مقال: لا تُبالغ  بقلم / حسين بن سعيد الحسنية

  • 2/14/2021
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بسم الله الرحمن الرحيم تعلمتُ من حياتي وبعد تجارب ومواقف عدّة أن أقيس كل أمر بمقياسه الذي يستحق, وأن لا أعطيه أكثر من حجمه, وأن أراه دائماً بعينيّ التوازن والحكمة, وفي المقابل أعمل على عدم إهماله أو اسقاطه من حساباتي بل عليّ أن أتعامل معه التعامل الإيجابي الذي يستحقه أيضاً. أذكر مرة أنّ أحدهم أخبرني بمشكلة قد تحدث بعد أسبوع أو أسبوعين وأنّني طرفٌ فيها, أعترفُ فعلاً أنّي لم أذق طعم النوم الحقيقي ولم يهنأ لي عيش طيلة تلك الفترة, وأخذتْ تلك المعلومة كل تفكيري واهتمامي, بل إنّها تسببت في تعكير صفوي وتغيّر مزاجي وسوء معاملتي مع من حولي, ولمّا جاء موعد قدومها – أي المشكلة – اتّضح لي أن لا مشكلة مطلقاً, وأن المشكلة الحقيقية أنِّي أعطيتُ ما قاله صاحبي من معلومة أكبر من حجمها إلى درجة أنها أثّرت سلباً على حياتي كلِّها, وإنّ من أثارها النفسية عليّ أني ما نسيت تلك الفترة الزمنية الصعبة التي عشتها بسبب معلومة صاحبي التي أعطيتها أكثر من حجمها. وأذكر أيضاً أنني قابلتُ رجلاً في أحد المستشفيات يغشى وجهه الحزن والقلق فسألته عن مّا به فقال: لقد أجريتُ قبل عشرة أيام بعض التحاليل الطبيّة الّلازمة ومن تلك اللحظة التي خرجتْ معها أول قطرة دم من جسدي وأنا أعيش في خوف شديد وقلق متزايد, انقلبتْ حياتي طيلة العشرة أيام الماضية رأساً على عقب, صرتُ أفكّر في الموت وكيف أقابله؟, وفي أهلي وأبنائي كيف أفارقهم…الخ, وفي أثناء دردشتنا تلك نادت الممرضة باسمه, ففُجع وارتجف وقام وهو يجرّ قدميه ببطء خوفاً ممّا سيسمعه من أخبار سيئة من الطبيب, وما هي إلا دقائق حتى خرج عليّ بوجه غير الوجه الذي دخل به, وبابتسامة يجاريها الفرح والسرور, يبشّرني أنّ نتائج التحاليل سليمة, فعبّرت له بسروري وشاركته فرحته, لكن لم يفتني أن أبيّن له الخطأ الذي وقع فيه خلال العشرة أيام الماضية التي كان ينتظر نتيجة التحاليل فيها, وقلت له: لقد بالغت في الخوف من نتائج التحاليل, وفي الحزن على حالك في ما لو كانت نتائجها سلبية, حتى فسد عيشك وخارت قواك, وكان الأولى أن لا تستبق الأحداث ولا تتوقع الأسوأ وأن يكون لك رصيداً كافياً من التفاؤل والأمل. نعم.. هناك الكثير جداً من المشاكل والمصاعب والعوائق في حياتنا والتي يتطلب منّا التعامل الإيجابي معها ويكون ذلك حينما نضعها في ميزان الاعتدال والحكمة فلا نتجاوزها دون معالجة ولا نتركها دون حل وفي المقابل لا نعطيها أكثر مما تستحق ولا نصنع كما يُقال – من الحبّة قُبّة – ولا – من الحصى جلمود صخر – فتكون حاجزاً بيننا وبين استمتاعنا بحياتنا, فلا نشعر بما فيها من الجمال والصفاء. إنّ تضخيم الأمور سواءً كانت مشاكل أو علاقات أو اهتمامات يضرّ بنفسيّة الإنسان ويُشغل تفكيره ويُعطّل جزءاً كبيراً من حياته, وقد يُعدّ التفكير فيها بشكل مبالغ فيه سبباً في انسحاب ذلك الضرر إلى الجسد, وكم سمعنا من أخبار أشخاص أُصيبوا بأمراض خطيرة كان منشأها الخوف من القادم أو الحزن على الماضي أو الحساسية المفرطة وغيرها. لذا فإنّ على كل واحد منّا أن يوطّن نفسه على التعامل مع الأحداث التي تواجهه في حياته, وأن يجمع له من الشجاعة والصبر ما يُعينه على استقبالها الاستقبال الأمثل, ومن الرضى والقناعة ما يجعله أكثر ثباتاً وحكمة, ومن الذكاء والفطنة ما يحميه من التخبّط والاستعجال.

مشاركة :