تحتفل مملكة البحرين هذه الأيام بذكرى عزيزة على كل فرد من أبناء البحرين، وفي ذكرى ميثاق العمل الوطني الذي نحتفل هذا العام بمرور عشرين عاما على ذلك الحدث التاريخي الكبير الذي حول البحرين من حال إلى حال في 14 فبراير 2001 عندما أعلن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى -أيده الله- هذا الميثاق لأبناء شعبه ويشكل فريقا وطنيا من عشرات الخبراء والمختصين والسياسيين والقانونيين والمهنيين والتربويين والأكاديميين وغيرهم من فئات المجتمع البحريني بمختلف مكوناته الاجتماعية والطائفية لوضع الأسس والمبادئ الأساسية لميثاق وطني جامع يعيد إلى البحرين مجدها ويرفع بها نحو مستقبل أفضل.وكانت استجابة المجتمع البحريني مذهلة وتدعو إلى الاعتزاز عندما وافق على مبادئ هذا الميثاق بنسبة 98.4% بما يشبه الإجماع وهي نسبة قلما تحدث في أي تصويت أو انتخابات في تفويض شعبي كامل لقائد المسيرة جلالة الملك حمد بن عيسى -حفظه الله ورعاه- للمضي قدما في اتجاه مرحلة جديدة من تاريخ البحرين المعاصر قائمة على المشاركة الشعبية والديمقراطية والمواطنة المتساوية وضمان الحريات العامة والخاصة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، وقبل ذلك التأكيد على هوية البحرين العربية الإسلامية وانتمائها إلى المنظومة الخليجية وعلى وحدتها الوطنية، بحيث يظل المواطن مكتسبا لمواطنيته بحكم القانون والدستور ومساويا لإخوانه المواطنين مهما كانت أصولهم الاجتماعية أو طوائفهم أو مذاهبهم أو أديانهم فالمواطنة هي الحد الفاصل الوحيد والكفاءة هي أساس تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة.اليوم ونحن نحتفل بهذه الذكرى العزيزة نتوقف عند ثلاث محطات لا بد من استذكارها والنظر إليها بعين فاحصة وبرؤية تحليلية:الأولى: أن ميثاق العمل الوطني قد شكل الإجماع السياسي المرجعي الذي ترجمه بعد ذلك دستور مملكة البحرين لعام 2002 من خلال العديد من المبادئ التي أصبحت جزءا من حياة المجتمع البحريني وهي الهوية العربية لمملكة البحرين والمملكة الدستورية وشرعية الحكم والانتماء الخليجي والديمقراطية المسؤولة وضمان الحريات العامة والخاصة وغير ذلك من الحقوق والواجبات والقواعد القانونية التي تحكم مختلف أوجه الحياة.كما توالت القوانين والتشريعات التي تكرس هذه الثوابت الوطنية الجامعة ومنها على وجه الخصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تمنح جميع المواطنين ذكورا وإناثا الحق في الترشح والتصويت وقانون إنشاء الجمعيات السياسية وقانون الانتخابات وقانون النقابات وغير ذلك من التشريعات الضامنة لتلك الثوابت والمبادئ التي جاء بها ميثاق العمل الوطني وكرسها الدستور وترجمتها القوانين إلى قواعد محكمة للحياة السياسية والاجتماعية.الثانية: المحتوى الاقتصادي الذي تم تضمينه ميثاق العمل الوطني ضمن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك بوجه عام خاصة رؤية البحرين الاقتصادية 2030 والتي جعلت البحريني الخيار الأول في كل شيء ومنحت الميثاق محتوى اقتصاديا واجتماعيا يقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وعلى العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع متوازن متضامن. وقد ترجمت البحرين خلال هذه السنوات العشرين الماضية تلك الثوابت والتوجهات بشكل واضح وجلي من خلال توفير مظلة اجتماعية واقتصادية للمواطنين وتوفير كل الخدمات الأساسية بشكل شبه مجاني سواء في التعليم أو الصحة وغير ذلك من أوجه الحياة الأساسية للمواطنين.وهذا المضمون ترجمه جلالة الملك بمكرمات عديدة خلال السنوات العشر الأولى على الأقل كتخفيض أقساط الإسكان إضافة إلى تحسين أوضاع موظفي القطاع الحكومي من خلال زيادة الرواتب والأجور في أكثر من مناسبة.الثالثة: ولكن مع الأسف الشديد على الرغم من كل ما تحقق من إنجازات كمية ونوعية خلال السنوات العشر الأولى من عهد الميثاق وبالرغم من أن الحياة السياسية كانت مزدهرة والحياة الاجتماعية والاقتصادية كانت في نمو مطرد، فإن قوى الشر الداخلية والخارجية لم يعجبها ما كان يتحقق من إنجازات ونتائج باهرة في مملكة البحرين، وخاصة على صعيد الحياة السياسية والاقتصادية فأبت إلا أن تركب موجة الاضطرابات التي سادت عددا من بلدان الوطن العربي في عام 2011 ظانة أنها الفرصة المواتية لإنجاز الانقلاب الذي طالما خططت له في الخفاء رافعة شعارات تتعلق بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بالتواطؤ مع قوى إقليمية ودولية كبرى وهي مطالب محققة على أرض الواقع منذ عام 2001 أصلا وقبل أن تبدأ موجة الدمار العربي وليس الربيع العربي، حيث إن جلالة الملك -أيده الله- كانت له نظرة استباقية استبق بها تلك الموجة قبل عشر سنوات من حدوثها فقدم مشروعا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا للنهوض بالبحرين والتحول بها إلى مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس المشاركة الشعبية والانتخابات والحياة البرلمانية، ولكن بشكل متدرج لا يؤدي إلى اهتزاز الحياة السياسية والاجتماعية، ولكن تلك القوى للأسف الشديد لم يكن يهمها تصويتها على الميثاق الغليظ ولم يكن يهمها استقرار البلد وتوازنه ونماءه وازدهار الحياة فيه، بل كان همهما الوحيد هو تحقيق الهدف الانقلابي الذي يترجم أهواءها الطائفية وتبعيتها للخارج ولكن والحمد لله ان هذه المحاولة لم تنجح لسببين:الأول: التفاف شعب البحرين حول قيادته الشرعية وإيمانه الراسخ بحقيقة الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع.الثاني: تيقن الغالبية العظمى من أبناء الشعب البحريني من أن هذه الجماعات كانت تعمل لحسابات ضيقة بعضها طائفي وبعضها خارجي ولذلك فإننا عندما نحتفل اليوم بمرور عشرين عاما على ميثاق العمل الوطني نستذكر في الوقت ذاته كل هذه الجوانب والدروس التي نوجزها في عبارة واحدة مختصرة هذا هو ميثاقنا الغليظ الذي يجب أن نتمسك به جميعا لضمان وحدتنا الوطنية تحت قيادة حامي الوطن جلالة الملك حمد بن عيسى لبناء مجتمع ديمقراطي متطور يقوم على المواطنة البحرينية ولا غيرها من القيم والمفاهيم التمييزية وكل عام والبحرين وقيادتها وشعبها بخير.
مشاركة :