ميثاق العمل الوطني المبادرة التاريخية الرائدة.. والمبادئ الوطنية

  • 2/14/2021
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الميثاق أرسى أسس ومقومات الحكم الدستوري والدولة الحديثةمثّل التحول الديمقراطي واحدة من أهم تطلعات الشعب البحريني، ظل يؤكدها منذ بدايات القرن الماضي، مع سبق البحرين في النهضة التعليمية، وما تمتعت به من حيوية ثقافية، وما شهدته الطبقة المتوسطة من نمو، وقد التقت هذه التطلعات مع رغبة قوية من القيادة البحرينية في إنشاء دولة عصرية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، الأمر الذي تأكد بعد حصول البحرين على استقلالها السياسي في 1971، بإصدار الدستور وممارسة الحياة النيابية، ونمو المجتمع المدني.‭}‬ لم ينتظر جلالة الملك حمد بن عيسى ضغوطًا دولية لإجراء التحول الديمقراطي، كتلك التي حدثت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، فقد جاء إلى تحمل المسؤولية في مارس 1999 ومعه رؤية إصلاحية شاملة تقوم على إنجاز التحول الديمقراطي تدريجيا بتوافق شعبي لبناء دولة ديمقراطية عصرية، ويتم صياغته في مجموعة مبادئ فوق دستورية، تكون بمثابة عقد اجتماعي جديد، كشأن وثيقة الماجنا كارتا في بريطانيا.‭}‬ لهذا، فبعد أن عقد جلالته سلسلة لقاءات مكثفة مع مختلف أطياف الشعب البحريني، وقام بعدة زيارات ميدانية لجميع المناطق والمحافظات، وبناءً على محصلة هذا الجهد أصدر يوم 22 نوفمبر 2000م الأمر الأميري رقم 36 لسنة 2000 بتشكيل لجنة وطنية عليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني، كوثيقة سياسية تحدد، كما ذكرت، المادة الأولى من الأمر الإطار العام للتوجهات المستقبلية للدولة في مجالات العمل الوطني، ودور مؤسسات الدولة وسلطاتها الدستورية في هذا الشأن، على أن تلتزم اللجنة في إعدادها لهذا المشروع بمراعاة القيم والمبادئ الراسخة والسائدة في دولة البحرين، وبالملامح الأساسية لتراث وتجربة الشعب البحريني في العمل السياسي، وكل مجالات العمل الوطني في المرحلة السابقة باعتبارها أساسية، ومنطلقًا للعمل في المرحلة المقبلة، وللجنة أن تستهدي في مهمتها بتجارب الدول الأخرى، التي تتشابه ظروفها الدستورية والسياسية مع ظروف دولة البحرين.* حددت المادة الثانية 46 عضوًا من المسؤولين والمتخصصين، والمجتمع المدني، يمثلون النخبة الوطنية لأطياف الشعب البحريني، في جميع المجالات، ومن مختلف المواقع، كلجنة فنية لتحقيق رؤية مشتركة، برئاسة وزير العدل والشؤون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وعضوية بعض الوزراء ورئيس مجلس الشورى وأعضاء من مجلس الشورى، وقانونيين واقتصاديين وعلماء دين وأكاديميين ومهندسين، من خيرة أبناء الوطن وبعض الكفاءات النسائية، وبلغت مشاركة المرأة 6 سيدات من إجمالي أعضاء اللجنة.‭}‬ عقدت اللجنة أول اجتماعاتها بتاريخ 4 ديسمبر 2000، تلته اجتماعات أخرى في 6 و9 و11 و13 و18 ديسمبر، حتى انتهت من إعداد المشروع ورفعه إلى عاهل البلاد في 23 ديسمبر 2000. وفي هذه الجلسات تحاورت اللجنة في مختلف أبعاد مشروع الميثاق، بندًا بندًا، ولا تنتقل من بند إلى آخر إلا بعد مناقشته باستفاضة، والموافقة عليه بروح المسؤولية وفي مناخ فكري اتسم بالانفتاح، وتبادل الآراء. ولدى استقباله المشروع الذي أعدته اللجنة يوم 23 ديسمبر ألقى جلالة الملك حمد بن عيسى كلمة تاريخية أكد فيها ثقته في إنجاز هذا المشروع الذي يمثل خطوة متقدمة في مسيرة التحديث السياسي للدولة والنظم المؤسسات، بما يلبي تطلعات الشعب البحريني نحو مزيد من التطور والتقدم الحضاري، وأن هذا المشروع سيكون موضع عنايته وتقديره وأمانة بين يديه حتى يتم طرحه في استفتاء شعبي عام بحسب النظم والإجراءات المتعارف عليها في هذا الشأن.وطرح جلالة الملك مشروع الميثاق الوطني كما انتهت إليه اللجنة المذكورة للاستفتاء الشعبي العام يومي 14 و15 فبراير 2001، وأكد إعلان الدعوة للاستفتاء حق الرجال والنساء البحرينيين كافة البالغين من العمل 21 عامًا في المشاركة في التصويت، ونال الميثاق موافقة 98.4% ممن لهم حق التصويت، بنسبة مشاركة بلغت 90.3%، ليمثل الميثاق الوطني بذلك ثاني التحولات الكبرى الأكثر أهمية في تاريخ البحرين الحديث بعد الاستقلال الذي يعد التحول الأول، فقد مثّل هذا الميثاق نقلة تاريخية في مسيرة البحرين نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات، وضمن العقد الاجتماعي للبحرين وطنا لجميع أبنائه، وفق مفهوم المواطنة الدستورية، بما تضمنه من مبادئ إنسانية وحقوقية سامية، وغدا القاعدة الأساس لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة، ودشن العهد الإصلاحي الشامل على أسس وطيدة تمثلت لاحقا في إصدار الدستور الوطني، وتحول البحرين إلى مملكة دستورية، تقوم على أسس راسخة من الحقوق والعدالة والمساواة والشفافية، مكفولة بقوة الدستور والقوانين، وليصبح ميثاق العمل الوطني مجسدا للعقد الاجتماعي الذي يجمع المواطنين بجميع فئاتهم، والذي يصهر المكونات المجتمعية في بوتقة الوطن الواحد لجميع أبنائه على قدم العدالة والمساواة.‭}‬ عقب الموافقة الشعبية على الميثاق الوطني أصدر الملك في 24 فبراير 2001 المرسوم رقم 6 لسنة 2001 بإنشاء لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني، بهدف مراجعة جميع القوانين والتشريعات الوطنية، واقتراح التعديلات والآليات اللازمة لتنفيذ مبادئ الميثاق، وتم تشكيل اللجنة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 15 لسنة 2001، وترأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، وضمت في عضويتها 14 عضوًا منهم سيدتان، وعقب عمل متواصل لهذه اللجنة استمر نحو عام صدر الدستور المعدل في 14 فبراير 2002، الذي قنن المبادئ التي احتواها ميثاق العمل الوطني.أبرز ما جاء في الميثاق الوطني ‭}‬ ينقسم الميثاق الوطني إلى مقدمة و7 فصول:ففي المقدمة: تحدث الميثاق عن شخصية البحرين التاريخية، مقدما تسلسلا تاريخيا مختصرا لمختلف العصور التي مرت بها وصولا إلى حكم أسرة آل خليفة، مؤكدا عروبة البلاد وثقافتها الإسلامية. ثم تستعرض المقدمة مراحل إعداد أول دستور للبلاد عام 1973 وإجراء أول انتخابات برلمانية لتأسيس مجلس وطني. بعد ذلك تنتقل إلى الحديث عن المستقبل السياسي للبلاد وتؤكد أهمية المشاركة الشعبية التي تتحمل أعباء الحكم والإدارة كثابت من الثوابت الوطنية في ظل النظام الملكي الوراثي الدستوري الديمقراطي. وتستعرض المقدمة أهمية الأخذ بنظام المجلسين في العمل التشريعي، مؤكدة أن ذلك يتيح الجمع بين ميزة الاستفادة من حكمة ذوي العلم والخبرة من أعضاء مجلس الشورى وتفاعل الآراء الشعبية من جميع الاتجاهات التي يضمها المجلس المنتخب انتخابا حرا مباشرا.وتضمن الفصل الأول عددا من العناوين البارزة، من بينها المقومات الأساسية للمجتمع، وأهداف الحكم وأساسه، وكفالة الحريات الشخصية والمساواة، وحرية العقيدة، وحرية التعبير والنشر، ونشاط المجتمع المدني، والأسرة أساس المجتمع، والعمل واجب وحق، والتعليم والثقافة والعلوم.وتضمن الفصل الثاني سبعة عناوين هي: الأمير، وشكل الدولة الدستوري، والشريعة الإسلامية والتشريع، والشعب هو مصدر السلطات جميعا، ومبدأ الفصل بين السلطات، وسيادة القانون واستقلال القضاء، وحق الشعب في المشاركة في الشؤون العامة.وفيما يتعلق بنظام الحكم: يستعرض الميثاق في هذا الفصل طبيعة نظام الحكم في البحرين، ويؤكد أنه «وراثي دستوري على الوجه المبين في الدستور والمرسوم الأميري الخاص بالتوارث»، وأن نظام الحكم ديمقراطي وأن الشعب مصدر السلطات، ويؤكد أيضا مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث مع التعاون بين هذه السلطات وفق أحكام الدستور، مشيرا إلى أن سيادة القانون واستقلال القضاء هما ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات، وأن من حق المواطنين رجالا ونساء التمتع بالمشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية في البلاد. وتضمن الفصل الثالث الأسس الاقتصادية للمجتمع المتمثلة في مبدأ الحرية الاقتصادية، والملكية الخاصة، والعدالة الاقتصادية والتوازن في العقود، وتنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي، والبيئة والحياة الفطرية، والأموال العامة والثروات الطبيعية، وأخيرا العمالة والتدريب.وتضمن الفصل الرابع تأكيد أن الأمن الوطني هو السياج والحصن الحصين لحماية البلاد وصيانة أراضيها ومكتسباتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ودعم مسيرة التنمية الشاملة، وخاصة في ظل الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية المعاصرة، ومن أهم ركائز الأمن الوطني دعم وتعزيز قوة دفاع البحرين لتكون قادرة على أداء مهامها وواجباتها على الوجه الأكمل، كما تقتضي توفير المعدات والمقومات الأساسية لقوات الأمن العام لكفالة أداء واجبها في نشر الأمن والطمأنينة في ربوع البلاد والسهر على حفظ النظام والأمن العام.وأسس الفصل الخامس للحراك النيابي في صيغة المجلسين، إذ يختص بالحديث عن الحياة النيابية ويستعرض أنواع الديمقراطيات المختلفة في العالم، ويشير إلى أن «العديد من الديمقراطيات العريقة تأخذ بنظام المجلسين؛ فتضم مجالسها التشريعية مجلسين أحدهما يمثل الاتجاهات والأفكار المتنوعة ووجهات النظر المختلفة بين أفراد الشعب في القضايا المعاصرة، والآخر يعمل كمجلس للمختصين وأهل الخبرة».ثم ينتقل إلى تأكيد أنه من صالح دولة البحرين أن «تتكون السلطة التشريعية فيها من مجلسين: مجلس منتخب انتخابا حرا مباشرا يتولى المهام التشريعية، إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة».أما الفصل السادس فتناول التأسيس لمبادئ العلاقات الخليجية، التي تضمنت: «دولة البحرين ستعمل دوما، وبكل ما أوتيت من جهد، على دعم مجلس التعاون ومساندة القضايا العادلة للدول الأشقاء الأعضاء فيه، وتعتبر ذلك من ثوابت سياستها التي تعتبرها نهجا أساسيا وضروريا ومصيريا، ذلك أن أمن ورفاه دولة البحرين جزء لا يتجزأ من أمن ورفاه دول الخليج العربية الشقيقة الأخرى».فيما يحدد الفصل السابع مبادئ العلاقات الخارجية التي تتضمن: «دولة البحرين تعتز بحقيقة انتمائها العربي، وبكون شعبها الأبي جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية، وأن إقليمها جزء من الوطن العربي الكبير». وقد تجسد هذا الانتماء ليس فقط في وحدة اللغة والدين والثقافة، ولكن أيضا في الآمال والآلام والتاريخ المشترك.

مشاركة :