تسامحا إزاء الخطوة التي اتخذتها الصين قائلا إن تفسيراتهم لم تكن جيدة جدا، وكان يجب عليهم أن يكونوا أكثر وضوحا. فيما أشار جاك ليو وزير الخزانة الأمريكي إلى أن الاقتصادات العالمية حريصة على أن ترى ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهو يسير نحو سعر للصرف يعكس أساسيات السوق. وأضاف ليو أن العالم عندما يدعو الصين إلى التحرك قدما نحو سعر للصرف تحدده بشكل أكبر قوى السوق فإن ذلك يأتي في إطار أن تفعل هذا بطريقة منظمة ومن خلال سياسات مصاغة بشكل واضح، حيث يمكن تفهمها وتعزز نفسها بطريقة إيجابية. من جهته، أعرب فولفجانج شويبله وزير المالية الألماني عن قناعته بأن انخفاض النمو في الصين يمكن السيطرة عليه، مضيفا أن ضعف النمو الصيني المحدود ليس سببا لردة الفعل العصبية الكبيرة. وأشار شويبله إلى أن اقتصاد الصين بل الاقتصاد العالمي كله قادران على مقاومة هذا الوضع، مؤكدا أن هذا التعكير البسيط للأجواء الاقتصادية يمكن السيطرة عليه. ويسود التوتر هذا الأسبوع الأسواق المالية في العالم مع إصدار الصين سلسلة من الإحصاءات الاقتصادية سيدقق فيها المستثمرون بشكل معمق بحثا عن مؤشرات تباطؤ. وتعلن القوة الاقتصادية الثانية في العالم خلال الأيام المقبلة أرقام التجارة الخارجية والتضخم والبيع بالتجزئة والإنتاج الصناعي والاستثمارات في رأس المال الثابت. وظهر مؤشران الأسبوع الماضي كشفا أن أنشطة التصنيع الصينية سجلت تقلصا شديدا في آب (أغسطس) ما أثار مخاوف في الأسواق الدولية إذ تساءل المستثمرون إن لم تكن الصين تستعد لـ "انقباض مفاجئ" في نشاطها الاقتصادي. وأشار بعض المحللين إلى أنه ينبغي عدم بناء الكثير من التوقعات على مؤشرات مديري المشتريات هذه، غير أن أنشطة التصنيع تشكل تقليديا ركيزة للنمو الصيني وأي معطيات جديدة تشير إلى تراجع يمكن أن تعتبرها البورصات مبررات تدفع إلى البيع. وقال جاكسون وونج المحلل لدى مجموعة سيمسن المالية الدولية في هونج كونج إن هناك خطرا من رد فعل مسرف لأن ثقة المستثمرين هشة وعند صدور أي أرقام غير مواتية، يأتي رد فعل المستثمرين أقوى مما ينبغي. وتراجع نمو الاقتصاد الصيني إلى 7.4 في المائة عام 2014 وهو أدنى مستوياته منذ نحو ربع قرن، قبل أن يتباطأ أكثر إلى 7 في المائة في الفصلين الأولين من العام الحالي. ويمثل العملاق الآسيوي 13 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي وتخشى الأسواق من انتقال عدوى التباطؤ الاقتصادي من الصين إلى باقي العالم. وما أثار مخاوف الأسواق بالأساس هو الخفض المفاجئ في سعر اليوان مقابل الدولار في آب(أغسطس)، وهو ما اعتبر بشكل واسع محاولة يائسة من بكين لدعم تنافسية صادراتها. وتسلك السلطات الصينية منعطفا أليما نحو نمط نمو جديد يعتمد أكثر على الاستهلاك وأقل على الاستثمارات العامة. وأوضحت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن التشاؤم الذي يحيط بآفاق الصين على المدى القريب مبالغ به وزيادة النمو في الفصل الثاني بدأت تتحقق. وتابعت أن التطلعات فيما يتعلق بطاقة النمو الاقتصادي على المدى المتوسط تم تخفيضها مع تبلور التحديات التي تطرحها إعادة الهيكلة. غير أن مصرف "إيه إن زد" يتوقع تراجع إجمالي الناتج الداخلي إلى 6.4 في المائة في الفصل الثالث قبل أن يعود ويتعزز محققا 6.8 في المائة في الفصل الأخير، وهو أقل من المستهدف الحكومي للنمو والبالغ 7 في المائة. واعتبر المصرف في تقرير أنه من الضروري تبني تدابير قوية لتليين السياسة النقدية واعتماد سياسة ضريبية نشطة وليبرالية مالية من أجل إبقاء نمو إجمالي الناتج الداخلي بالمستويات المرجوة. وتحت ضغط التباطؤ الاقتصادي وتراجع البورصات أقر البنك المركزي الصيني في نهاية آب (أغسطس) تخفيضا جديدا لمعدلات الفائدة وخفض نسبة الاحتياطيات الإلزامية المفروضة على المصارف مجيزا لها عمليا منح المزيد من القروض. وهذه التدابير تعود إلى عملية كثيفة لضخ السيولة إذ تؤدي إلى تخفيض تكلفة الاقتراض على الأفراد والشركات والإدارات. ويتوقع مصرف "نومورا" الياباني أن تكون أرقام التجارة الخارجية لشهر آب (أغسطس) ضعيفة مع تراجع الصادرات بنسبة 7 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي وتراجع الواردات بنسبة 10 في المائة. وحذر المصرف من أن التضخم سيبلغ 1.8 في المائة تحت تأثير زيادة أسعار اللحوم غير أن خطر انهيار الأسعار ما زال قائما. إلا أن عديدا من المحللين يعتبرون أن الصين ستنجح في تفادي انتقال اقتصادي أليم ولو أنها ستواجه حتما تباطؤا في النمو. ورأى دونا كووك، ووانج تاو، مختصا الاقتصاد لدى مصرف "يو بي إس"، أن الاقتصاد الصيني ضعيف بالتأكيد هذه السنة وسيواجه المزيد من الضغوط لكنهم يعتقدان أن المخاوف من التراجع الحاد الناجمة عن تقلبات البورصة مبالغ فيها، مشيرين إلى أن النمو لا ينهار كما يوحي به بعض المتشائمين. وتراجعت البورصة الصينية بنسبة 40 في المائة عن أعلى مستوياتها في اليوم الأخير من التداولات الأسبوع الماضي قبل يومي عطلة، فيما لا يزال أمام الأسهم الصينية هامش تراجع بعدما ارتفعت بنسبة 150 في المائة خلال عام ولا سيما تحت تأثير المديونية. وتوقع تشين شينجيو المحلل في شركة "فيليب سيكيوريتيز" أن تتراجع الأسواق الصينية في بداية التعاملات اليوم، موضحا أن المخاطر مستمرة بسبب الغموض بشأن الحد الأدنى الذي يمكن تسجيله.
مشاركة :