عائشة أحمد سويد مصطلح عندما تقرأه تشعر أنه وإن كان شيئا خفيا إلا أنه هو الأرض الصلبة أو القاعدة التي تخرج لك جمال الشيء أو سوءه. على مر التاريخ كل دولة أو نظام أو فرقة أو حتى فكرة لم يكتب لها النجاح أو الإخفاق، إلا إذا تبناها مخلصون لها مهما كانت هذه الفكرة وجدواها. فالمتبنون هم من نطلق عليهم «بطانة». فلايمكن لفرد أن يحقق نجاحا بمفرده، حتى وإن كان قيام دولة، فلم نسمع بقيام دولة بمجهود فردي أو شخصي، وكذلك الفرقة أو النظام. ولو صغرنا الدائرة جدا جدا ونظرنا للأسرة، لن ينجح ربها إلا ببطانته، وهي الزوجة والأبناء. فلو كانوا متبنين فكرة إخراج أسرة جيدة- ستخرج أسرة جيدة-، لأن الكل هنا لهم وجهة واحدة وهدف واحد، وعلى العكس فلو كان كل يجري في واديه، لخرجت لنا أيضا أسرة مبعثرة حتى وإن كان رب الأسرة قائما بدوره فلن يكتمل دوره إلا ببطانته. وقس على ذلك جميع المؤسسات، فأي نجاح في أي مؤسسة أو إخفاق نخطئ جدا عندما ننسبه للقائد ونحمله كامل المسؤولية. فالصحيح أن هناك أيادي خفية خلفه، وهي مانسميه البطانة. ولم يغفل ديننا العظيم في قرآننا الكريم عن ذلك. فأشار في أكثر من موضع إلى أهمية التشاور في الرأي والاعتصام بحبل الله، ولن يكون هذا التشاور إلا مع البطانة، ولم يدع إلى الاستئثار بالرأي أبدا، وحتى في الاعتصام بحبل الله خاطب المجموع وقال «جميعا». فالإنسان بمجموعه يكون ويحقق الأهداف. والتشرذم والانفراد بالرأي لايؤدي إلى أية محصلة. وما أصعب أن تكون في مجموع يدعو إلى باطل، فكثرة أنصار الباطل تجعله في نظر أتباعه حقا يتبع، ولنا أمثلة في تلك التنظيمات السياسية ومنها القاعدة وداعش، التي نجد الباطل في تكوينها، ولا تعلم ما الذي تريده وما اللباس الذي ترتديه، ومع ذلك لها أنصارها ومؤيدوها. ولكن الذي روج لها هو البطانة التي تبنتها وأخلصت لها، ولو أنها في مجموعها حوت بطانة صالحة، لتبنت فكرا جيدا يسعى للبناء ومعالجة قضايا، تنهض بالأمة الإسلامية في ظل هذا الانتشار المتزايد الواسع ولكنا جنينا الأفضل. سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه «لم عهدك ليس كعهد أبي بكر وعمر؟ فأجاب رضي الله عنه: أبوبكر وعمر أنا بطانتهما، أما أنا فأنتم بطانتي». وكأنه يقول، لو كنتم لي كما كنت لأبي بكر وعمر لكان عهدي مثلهما. وقس على ذلك كل ملك أو وزير و رئيس أو مدير أو. هو ذات الشيء، فإن كان ناجحا فهي البطانة وإن كان مخفقا فهي البطانة. نصل هنا إلى تعريف مبسط للبطانة: بأنها هي المسؤول الأول والأخير عن كل مخرج إيجابي أو سلبي لأي مؤسسة مهما بلغ حجمها أو تناهيها. وأستثني مما سبق الشخصيات المستبدة التي لاتسمع ولا ترى إلا نفسها. فمهما كانت بطانتها فإنها في ظل القمع والاستبداد لن تجد إلا من يسعى ليرضيها وليتقي شرها. فهنيئا لمن أكرمهم الله ببطانة صالحة تعينهم على الحق وتردهم عن الباطل، في تواضع واستشعار لثقل الأمانة وهم مدركون لقوله تعالى «وقفوهم إنهم مسؤولون» هذه وربي المصيبة التي تنتظر كل بطانة.
مشاركة :