سُبات يطبع الإصلاح السياسي في مئوية الدولة الأردنية شاكر رفايعةالنظام الانتخابي لم يعد صالحا للتطبيق في الحالة الأردنية ليس لأنه يعاكس متطلبات الإصلاح السياسي فحسب بل أن عواقبه أضعفت أيضا صورة البرلمان المهتزة لدى الرأي العام.لا خطوات حقيقية للإصلاحمع مرور مئة عام على تأسيس المملكة، تساؤلات مشروعة عن مصير الإصلاح السياسي في الأردن وعوامل التباطؤ والتلكؤ المزمن التي أصابت الحياة السياسية بالشلل أو السبات الطويل.المشهد الحزبي غير مؤثر. البرلمانات المتعاقبة لم تترك أي بصمة إصلاحية واضحة. المعارضة غير موحدة وفردية في كثير من الأحيان. عدد الحكومات أكثر من سنوات عمر المملكة. ولا تزال وسائل الإعلام تتعرض للتضييق “القانوني” من قبل السلطات.تسود حالة من اللامبالاة بين الأردنيين تجاه العملية السياسية برمتها ربما بسبب تفضيل الاعتبارات والمرجعيات الاجتماعية الأخرى وأبرزها العشائرية والمناطقية على الانتماء لأحزاب لم تثبت وجودها على الساحة السياسية أو يراد لها ذلك. لكن هذه الصورة ترافقت في السنوات العشر الأخيرة على الأقل مع تكاثر وعود الإصلاح ودعواته ونداءاته، لكن من دون اتخاذ خطوات حقيقية.ثمة شعور عام بأن الحكومات تكرر نفسها وكذلك البرلمانات. الكل يبدو وكأنه يسعى إلى قانون عصري للانتخابات وأحزاب نشيطة وإعلام حر، لكن ما من قرارات أو إجراءات تدعم أو تمهد لإصلاحات سياسية من هذا العيار.لعل مشهد الانتخابات النيابية الأخيرة في نوفمبر يضيء على مسافة بعيدة تفصل الأردن عن الإصلاح السياسي المنشود الذي يستهدف في النهاية تشكيل حكومات تقودها الأحزاب الممثلة في البرلمان، وهو ما دعا إليه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قبل ثماني سنوات.انتخابات نوفمبر جاءت ببرلمان يمثل أقل من ثلث الناخبين، على أن وباء كورونا لم يترك تداعيات كبيرة على نسبة التصويت، إذا ما قيست بالبرلمان الذي سبقه في 2016 حين تجاوزت قليلا الثلث.شارك حوالي خمسين حزبا في الانتخابات الأخيرة وفاز مرشحوها بتسعة في المئة فقط من مقاعد مجلس النواب الذي يتألف حاليا بصفة أساسية من شخصيات محسوبة على انتماءات عائلية وجهوية ورجال أعمال ومتقاعدين عسكريين ومدنيين، ما يمثل تكرارا لتشكيلة البرلمان السابق.إذن، مفاصل العلاقة التبادلية الوظيفية بين البرلمان والأحزاب معطلة. فلا الأحزاب قادرة على الوصول بقوة إلى البرلمان، ولم يثبت البرلمان قدرته على تشريع قوانين جديدة لإصلاح الحياة النيابية والحزبية.مطلوب قانون انتخاب بمستوى الطموحات وعلى قدر التجارب. قانون يكفل التمثيل الحزبي في مجالس النواب ويراعي المعايير الديمغرافية العادلة، كما ينبغي أن يستجيب لمطالب تغيير النظام الانتخابي الذي يعتمد حاليا على القائمة النسبية المفتوحة.جرّب الأردن نظام القائمة النسبية في آخر اقتراعين تشريعيين ولم يحصل تغيير يُذكر في مجال التقدم نحو الإصلاح السياسي ولم تتغير التشكيلة التقليدية للبرلمان. واكتشف الناس أن القوائم ما هي إلا طريقة لإيصال أفراد بأعينهم تحت قبة البرلمان.لا شك أن هذا النظام الانتخابي لم يعد صالحا للتطبيق في الحالة الأردنية ليس لأنه يعاكس متطلبات الإصلاح السياسي فحسب، بل أن عواقبه أضعفت أيضا صورة البرلمان المهتزة أصلا لدى الرأي العام وساهمت في هذا العزوف الواسع عن التصويت.منذ سنوات يطالب خبراء وسياسيون بارزون ورؤساء وزارء سابقون بالتحول إلى النظام المختلط الذي يجمع بين قائمتين على مستوى المحافظة والمملكة، ومن شأنه تفعيل دور مجلس النواب وتنشيط التمثيل الحزبي بما يمهد لتشكيل حكومات برلمانية.النظام الانتخابي لم يعد صالحا للتطبيق في الحالة الأردنية النظام الانتخابي لم يعد صالحا للتطبيق في الحالة الأردنيةفي واحدة من سلسلة “أوراق نقاشية” إصلاحية نشرها الملك عبدالله الثاني في السنوات التي تلت اندلاع ثورات الربيع العربي قبل عشر سنوات، قال العاهل الأردني إن الوصول إلى الحكومات البرلمانية لن يكون متاحا قبل وجود أحزاب ذات قواعد شعبية واسعة وبرامج قوية.وهذا ما هو بعيد كل البعد عن المشهد الحزبي الراهن الذي لا يزال منذ ثلاثة عقود من مئوية الدولة الأردنية أسيرا لكثرة الأحزاب وتشابه برامجها وعجزها عن الوصول إلى الناس أو المساهمة الفاعلة في العملية السياسية.في أحد خطاباته أوائل التسعينات وفي أوائل عودة الحياة البرلمانية إلى الأردن وتشكيل عشرات الأحزاب السياسية، قال الملك الراحل الحسين بن طلال في ما يشبه النصيحة للأحزاب المشكلة حديثا “الزحام يعيق الحركة”.لكن الأحزاب لا تزال منذ ذلك الحين تشكو أيضا مما يعيق حركتها ابتداء من التضييقات والرقابة الأمنية إلى التهميش الرسمي وضعف التمويل الحكومي.تساؤل آخر عن الدور الحيوي للحكومات في توجيه دفة الإصلاح السياسي وتأثير استقرار الوزارات على تنفيذ آليات الإصلاح في الأردن الذي شهد منذ تأسيس المملكة في أبريل 1921 تشكيل أكثر من مئة حكومة تولاها 43 رئيس وزراء.كل حكومة تأتي بمهمة محددة تنفذها وتتراجع إلى الصفوف الخلفية لمصلحة حكومة جديدة. وتبقى خطوات الإصلاح السياسي معلقة على توجهات كل حكومة وأولوياتها وقدرتها على الاشتباك مع القوى الأخرى النافذة في الدولة.الحالة الإعلامية تدور في نفس الدائرة أيضا ولا تتعداها. قيود كبيرة مفروضة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ولا يزال ثمة معتقلو رأي وكتّاب في السجن.في مئوية تأسيس الدولة الأردنية، يظل الإصلاح السياسي المنشود رهينة الصبر والنفَس الطويل للحكومات والاستقرار التشريعي، وقبل ذلك كله الإرادة الحقيقية في الإصلاح الذي من المفترض أن تعمل عليه كل مؤسسات الدولة دون مزيد من المماطلة أو التأجيل.كاتب أردني
مشاركة :