أدى ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، اليمين الدستورية رئيسا لوزراء إيطاليا أمس، ليضع حدا لأزمة سياسية استمرت نحو أربعة أسابيع في خضم معاناة اقتصادية متفاقمة، ووباء ضربها بقسوة. ووفقا لمحللين اقتصاديين هناك كثير من الأعباء الملقاة الآن على عاتق دراجي، فهو مكلف بالتخطيط للتعافي الاقتصادي في إيطاليا من جائحة كورونا، ويتعين عليه أن يشرع على الفور في وضع خطط بشأن كيفية إنفاق ما يزيد على 200 مليار يورو "240 مليار دولار" في صناديق الاتحاد الأوروبي بهدف إعادة بناء اقتصاد يعاني الركود". لكنه يواجه تحديات ضخمة حيث تشهد إيطاليا أسوأ تباطؤ اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية ولا تزال البلاد تسجل مئات الوفيات يوميا بمرض كوفيد - 19، فضلا عن بطء حملة التطعيم ومحدودية الوقت المتاح له لترتيب الأوضاع. ووافق دراجي، على تولي المنصب في لقاء مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، البارحة الأولى، وظهر الخبير الاقتصادي "73 عاما" أمام الصحافة بعد الإعلان، وأعلن قائمة الوزراء المكونة من سياسيين وخبراء. ومن المقرر أن يبقى لويجي دي مايو وزيرا للخارجية، وروبرتو سبيرانزا وزيرا للصحة، ما يعني أن بعض الوزراء المهمين من حكومة جوزيبي كونتي السابقة سيبقون في مناصبهم، وفقا لـ"الألمانية". ووفقا لخطة دراجى، ستشغل مارتا كارتابيا، وهى خبيرة، منصب وزير العدل. وشغلت كارتابيا منصب رئيس المحكمة الدستورية حتى أيلول (سبتمبر) 2020. كما سيتولى قيادة وزارة إعادة الهيكلة البيئية خبير آخر، هو عالم الفيزياء روبرتو تشيولاني. وكان دراجي قد أجرى محادثات استكشافية مكثفة مع ممثلي الأحزاب في روما، وحصل على قدر مفاجئ من التأييد من تحالف كونتي المنحل من يسار الوسط ومن المعارضة اليمينية المحافظة. يذكر أن الأزمة الحكومية في إيطاليا مستمرة، في خضم جائحة فيروس كورونا، منذ منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي. وكان ماتاريلا قد كلف دراجي في الثالث من شباط (فبراير) بتشكيل حكومة جديدة تحت قيادته. وكانت الحكومة السابقة بقيادة جوزيبي كونتي، قد انهارت منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي بعد انسحاب حزب رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي "إيطاليا فيفا" (تحيا إيطاليا)، من الائتلاف الحاكم نتيجة خلاف حول استخدام أموال مساعدات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتعافي من جائحة كورونا. وتتعين موافقة البرلمان الإيطالي على الحكومة الجديدة برئاسة الخبير الاقتصادي. وتعلق إيطاليا آمالا كثيرة على رئيس وزرائها الجديد الذي عُرف عنه قوله في الماضي "إنه مستعد للقيام بكل ما يلزم لإنقاذ منطقة اليورو في ذروة أزمة الديون عام 2010". ورغم عدم امتلاكه خلفية سياسية تذكر، إلا أن دراجي يعتمد على أعوام الخبرة التي اكتسبها في الخدمة المدنية في إيطاليا، إضافة إلى مسيرته المهنية المصرفية. واستقبلت أسواق المال نبأ وصوله إلى السلطة بإيجابية فتراجعت تكاليف الاقتراض الإيطالية إلى مستوى تاريخي هذا الأسبوع. لكن بالنسبة إلى لويجي سكازيري، من "مركز الإصلاح الأوروبي"، "من الصعب تحديد حجم التحديات التي يواجهها دراجي وإيطاليا". وأدت تدابير الإغلاق الناجمة عن تفشي كوفيد والقيود المتتالية التي فرضت إلى انكماش الاقتصاد بنسبة 8.9 في المائة العام الماضي، بينما خسر أكثر من 420 ألف شخص وظائفهم. ولا يزال الفيروس يتفشى ما دفع حكومة كونتي، في أحد آخر قراراتها، الجمعة، إلى تشديد القيود في أربع مناطق وتمديد الحظر على السفر داخليا بين المناطق. وعلى غرار دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، تأخرت إيطاليا أيضا في تطبيق برنامج التطعيم ضد كورونا، مرجعة الأمر إلى تأخر الشركات المنتجة في إيصال اللقاحات. وتأمل إيطاليا التي سجلت 100 ألف وفاة تقريبا بكوفيد - 19، في الحصول على حصة الأسد - نحو 200 مليار يورو - من صندوق الإنعاش الأوروبي الذي تم إنشاؤه في تموز (يوليو)، لكن عليها عرض خطة إنفاق مفصلة لبروكسل بحلول نهاية نيسان (أبريل). وبحسب تحليل صدر عن "مركز الإصلاح الأوروبي"، فإن "إنفاق الأموال غير كاف، إذ تتوقع المفوضية الأوروبية أن تترافق المصروفات مع إصلاحات". وعلى رأس الأولويات تسريع حملة التلقيح التي تأثرت كما في دول أوروبية أخرى ببطء تسليم اللقاحات. ولقح حتى الآن 1.2 مليون إيطالي فقط من أصل 60 مليونا. وثمة ملفات أخرى تعود إلى عقود، سيضطر دراجي إلى معالجتها، هي تسريع عمل القضاء وتصحيح البيروقراطية لتصبح الإدارة أكثر فاعلية وإطلاق عملية التحول البيئي التي ستنسقها الوزارة الجديدة المخصصة لهذه الغاية، الأولى من نوعها في إيطاليا.
مشاركة :