منهجية اختيار الأشعار في كتاب «من عيون الشّعر العربيّ» للأديب الشاعر «تقي البحارنة»

  • 2/13/2021
  • 12:03
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أهداني مُؤخَّراً الأديب تقيّ محمّد البحارنة- حفظه الله ورعاه- كتابه الموسوم «من عيون الشّعر العربيّ: مُختارات منذ العصر الجاهلي ّ حتّى العصر الحديث» ضمن مجموعة من مُؤلّفاته، والذي صدر في طبعته الأولى سنة 2013م، عن المؤسسة العربية للدراسات والنّشر في بيروت، فشكرْتُ له هذه الهدية الثّمينة، ودعوتُ الله أنْ يمدّه بالصّحة والعافية؛ ليواصل عطاءه في خدمة الأدب، والشّعر. والحقّ أنّ الكتاب أعجبني كثيراً وشعرتُ بغبطة كبيرة، وما أشد شغفي بهذا النّوع من الكتب! فأقبلتُ على قراءته، وتسجيل ما هو جدير بحفظه من أبيات تحرّك الشّعور والوجدان نحو المثل الأعلى.لقد جاء اختيار الأديب الفاضل للأشعار بناءً على ذوقه الشّعري الخاصّ، ومنهج اختطّه لنفسه؛ إذ أعرض عن قصائد المديح، والهجاء، والفخر، والرّثاء، وأشعار المناسبات، واختيار المقطوعات الشّعريّة؛ عوضًا عن القصائد الطّوال، واقتصر على موضوعات يتجلّى فيها الشّعر الجميل أكثر من غيرها - كما قال-، بعد أن طاف بين كُتُب التّراث العربيّ المُتنوّعة كالمفضليات، والأصمعيات، وجمهرة أشعار العرب، والأغاني، وحماسة البحتري، وحماسة ابن الشّجري، والشّعر والشّعراء، وحماسة أبي تمام، وأمالي الشّريف الرّضي، ودواوين الشُّعراء، وكُتُب المُختارات، وكُتُب الأدب، وكُتُب اللُّغَة وغيرها، وقد ذكرها في آخر الكتاب.  وكانتْ اختياراتُه من الشّعر العربي قديمه وحديثه؛ حيث قرأها، وانتقى منها ليضعها بين أيدي القُرّاء؛ لتدخل إلى نفوسهم، وقلوبهم، لتؤنسهم؛  إذ قال في تأليفه «أمّا في هذا الكتاب، فقد اخترتُ من الشّعر العربي ما حسبته في ذوقي شعرًا جميلا، دوّنتُ معظَمه في أوراق مُتناثرة خلال رحلة العمر منذ الصّغر... قد رتبتُ تلك المختاراتِ من الأشعار في مجموعات مُتفقة في موضوعاتها بحسب التسلسل التاريخي؛ لكي يكتشف القارئ بنفسه اختلاف رؤية كلّ شاعر وأسلوبه مع تطور الأزمان واختلاف الظرف والمكان، على أن يكون الجمال الشعري هو القاسم المشترك في تلك المختارات بحيث يكون أقرب إلى النّفس، وألصق بالمشاعر الإنسانيّة النبيلة...». ص 11.ولعلّ  من المفيد هنا  أن أشير إلى جملة صغيرة لابن عبد ربّه الأندلسي في كتابه المشهور؛ إذ قال: «... واختيار الكلام أصعب ُمن تأليفه..».(1) اطَّلعت على هذا الكتاب فوجدتُ أنَّ الأستاذ البحارنة كان قد أوضح هدفه من تقليله مختارات المقطوعات الشّعريّة الحديثة، بقوله: «بسبب سهولة تناولها، وقرب أيامها، وانتشار دواوين  الشّعر الحديث - أي الغرض تعليمي تربوي  خالص -؛ لأن هذه المختارات الشّعريّة هي موجهة أساسًا إلى طلاب المدارس، ومدرّسي الأدب العربي، وعامّة الناّس للتعرّف على نماذج من الشّعر الجميل ليست عويصة ولا مستعصية على الفهم، وخاصّة من الشّعر الجاهلي والقديم الذي انصرف معظم الناشئين عنه لصعوبته...». ص 13. وقد تعمّد الأديب الشّاعر وضع مختاراته بحسب الموضوعات الشّعريّة، مع اختلاف واضح في المنهج مع مَنْ سبقه، ولاشك في أنّ هناك عدّة أسباب في ذلك أبرزها طبيعة المخاطَب أو المتلقي وزمانه، وتوزّعت موضوعات الأشعار على اثني عشر فصلاً هي: «الحبّ والشّوق والحنين، والوصف الجميل، والصّاحب والقريب،  واستنهاض الهمم، والفتوة والشّباب ـ والحرب والسّلام، وفلسطين، وحواء الصّبا والجمال، والوطن الألف والسّكن، وقطوف دانية، وحكمة الحياة ، وختم المُؤلّف الكريم فصول كتابه، بتعريف  نفسه من أشعاره».إجمالاً فإنّ هذا الكتاب يُعدّ صورة واضحة عن شخصية الأديب البحارنة بكل ّأبعادها وتجلياتها، وينبئ عن وجدانه وعلاقاته الإنسانيّة، ويدلُّ على طول باعه وسعة اطلاعه، ويعكسُ ذوقه، وما يتحلّى به من موهبة شعريّة، وقديمًا قال الشّاعر: قد عَرِفْنَاكَ باخْتَيَارِكَ إذْ كَا      نَ دَلِيلاً على الَّلبِيبِ اخْتِيارُهْوللأمانة فقد وُفق أديبنا البحارنة، أيّما توفيق في ما نَشدَ إليه، واجتهدَ في اختيار قصائده من الأعصر المُختلفة، وتنوّع شعُرائه وموضوعاته التي وُضعت لها عناوين تُناسبُها، وقد يُخيّل لبعض القرّاء أنّ جُهد المُؤلِّف بإخراج هذا الكتاب ونجاحه في عمله لم يتعدّ تجميع المادة من الكُتُب والمصادر الكثيرة التي استعانَ بها في هذا التّأليف، وهذا من الغُبن به ألا نعترف له بفضله الكبير وجهوده ، في مُؤلّفه هذا، الذي أتى فيه بما لا مزيد، من نماذج مُختارة في موضوعات مختلفة، تُغني عن عشرات الكُتُب لصعوبة الرّجوع إليها مُجتمعة، فلهذه القيمة الثّمينة التي يتمتع بها الكتاب كافية، أنْ يحتلّ لدى الأدباء، والشُّعراء، والمثقفين موضعه اللائق به بين المصادر المُؤلّفة في بابه، ويستحقُّ من العناية الفائقة، والاهتمام، والإشادة. فجزى اللهُ مؤلِّفه خير جزائه، وأسألُه أنْ ينفعَ طلاّب المدارس الثّانويّة والجامعات بهذا الكتاب القيِّم.1 - العقد الفريد1/4- طبعة  دار الكتب العلميّة ، لبنان: بيروت، 1983م

مشاركة :