الاحتفال بالمناسبات بشكل عام فرصة، ومحطة ليعبر المحتفلون عن ارتباطهم وتأثرهم واهتمامهم بها، لكن حينما تكون المناسبة ليست شخصية، ولا فئوية، بل وطنية جامعة، يصبح للاحتفال معاني أخرى مضافة، لماذا لأن الاحتفال بالوطن ليس صورة أو كلمات جميلة تقولها وتذهب لانشغالاتك اليومية، الاحتفال بالمناسبات الوطنية هو وقفة تأمل ومراجعة ذاتية وموضوعية لطبيعة العلاقة التي تربطنا بوطننا، والوطن هو الأم الحنون لأبنائه، فحينما نراجع أنفسنا لنرى مدى برنا بأمنا، مهما كان كبيرا فهو لا يساوي ذرة من عطائها وفضلها وقدرها ومكانتها عند الله. هكذا ينبغي ان ننظر للمناسبات الوطنية ونتأمل طويلا في أحداثها وكيف أثرت في ماضينا وحاضرنا، لنسهم في ضوء هديها ببناء مستقبلنا. والاحتفال بذكرى ميثاق العمل الوطني احتفال بمناسبة وطنية كبرى كاليوم الوطني وكيوم جلوس جلالة الملك المفدى، فهو انطلاق لمرحلة مميزة من مراحل بناء الدولة الحديثة في مملكة البحرين اقترنت بخيار وقرار شعبي حاسم بنتائجه ومضامينه، فمن حيث النتائج صوت للميثاق 98.4% من اصل 90% من الذين شاركوا في الاستفتاء ممن يحق لهم التصويت من شعب البحرين، وكان ذلك بمثابة إجماع عام وتجديد للعهد والمبايعة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ومنهجه الوطني في ترصين وحدة البلاد وتعزيز أمنها، وفي مشروعه الإصلاحي الشامل واستراتيجيته النهضوية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن حيث المضمون يمثل حقبة جديدة من رسوخ الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والأمني للبلاد وبدء مرحلة جديدة من الانفتاح الخارجي والتواصل الحضاري مع الأمم والشعوب، فهو قاعدة البنية والهيكلية السياسية والاقتصادية اللاحقة التي شهدتها البلاد، والتي نعيش تفاصيلها بكل فخر واعتزاز، وهو خطوة متقدمة في مسيرة الاجماع السياسي على نهج القيادة وفلسفتها في الحكم ومرئياتها في تنظيم الدولة، واستفتاء وطني قل نظيره على مشروعيتها التاريخية وضرورتها الوطنية لاستقرار المملكة وأمنها وتطورها ونهضتها ورقي شعبها. وهو تعبير عن تلاحم الشعب والقيادة في بناء الوطن على أسس متينة وراسخة من دون تمييز أو إقصاء، لذا فإن احتفالنا في الرابع عشر من فبراير في كل عام بذكرى إعلان ميثاق العمل الوطني يعكس صدق إيماننا بمبادئ الميثاق وسعينا لتجسيد مضامينه وفق معايير ثابتة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فهو مرجعية وطنية خالدة لا يمكن القفز فوقها ولا يمكن تجاهلها، حيث يعد حجر الأساس للدولة العصرية وقاعدتها المؤسسية ونظامها الدستوري وخيارها الديمقراطي الذي يعلي من شأن المواطن باعتباره غاية النهضة ووسيلتها، المستند إلى العدل والشورى وضمان حقوق الإنسان، ومشاركة الشعب بمختلف قواه الوطنية في إدارة البلاد، سعيا نحو تحقيق آمال وطموحات المواطنين في دولة المؤسسات والقانون التي تزهو بالأمن والاستقرار والرخاء والنزاهة وتكافؤ الفرص، توفر لشعبها مقومات الانطلاق والنهوض والتقدم ليواكب ما يشهده العالم من تطورات في ميادين العلم والتعليم والتنمية والتقنية والبناء، وليتفاعل مع العالم من موقع متكافئ في الثقافة والوعي والإدراك والقدرة على التعامل مع معطيات العصر وتحدياته, وتحسين مستوى الخدمات، وتعظيم تنافسية الاقتصاد الوطني، وتفعيل أدوات الرقابة المالية والإدارية والشعبية فضلا عن البرلمانية. وزيادة الشفافية والإفصاح في عمل إدارات الدولة. وقد تمكنت المملكة بعون الله وبحكمة وصبر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وقراءة جلالته الصحيحة لمعطيات الحاضر وصياغته الرشيدة لمتطلبات المستقبل من تحقيق نجاحات باهرة على خطى الميثاق وبوحي منه وتجسيد للالتزام الواعي بمبادئه، ذلك ان روح ومبادئ ميثاق العمل الوطني متنامية ومتواصلة ومتجددة في مرئيات وتوجيهات القيادة ولا سيما ما يتعلق بالشراكة الشعبية المتميزة في بناء مؤسسات الدولة وتحقيق التنمية والتقدم، وتنامي المنجزات وتطور الخطط والبرامج النهضوية وتحقيق العدالة والفصل بين السلطات، باعتبار ان الميثاق عقد وعهد لا بدَّ من البر به والالتزام التام به. وقد بر جلالة الملك المفدى بعهده وأصر على الالتزام بمضامين الميثاق وتطوير آلياته وتوسيع وتحديث خياراته ووسائله من دون مغادرة روحه وأسسه. كما ان التحديات الصحية بفعل جائحة كورونا، والتحديات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية التي تتصدى لها مملكتنا العزيزة في الوقت الحاضر بكل اقتدار تدفع باتجاه المزيد من اللحمة الوطنية. لذا ونحن نحتفل بذكرى الميثاق لا بد ان نقرأ الأحداث برؤية تنطلق من التزامنا الثابت بميثاق العمل الوطني بكل صفحاته ومعانيه ومتطلباته، وندعم بقوة الإجراءات الاحترازية لحماية المواطنين والمقيمين من تبعات جائحة كورونا، وان نعمل يدا بيد مع السلطات الأمنية لمواجهة الإرهاب والتخريب المنظم، ونكون العين الساهرة لاجتثاث العملاء والمأجورين الذين يسعون لزعزعة امن المواطنين والمقيمين في هذه الأرض الطيبة. كما ينبغي ان نتفهم بعمق الظروف المالية والاقتصادية التي تمر بها بلادنا الناجمة عن مجمل التحديات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية الإقليمية والعالمية، وأن نقف إلى جنب الحكومة ومجلس النواب في التصدي المشترك لتداعيات الأزمة الراهنة عبر المزيد من تقليص الانفاق الحكومي والشعبي والبحث عن الفرص التنموية المدرة للإيرادات بأقل كلفة ممكنة والسعي الجاد لتنويع مصادر الدخل، وإعادة تنظيم الحساب الاقتصادي سواء للدولة أو للأفراد من خلال الترشيد الذكي وجدولة الأسبقيات وابتكار الحلول المعززة لتنمية الموارد. وعلى الصعيد الخليجي ينبغي ان ندرك المصير المشترك لنا وبالتالي ان نقف موحدين في مواجهة المؤامرات العاتية التي تعصف بالمنطقة وأن نؤمن بأن تكاملنا وصولا إلى الاتحاد ضرورة وطنية وإقليمية لنا. وعلى النطاق العربي والإسلامي فإن امتنا تتعرض لأخطر هجمة في تاريخها المعاصر تستهدف تفتيت شعوبها وتجزئة دولها وطمس معالم وحدتها وصولا إلى إفنائها عبر تحالفات إقليمية ودولية رهيبة. وإزاء هذه التحديات لا بدَّ ان نستحضر روح ميثاق العمل الوطني لتلهمنا المزيد من الوحدة والتوثب والتطلع إلى المستقبل المشرق بعون الله وحكمة ورشد قيادتنا الخليفية الخليجية العربية المسلمة، وانها لمناسبة طيبة ان تحل ذكرى الميثاق هذا العام مع النجاحات الباهرة التي حققتها حكومتنا الرشيدة في مختلف المجالات برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر، معبرة عن رؤية سموه الصائبة والعميقة لاستحقاقات الحاضر ومتطلبات المستقبل. أجمل التهاني واسمى التبريكات إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وإلى شعب البحرين الوفي بمناسبة الذكرى العشرين لميثاق العمل الوطني، وكل عام وقيادتنا الرشيدة وشعبنا المعطاء بخير ومملكتنا الحبيبة أكثر استقرارا وتماسكا، وأعز شأنا وأعظم تطورا.{ أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :