ما علاقة الحضارة بماتشات الكرة؟! وهل تفرد هذه الزاوية لامرأة، دكتورة متخصصة في الفلسفة وعلم النفس كى تقوم بتحليل ماتش كرة، والتعليق على أحداث المباراة؟!ليس الأمر كذلك، إنما سيدة مصرية أهلاوية، شاهدت المباراة مع أحبائى بحماس ومنيت نفسى بما لا يصدقه عقلى، ولم لا؟! ما الذى يمنع من أن يفعلها الأهلى ويفوز على بايرن ميونخ في مباراة رسمية في الدور قبل النهائى لكأس العالم للأندية؟ نعم نفوز ونحرج البايرن ونخرجه من البطولة، ونغنى: والله وعملوها الرجالة ورفعوا راس مصر بلدنا.ومع إعلان صافرة الحكم بانتهاء المباراة والنتيجة 2/0 لصالح البايرن، تلاشت الغنوة ليحل محلها مشهد من فيلم "إضحك الصورة تطلع حلوة" للعظيمة سناء جميل، والعظيم أحمد زكى، تقول فيه الأم لابنها: ياااااه دا احنا صغيرين قوى ياسيد! فيجيبها الإبن: لا ياامه احنا مش صغيرين، إحنا بس اللى مش عارفين نشوف نفسنا كويس.حضرنى هذا الديالوج ليعيدنى إلى أرض الواقع، واقع مجرياته تقول إن الأهلى بطل أفريقيا (وما أدراك ما أفريقيا) كان يلاعب البايرن بطل أوروبا (اللى هى أوروبا) هذا هو العنوان الرسمى لما حدث، لكن التفاصيل كانت كثيرة جدا، أكثر من قدرة البعض منا على قراءتها واستيعابها، سواء مايتعلق منها بطريقة اللعب، أو خط سير المباراة، وحتى نتيجة المباراة.فمنا من انتقد موسيمانى وخطته لإدارة المباراة، ومنا من عاب على اللاعبين تخاذلهم، ومنا من دعانا إلى قبول مبدأ التمثيل الجيد والخروج المشرف، ومنا أيضا من سخر وأطلق النكات اللاذعة، وطبعا لا ننسى أن بيننا أيضا من شمت وفرح فينا، كنت أتمنى أن أتغافل عن كل هذا لأتساءل عن الأسباب الموضوعية والفنية لهزيمة الأهلى من بايرن ميونخ، لكن هل يصح هذا السؤال الآن؟ أم أن الواجب أن يحل محله تساؤلات أخرى: كيف يلاعب الأهلى بايرن ميونخ في بطولة رسمية؟ كيف يتنافس لاعبونا مع لاعبيهم؟ بأى منطق وأى حساب نضع فريقا في منافسة رسمية مع فريق يزنه ماديا بخمسة وثلاثين ضعف، بحساب بورصة اللاعبين في كرة القدم؟ لماذا نقبل بالدخول في منافسة غير عادلة؟ لماذا لا نواجه أنفسنا بحقيقة مأزق الفارق الحضارى بيننا؟ والفارق الحضارى يعنى أننا في مكان وزمان غير مكانهم وزمانهم، عقولنا وأنفسنا بل وأجسادنا لاتماثلهم، بلادنا ليست كبلادهم، أنظمتنا وإداراتنا وحياتنا على أرض ليست كأراضيهم، نحن في واد غير واديهم، فلماذا إذن نقبل بأن تدار اللعبة بهذه الطريقة؟ لماذا نقبل بأن تمضى السنون ونحن خارج التاريخ، ننافس بمنطق التمثيل المشرف، ونلعب بمنطق كفانا فخرا أن يقال أننا لاعبناهم؟ لماذا نقبل بسحل أبنائنا خلفهم، مقطوعى النفس، مهدودى الحيل؟ لماذا نسمح بأن نضع أبناءنا موضعا يرون فيه أنفسهم بقيمة واحد على خمسة وثلاثين مع من هم ذاهبون لمنافسته؟ أيعقل أن يقوم خمسة وثلاثون فرد بضرب فرد واحد، ونأمل بعد ذلك أن يصمد أمامهم؟ ألا يكون من الأشرف لنا أن نمتنع "مرحليا"عن خوض مثل هذه المنافسات، حتى نضع أنفسنا موضعا لا نهين فيه إنسانيتنا، ولا نمتهن فيه أجسادنا؟ لماذا لا نتوقف بشجاعة ونطلب أن نمنح فترة زمنية لا ننافس فيها رسميا وإنما نلعب معهم للتدريب واكتساب الخبرات؟ ألا يحق لأبنائنا أن يؤهلوا فنيا وبدنيا ونفسيا، حتى تتحقق لهم الندية والتكافؤ مع من ينافسونه؟! لماذا نقبل بأن ننزلهم منزلة يرون فيها أنفسهم، كما ترانا أم سيد؟! صغيرين قوى ياسيد! ألم يأن لنا أن "نعرف نشوف نفسنا كويس ياامه"؟
مشاركة :