بقلوب الآباء احتضنت قيادة الدولة شعبها، وحملت عن قلبه حزن الفراق، فصار الوطن مثل بيت دافئ تقول فيه القيادة لشعبها ما هي إلا محنة، وسيلقى الأعداء ما يستحقون، فأهالي الشهداء لم تتسعهم بيوت العزاء وهم يستقبلون صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إذ كانت القيادة تشد من عزيمة أهالي الشهداء. وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من الصور النادرة، يحتضن فيها صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، ابنة الشهيد عبد الله الجابري، وهو يبكي على رحيل الشهداء، وكأنه يقول للطفلة الصغيرة إن الشعب كله وقيادته هو والدك، وأن دمه لن يضيع هدراً. بتلك المشاعر وقف الشعب الإماراتي والقيادة الحكيمة في جنازة الشهداء، فصار الشهداء سيرة الفخر والعزة التي يتناقلها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي وفي أحاديثهم، فكما انشغلت وسائل الإعلام في نقل عزاء الوطن، انشغل الشعب الإماراتي بكل شرائحه بقصة الشهداء، وصاروا أمام حكاية من العزة والفخر، قدم فيها الشهداء دماءهم دفاعاً عن أرضهم، ووطنهم. ينكشف ذلك بدءاً من عائلات الشهداء، وامهاتهم، فالأم التي تناقلت وسائل الإعلام تسجيلاً مصوراً لها، وهي تمسح دموعاً دافئة، كانت رغم بكائها، تقول: رفع رأسنا فوق، وكلنا فداء بلدنا، وأرضنا، بس والله قلبي يعورني هذا ولد قلبي، وكأن الأم بذلك تتعالى على حزنها وتقول إن ابنها ليس هو ابنها وحدها، إنما هو ابن الإمارات، ولوطنه عليه واجب، مثلما له على كل من يعيش فيه وينعم بخيره وأمنه وعزة اهله. تحوّل حادث استشهاد الجنود إلى حكاية يقف فيها الشعب الإماراتي في لحمة واحدة أمام الفاجعة والغدر، فصار الشعب جسداً واحداً يكمل بعضه الآخر، ويتألم لفقيد عائلات الشهداء مثلما يتألم لفقد أبنائه، وكأن ما جرى جاء ليؤكد الخصال التي تربى عليها الشعب الإماراتي طوال مسيرته على خطى المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، حيث صارت حكمته وأقواله شهادات يتناقلها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، وصارت مقولة (عيال زايد)، تؤكد الكثير من المعاني التي يتناقلها الوسط الشعبي العربي والإسلامي. يلخص تفاعل الشعب مع أهالي الشهداء ووقوفهم على مقربة من العائلات بكلامهم، وعزائهم، وأشعارهم، والشعارات التي يتناقلونها، واحدة من الخصال التي تمتاز بها الإمارات، فالشعب والقيادة عائلة واحدة متلاحمة، يقف كل فرد فيها في عون أخيه، ويهبون لعون جارهم، يحتضنون كل محتاج، ويجيرون كل مستجير، حتى باتت اليوم كما هي؛ البلد الذي يجتمع تحت سمائه مئات الجنسيات والطوائف والثقافات يعيشون في فضاء من المحبة والخير والسلام. كثيرة هي عبارات الفخر والشموخ والعزاء التي تناقلها الوسط الاجتماعي على مواقع التواصل الإلكتروني، إلا أن مجملها راح يخلد سيرة الشهداء العطرة، ويتغنى بتاريخ الإمارات وصلابة بنيانه، وعزة أهله، فغرد خالد المرزوقي على التويتر: اختلط الدم الإماراتي مع تراب اليمن فكانت الأرواح الطاهرة من توسدت أرض العروبة لنصرة الدين والوطن و الواجب. بذلك يربط المرزوقي وغيره من المغردين الذين كتبوا حول علاقة الشهداء بالأرض، بين الشعب الإماراتي بأسره وما يربطه من علاقات أخوية مع الشعب اليمني، إذ مثلما تشترك العائلات بصلات النسب والأخوة، فإن الشعوب ترتبط بالدماء، فالدماء التي تسيل دفاعاً على أرض جارها تصبح عهداً من الولاء والمحبة بين الشعبين. وكتب خلفان السلامي: دخلوا التاريخ من أشرف أبوابه ورفعوا رأس الخليج وكانوا السيف البتار في نصرة الحق فإلى الفردوس بإذن الله، وكأن السلامي والكثير من المغردين يشيرون إلى أن شهداء الإمارات حكاية فخر ليس للإماراتيين وحسب، وإنما لكل الخليجيين والعرب والمسلمين، فكذلك كتب عادل السناني: وطن من المحيط إلى الخليج، أملنا أمة عربية واحدة، نموت لتحيا دولة الإمارات العربية المتحدة. صور المؤازرة العربية والإسلامية راحت تتكشف في وجدان الشوارع العربية على شهادة جنود الإمارات البواسل، إذ حمل وسم (استشهاد جنود الإمارات البواسل) الكثير من صور التآخي والمؤازرة، منها ما ظهر في نصوص العزاء، والدعاء لأهل الشهداء بالصبر والسلوان، ومنها ما مثّل الشهداء بصور وبوسترات تجعل منهم رمزاً للعزة والفخر والكرامة، وأخرى عبر الفيديوهات المصورة التي تتغنى بشهادتهم. واحد من تلك التفاعلات ظهر بصورة شعار يمثل جندياً مرسوماً بألوان العلم الإماراتي يؤدي التحية العسكرية لصور الشهداء الموزعة في شكل دائري، ومنهم من صمم شعاراً لمقاتلين من الجيش الإماراتي يحملون أسلحتهم بقوة وصلابة، ويصرخون، وخلفهم يرفرف علم الإمارات ويظهر العزاء: عظم الله أجرك يا وطن. ليس ذاك وحسب فقد نشر عدد من المتفاعلين فيديو يصورهم يرتدون اللباس العسكري ويتجهزون للحرب، متمنين أن ينالوا الشهادة دفاعاً عن وطنهم، وهذا ما كشفته الكثير من المنشورات، فكتب سالم الجحوشي: لا معنى للرجولة والوفاء إن لم نشارك بأرواحنا مع جنودنا البواسل خلف خطوط العدو، اللهم انا نسألك الشهادة معهم، ونشر بدر صفوق: كي تصنع أمة عظيمة مكللة بالمجد والحب والرفعة عليك أن تهديها دمك كلما احتاجت لهذا، وهذا ما فعل أبناء زايد. ليس ذلك وحسب إذ تحولت صورة الصاروخ الحربي الذي كتب عليه يوم الشهيد بخط اليد إلى رسالة وعيد تبشر بالنصر وتعد بالثأر، حتى أنها صارت علامة تحت الأخبار التي يتناقلها المجتمع الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، حول الغارات التي شنتها القوات الإماراتية على معاقل الحوثيين. مقابل كل ذلك ظهر التفاعل العربي مع الشهداء، فتناقل الكثير من الجمهور العربي عبارات العزاء للشعب الإماراتي، فكتب محمد سليمان زيود من الأردن: للشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله به الجنة، ولذويهم الرفعة فالدنيا والآخرة، للإمارات الشقيقة الحبيبة الصدارة. ونشرت صفحة مصر ام الدنيا وهاتبقى قد الدنيا: عزاء واجب من شعب مصر لأشقائنا في دولة الإمارات الحبيبة، (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)، شهداؤكم شهداؤنا.. ننعى بقلوب يعتصرها الألم الشهداء الابرار. وكتب د. حسن مرعب من لبنان: خالص العزاء باسمي وباسم كل لبنان لدولة الإمارات الأبية شيوخاً وحكومة وشعباً باستشهاد جنود الإمارات البواسل تقبلهم الله وتغمدهم بواسع رحمته. ونقلت الجالية المغربية في الإمارات عبر صفحتها على الفيس بوك، فكتبت: عزاؤنا واحد إنا لله وانا إليه راجعون. يؤكد ذلك الوجدان العربي الواحد والمشاعر الصادقة التي تشترك فيها الشعوب العربية أمام استشهاد الجنود البواسل، فالمجد دائماً للحق، والعزة لأهله.
مشاركة :