يعد كتاب "تاريخ التصميم الغرافيكي العربي" للدكتورة بهية شهاب أستاذ التصميم ومؤسس برنامج التصميم الغرافيكي بالجامعة الأميركية بالقاهرة ود.هيثم نوار رئيس قسم الفن بالجامعة، الأول في مجاله حيث يؤرخ لتاريخ التصميم الغرافيكي العربي خلال مائة عام، الأمر الذي لم يحدث من قبل، فأغلب ما يدرس في الأكاديميات العربية لا يشير إلى مصمم عربي، وذلك وفقا لمؤلفين، وهما من أهم وأبرز المتخصصين في هذا المجال ولهما اطلاعات واسعة على الكتب والمناهج. الكتاب الذي أصدرته مؤخرا دار نشر الجامعة الأميركية والمرشح لجائزة Prose Awards لعام 2021، استغرق العمل عليه أربع سنوات، وجاءت مادته العلمية الموثقة من أرشيفات مختلف داخل وخارج البلدان العربية، ويتناول تاريخ التصميم الغرافيكي العربي وتطور التصميم في المنطقة، مما قبل عام 1900 إلى القرن العشرين، بدءًا من الفن الإسلامي والخط العربي وتأثيرهما على الثقافة البصرية العربية، وصولًا إلى الثورة الرقمية وظهور الإنترنت. تقول شهاب في الندوة التي أقامتها الجامعة أخيرا لمناقشة الكتاب "لفت نظري أثناء دراستي لتاريخ التصميم بالجامعة الأميركية ببيروت أنه لم يكن هناك أي إشارة إلى مصمم جرافيكي عربي، ومن ثم بدأت التساؤل عن وجود مصممين غرافيكيين عرب للكتب أو غيرها، ولماذا فقط المصممون الأجانب هم الذين يتم توثيق أعمالهم وسيرتهم في هذا التاريخ؟ ويستكمل نوار فيشير إلى أن مشروع الكتاب بدأ عقب عودته من الخارج "كانت د.بهية قد أسست برنامج التصميم الغرافيكي بالجامعة، وكان جزء من المنهج تدريس تاريخ التصميم الغرافيكي في العالم العربي، ولأنه لم يكن هناك مراجع، كان أن تعاونت مع د.بهية كون اهتمامتنا البحثية في المجال متشابهة لكتابة المنهج الذي سوف يتم تدريسه ويوجه ليس لطلاب الجامعة الأميركية ولكن لكل مهتم بالمحتوى الذي له علاقة بالتصميم، وانطلق المشروع حيث كان لا بد من تجميع مواد علمية من مختلف الدول العربية. وأثناء رحلة البحث اكتشفنا نماذج هائلة وغنية ومهمة جدا للتصميم العربي، وعند تجميعها ووضعها على طاولة واحدة للبحث تتساءل كيف لدينا كل هذا الثراء ولا نعرف عنه شيئا، ومن ثم كانت المسئولية صعبة كيف نصل بهذا الثراء التاريخي الهائل إلى القراء والمتخصصين". ويضيف إنه كان قلقًا دائمًا من أن تاريخ التصميم الغرافيكي العربي سيندثر ويقع في طي النسيانـ إذا لم يكن جيلنا مهتمًا، فهناك احتمالية كبيرة لفقدان مثل هذه المادة المهمة. لذلك، بصرف النظر عن مسؤوليتي الأكاديمية، كانت لدي دوافع شخصية للحفاظ على تاريخنا البصري حتى يكون متاحًا للأجيال القادمة أيضًا". وتلفت شهاب إلى أنه مع بداية العمل على مشروع الكتاب كانت الزيارة الأولى للبنان حيث كانت مركزا للنشر انطلاقا من الستينيات والسبعينيات، حيث كان أغلب مصممي الكتب على علاقات عمل قوية بدور النشر اللبنانية، وكان التوجه بالسؤال عن أهم المصممين، حيث اطلعنا على أهم أرشيفين؛ أرشيف الجامعة الأميركية، وأرشيف عبوده أبوجوده وهو مقتن متخصص لديه مجموعة مهمة".يركز الكتاب على أعمال أكثر من 80 مصمما عربيا متميزا من المغرب إلى العراق يمثلون الأعلى إنتاجية، من بينهم 40 مصمما من مصر وهذا الرقم جاء نتيجة استقطاب مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لمواهب من العراق ولبنان وسوريا فضلا عن العلاقات القوية التي كانت تربط الفنانين بعضهم ببعض، وطبقا للتصنيف من الجيل الأول يأتي عبدالسلام الشريف وحسين بيكار من مصر وضياء عزاوي من العراق ومحمد المليحي من المغرب وبرهان كركوتلي عبدالقادر أرناؤوط من سوريا، ومن الجيل الثاني حسن فؤاد وعبدالغني أبو العينين، ويضم الكتاب أكثر من 600 صورة ملونة لا تشكل سوى 30% من المادة التي تم جمعها ووثقها وفقا لمؤلفين. يوضح نوار "قبل "التصميم الجرافيكي"، كان هناك دوما المصممون، حيث سلطنا الضوء على دور المصممين في المنطقة قبل ولادة مصطلح التصميم الجرافيكي، بما في ذلك الطباعين، والخطاطين. وقمنا بتصنيف المصممين الرئيسيين إلى أربعة أجيال بدءًا من الثلاثينيات فصاعدًا، بالإضافة إلى جيل آخر نرى أنه الملهم للتصميم الجرافيكي العربي، ويضم العديد من المصممين الذين هم الآن في الخمسينيات من العمر". يتضمن الكتاب أيضًا مجموعة واسعة من استخدامات التصميم الجرافيكي، بما في ذلك الكتب، والمجلات، والصحف، والملصقات، والإعلانات، والطوابع واللافتات، والتي أثرت وألهمت المصممين العرب. ينظر المؤلفان أيضا إلى تأثير السينما، والازدهار الاقتصادي، والأحداث السياسية والثقافية التي ساهمت في تشكيل فكر وأعمال مؤسسي التصميم الجرافيكي العربي. في خلال بحثهما، زار شهاب ونوار أرشيف دول عربية مختلفة وتواصلا مع العديد من المصممين العرب المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من نجاحهما في ضم أعمال العديد من المصممين الرئيسيين، لكن واجهاتهما تحديات من نوع مختلف، حيث تلفت شهاب "في بعض الأحيان، تشكك بعض المصممين في مشاركة أعمالهم، والبعض الآخر، للأسف، لم يحافظوا على أعمالهم، بينما عانى البعض من فقدان أعمالهم الفنية أو تدمير مرسمهم في مناطق الحروب مثل سوريا على سبيل المثال". ويكشف نوار "كان من الصعب للأسف زيارة بعض الدول مثل اليمن، وسوريا والسودان. وبمساعدة الباحثين الذين يعيشون في هذه البلدان ومن خلال التواصل الإلكتروني، تواصلنا مع العديد من الفنانين. ولكن كان يمكننا الوصول إلى نتائج أفضل إذا استطعنا زيارة هذه البلدان". ويرى المؤلفان أن هذا الكتاب ليس إلا البداية، حيث تأمل شهاب أن يلهم الكتاب الآخرين، "الكتاب هو نقطة انطلاق للباحثين في هذا المجال في مصر وخارجها لاستكشاف المزيد من جوانب التصميم الجرافيكي العربي. نحن بحاجة إلى جيش من الباحثين لتغطية هذا التاريخ الغني". أما نوار فهو متفائل بجهود الجيل الحالي في التوثيق، حيث يقول "أرى أن الكثير من الباحثين مهتمون الآن بالتوثيق الإلكتروني للتصميم العربي. كما نأمل أيضًا أن تزودنا عائلات الفنانين الراحلين بأعمالهم حيث نتطلع لإضافة المزيد إلى الكتاب". ويثني مايكل داكوورث رئيس دار نشر الجامعة على الكتاب موضحا "الكتاب رائع وغني بصريًا، وسيكون نقطة جذب ومنارة للمؤلفين الآخرين ومنصة لمزيد من البحث". ويرى أن الكتاب سيصبح واحدا من أهم الكتب التي نشرتها دار نشر الجامعة الأميركية في تاريخها الممتد على مدار 60 عامًا كونه يؤكد بطرق عديدة أن القاهرة ليست المركز الفكري والثقافي للشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا دار نشر الجامعة والمثقفين بالجامعة في القاهرة يمكنهم نقل التاريخ الكبير للإنجازات الثقافية العربية في العديد من المجالات إلى الجمهور في جميع أنحاء العالم".
مشاركة :